الثلاثاء، 3 يونيو 2025

مادلين العربية

 مادلين العربية

وائل قنديل

السفينة مادلين تنطلق من قطانية جنوبي إيطاليا 
باتجاه غزّة كسراً للحصار (1/6/2025 الأناضول) 

قد تنجح السفينة مادلين التي انطلقت من صقلية جنوبي إيطاليا في بلوغ شاطئ غزّة، وقد لا تنجح في ذلك بالنظر إلى السلوك الإجرامي الإسرائيلي في التعامل مع كلّ مبادرة دولية لأحرار العالم لكسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، وربما أقدم الاحتلال على إجراء يعرّض حياة 12 ناشطًا عالميّاً للخطر عند اقتراب السفينة من غزّة.

يدرك هذا كله الأحرار النبلاء المُشاركون في رحلة كسر الحصار، غير أنهم أظهروا إصراراً مُدهشاً على توصيل رسالتهم إلى العالم كلّه، حاملين علم فلسطين وهاتفين بالحرية لها والحياة لشعبها، غير عابئين بعواقب واحدة من أبلغ التظاهرات الإنسانية العالمية من أجل إيقاظ ضمير قادة العالم المتواطئين بالسلاح وبالكلام وبالصمت، وكذا إقامة الحجّة على أشقاء الشعب الفلسطيني الذين تمضي حياتهم عادية وهم على بعد خطوات منهم من دون الإقدام على محاولة صادقة وجريئة لإغاثتهم من القتل، جوعاً وناراً وبرداً وقصفاً على مدار اليوم، يستهدف الأطفال والنساء والرجال.

 تمضي "مادلين" في رحلتها وعلى ظهرها الناشطون الأوروبيون في ظلّ متابعة كثيفة من الجمهور العربي الذي يتفرّج على هؤلاء الذين امتلكوا حرية المخاطرة بحياتهم تضامنًاً مع شعبٍ يُباد ويُقتل كلّ يوم، وفي الذهن أنّ الزنازين العربية تضم مواطنين كلّ تهمتهم أنهم حاولوا التظاهر في مدنهم تضامناً مع الشعب الفلسطيني. 

وفي الذاكرة، كذلك، أن ناشطين دوليين حاولوا الذهاب إلى المعبر البرّي الوحيد إلى غزّة فكان مصيرهم الاحتجاز والترحيل، كما جرى في نهاية نوفمير/ تشرين الثاني من العام 2023  في القاهرة، حين احتجزت أجهزة الأمن المصرية أربعة نشطاء أجانب من أعضاء مجموعة "نشطاء دوليون من أجل فلسطين"، ثم رحّلتهم عقب مشاركتهم في وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية في القاهرة، للمطالبة بالحصول على تصريح من الأمن لقافلة "ضمير العالم" التي دعت إلى تنظيمها نقابة الصحافيين المصريين إلى معبر رفح.

في تفاصيل ما جرى أنّ نشطاء أجانب نظّموا وقفة من أجل فلسطين أمام وزارة الخارجية المصرية في القاهرة، وطلب أربعة منهم، هم الأميركي جون باركر، وآخر فرنسي، وناشطة أسترالية وأخرى أرجنتينية، الدخول إلى مقرّ الوزارة لتسليم رسالة إلى وزير الخارجية، سامح شكري، للحصول على التصريح الأمني اللازم لمرور قافلة "ضمير العالم". لم ينجح النشطاء في مقابلة شكري بالطبع، حيث احتجزهم الأمن داخل وزارة الخارجية 12 ساعة قبل اقتيادهم إلى مطار القاهرة وترحيلهم إلى حيث أتوا.

ربما رحلة السفينة مادلين التي أبحرت أوّل من أمس المصير نفسه، فيتعرّض المشاركون فيها للاعتقال من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أو قد تمارس هذه السلطات وحشيتها وإجرامها وتُطلق النار على السفينة إن أصرّت على مواصلة طريقها، لكن ذلك كلّه لا يكفي لمنع أحرار النضال الإنساني من أن يكونوا أحرارًا ثائرين على مفردات واقع كريه يستسلم لفكرة أن كلّ من يحاول سوف يُقصف أو يموت، وهي الفكرة التي يسجن العرب أنفسهم، حكاماً ومحكومين، داخلها، معتبرين ذلك مبرّراً كافياً لالتزام حالة العجز والصمت والفرجة والاكتفاء بتصريحات التعاطف المُجفّف والأسى المكرّر بالعبارات نفسها.

 الشاهد أن أحداً من أشقاء فلسطين، أو الذين يزعمون ذلك، لم يحاول تحدّي الحصار الصهيوني المفروض على غزّة، وبالتالي يصبح الاستسلام المُسبق لفرضية أنّ الاحتلال سيضرب كلّ من يمدّ يد المساعدة نوعاً من التهرّب الجبان من استحقاقات العروبة والإنسانية، فضلاً عن أنه لا يليق بدولة عربية كبيرة، مثل مصر، تمثّل حدودُها الرئة الوحيدة لغزّة (معبر رفح البرّي) أن تقول إنها تخشى تسيير الشاحنات المكدّسة فيها المساعدات كي لا تضربها إسرائيل، على نحو ما قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، ضياء رشوان، وهو يردّ على سؤال من قناة "الجزيرة مباشر" عن عدم إدخال المساعدات، في فبراير/ شباط 2024  "من غير الواقعي أن تُقدم مصر على إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزّة لأنها ستتعرض للقصف من جيش الاحتلال إذا دخلت بهذه الطريقة". ثم أضاف: "إسرائيل لم تتورّع عن قتل موظفي الأمم المتحدة، ولا العاملين بالإغاثة الطبية ولا قتل الصحافيين، وبالتالي سيكون سهلاً عليها قتل سائقي شاحنات وعاملين عليها".

هذا التسليم بأنّ إسرائيل ستضرب ولن يرد عليها أحد يرقى إلى شكل من التواطؤ مع واقع يفرضه الاحتلال على الجميع، من دون أن يحاول أحد التمرّد على حالة الإذعان أمام هذه الغطرسة. 

ولذلك لا يذهبن بكم التفاؤل إلى درجة الحلم بأن تكون هناك "مادلين عربية".



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق