الجمعة، 22 أغسطس 2014

تفويض أميركي لـ"السيسي لوثر كينج"

تفويض أميركي لـ"السيسي لوثر كينج"


وائل قنديل
من تخوم الشطط والخرافة، إلى قاع الجنون مباشرة، هنا تستقر مسيرة ماكينة انقلاب الثورة المضادة في مصر.
الأمر تجاوز مرحلة الكوميديا التجارية الرخيصة، وبلغ حد الخلل العقلي، والجنون الرسمي، وبعد أن كانت المسألة محصورة في شخص مولع بتقمص شخصيات هاربة من فصول الفنتازيا، في كتب التاريخ الصفراء، تحولت إلى سياق عام من الهزل، تذوب فيه الفوارق بين ما يصدر عن الدبلوماسية، وبين ما "ينشع" من ملاهي الـ "توك شو" الليلية.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن، عند مطالعة البيان الصادر عن الخارجية المصرية، بشأن التظاهرات والاضطرابات في مدينة فيرجسون الأميركية، هو مشهد تلك السيدة، التي ظهرت يوما مع كائن فضائي ليلي تردد بالإنجليزية الفصيحة للغاية (شاتب يور ماوس أوباما)، تلك الصيحة، التي صارت واحدة من أشهر النكات المضحكة المبكية في العالم.
الخارجية المصرية قررت أن "تعظ" واشنطن، وتقتطع من وقتها الثمين لتعطي الإدارة الأميركية دروسا في التعامل مع التظاهرات والاحتجاجات بشكل إنساني متحضر، كما فعلت السلطات المصرية، وفضت اعتصامين سلميين بمنتهى الرقة والعذوبة الرومانسية، فلم تقتل سوى آلاف من مواطنيها فقط، وإمعانا في الرومانسية قررت أن تقيم حفل"باربيكيو" لمن لم يلفظ أنفاسه أثناء هجوم فراشات وعصافير القوات الخاصة الرقيقة على الاعتصام.
وفيما تعاملت الميديا العالمية مع بيان الخارجية المصرية باعتباره "نكتة سوداء من الدولة العكاشية"، اعتبرت وسائل إعلام السلطة الجديدة/القديمة في القاهرة أن البيان يمثل عبورا دبلوماسيا مصريا، وانتصارا سياسيا يدعو إلى الفخر، وهنا تظهر عناصر المشكلة بوضوح، الأمر الذي يسهل على الأطباء الاختصاصيين محاولة العلاج.
وإضافة إلى ما سبق من أن بعضهم تحدث عن قدرة زعيم مصر الجديد على إنقاذ الشعب الأميركي، من وحشية واستبداد رئيسه أوباما، فإن المناخ يصبح مهيأ للبدء في حملة جمع توقيعات من الأميركيين لمناشدة القيادة المصرية التدخل، لعزل ساكن البيت الأبيض، تمهيدا للحصول على "تفويض وأمر" للتعامل مع الإرهاب المحتمل، والذي يمثله جمهور مؤيدي الرئيس أوباما.
إنها فرصة الأميركيين لاستدعاء النسخة المصرية من"مارتن لوثر كنج"، كي يخلصهم من العبودية والفصل العنصري والاستبداد المتوحش، خصوصا أن سجل الرجل القصير حافل بإنجازات غير مسبوقة تؤكدها الأرقام: آلاف القتلى في فض اعتصامين، وعشرات الآلاف من المعتقلين، وماكينة ثقافية عملاقة تردد "إحنا شعب وأنتم شعب".
إذن يمكن الاطمئنان الآن إلى دقة تشخيص الحالة المصرية: هذا نظام مصاب بداء "التوحد" في طور متأخر، يجعله لا يدرك ما يدور خارج حدود الذات المتورمة بالجهل والبلادة والرداءة.
هي الرداءة التي تجعل لاعباً خلوقاً، مثل محمد أبو تريكة، الذي قدم لتاريخ كرة القدم المصرية ما لم يصل إليه أحد، في مرمى نيران آلة إعلام السلطة الانقلابية لأنه أعلن موقفا ممانعاً للتطبيع مع العدو الصهيوني، ورفض المشاركة في مباراة خيرية مع لاعبين إسرائيليين بدعوة من الفاتيكان.
الرداءة ذاتها تتهم لاعباً دولياً آخر، هو أحمد فتحي، بالخيانة الوطنية والإرهاب، لأنه اختار الاحتراف في أحد الأندية العربية، "أم صلال القطري".
وتلك قمة الملهاة المصرية: رفض اللعب مع الصهاينة خيانة، وأيضا اللعب مع فريق عربي خيانة، الأمر الذي يؤشر إلى أزمة وجودية حقيقية تعيشها مصر الانقلابية في طورها "العكاشي"، المتفشي في كل مفاصلها، من السياسة إلى الرياضة، مروراً بالإعلام والثقافة.
شفاك الله يا مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق