علماء الأمة إذ يعلنون الجهاد .. ماذا بعد؟!
ياسر الزعاترة
ها هي إيران وحلفاؤها يدفعون المنطقة برمتها نحو حرب مذهبية. غالبية الأمة لم تختر ذلك.
هذه معركة فرضت عليها بسطوة العدوان والبغي والغطرسة، ومن كان يتوقع سكوتها على العدوان واهم كل الوهم.
هي معركة بائسة سيستفيد منها الصهاينة على المدى القريب، وربما المتوسط، ولكن ما حيلة الأمة إذا كانت إيران قد ألقت بالعقل والرشد في سلة المهملات وذهبت ومعها حلفاؤها تقاتل الشعب السوري الذي خرج يطلب الحرية مثل الشعوب العربية التي سبقته في هذا المضمار.
معركة القصير لم تترك خيارا لأحد، فقد أعلنها حزب الله بأمر الولي الفقيه صريحة مدوية: سنقاتل في سوريا ونحمي نظام بشار.
أما حكاية المقاومة والممانعة، فما هي سوى ذريعة لم تعد تقنع أحدا، لاسيما أن حزب الله لم يعد مقاوما منذ 2006، حيث نسي مزارع شبعا، وقبلها فلسطين، وصولا إلى ثأر عماد مغنية، وحصر سلاحه في الداخل اللبناني، والآن وجَّهه إلى صدر الشعب السوري.
ما كان لغالبية الأمة أن تستكين للعدوان بحجة عدم وضع الحب في طاحونة العدو، وما كان لها أن تستكين أمام أقلية أعلنت الحرب عليها، ولم يعد أمامها غير القتال دفاعا عن نفسها وعن الشعب المذبوح في سوريا.
في القاهرة قالها علماء المسلمين صريحة مدوية يجب أن يسمعها خامنئي ونصر الله وكل من يشايعهم. لقد دعوا إلى “اعتبار ما يجري في أرض الشام من عدوان سافر من النظام الإيراني وحزب الله وحلفائهم الطائفيين على أهلنا في سوريا حربا معلنة على الإسلام والمسلمين عامة”.
ودعوا تبعا لذلك إلى “وجوب الجهاد لنصرة إخواننا (السنّة) في سوريا بالنفس والمال والسلاح وكل أنواع الجهاد والنصرة وما من شأنه إنقاذ الشعب السوري”.
لم يسبق أن تحدث علماء الأمة (السنّة) بهذه النبرة المذهبية، وهم لم يفكروا أصلا أن تصل الجرأة بإيران حد إعلان الحرب على غالبية الأمة؛ مباشرة وعبر أذرعها الممتدة من لبنان إلى العراق والخليج، وصولا إلى باكستان.
وفي حين يتوقع أن يجري تعديل ميزان القوى في سوريا (عبر السماح ببعض التسليح بعد القرار الأمريكي) من أجل أن يتواصل الاستنزاف، لا من أجل أن يحسم الثوار المعركة، فإن الأمة لن تستكين لهذا الخيار، وستلقي بثقلها رغم أنف الأنظمة خلف خيار الحرب والجهاد ضد نظام بشار ومن يقفون خلفه.
سيقال الكثير من الهجاء في حق علماء الأمة، وسيسأل سائلهم: لماذا لم يعلنوا الجهاد في فلسطين؟ وهم في الحقيقة لم يعلنوا لأن الطرق إلى فلسطين مسدودة، وحين تنطلق المقاومة ضد العدو، فسيكون لهم موقف أقوى، لأن ما قبل ربيع العرب شيء، وما بعده شيء آخر.
ستتواصل معلقات الهجاء، ولا نقول ستبدأ، لأن لغة الانحطاط التي تربط الأمة بالبترودولار لم تتوقف يوما، وهي شككت في ربيع العرب بعد أن وصل سوريا واعتبرته مؤامرة، لكن ذلك لن يؤثر كثيرا، فأولئك يخاطبون أنفسهم ولا مصداقية لهم عند جماهير الأمة.
هي الحرب إذن، وسوريا هي الساحة، لكن أحدا لن يضمن عدم امتدادها نحو لبنان والعراق، وربما محطات أخرى، فمن أعلنوا الحرب لن يحددوا هم زمانها ومكانها، بل سيحدده الطرف الآخر.
نقول ذلك والمرارة تملأ حلوقنا، فما يجري في سوريا بات حرب استنزاف تصب كلها في صالح العدو، ولكن الأمة لا بد أن ترد العدوان، وهي بعد ذلك لن تنسى فلسطين، ولن يمنعها أحد من أن تواصل معركتها ضد الأنظمة الفاسدة، وبعد ذلك وقبله وأثناءه ضد العدو الصهيوني.
لن يزايد أحد على الأمة في حب فلسطين وكره الصهاينة، بمن فيهم الذين يستخدمون اسم فلسطين من أجل المشروع الإيراني، فهي وفي مقدمتها الشعب السوري أحرص الناس على فلسطين وقضيتها.
ثمة فرصة أخيرة لإيران وحلفائها أن يعودوا إلى رشدهم ويعلنوا تخليهم عن نظام بشار، ويطلبوا مصالحة مع الأمة على أساس من جوار صحيح، داخل كل دولة يعيشون فيها، وفي علاقة الجوار بين إيران والعالم العربي، وسوى ذلك فالحرب سجال، وإذا ما نجحوا في القصير، فهي ليست سوى جولة ستتبعها جولات كثيرة، ولن تعلن الأقلية الحرب على الأغلبية ثم تربحها أبدا، وسيهزم مع إيران كل من يقف معها أو يبرر لها أيا تكن هويته، أكان سنيا أم شيعيا، فالسقوط ليس له دين ولا مذهب، وهناك شيعة شرفاء رفضوا ما يجري، ورفضوا زج الشيعة العرب في هذه المعركة المدمرة مع إخوانهم وجيرانهم.
هي فرصة أخيرة، نشك بأن إيران وحلفاءها سيستغلونها، لكننا نعذر إلى الله بتوجيه هذا النداء، عسى أن يستعيد القوم رشدهم، وليتهم يفعلون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق