الاثنين، 25 أغسطس 2014

غسيل مصر القذر!!


غسيل مصر القذر!!

شريف عبدالغني

في ثاني أيام نجاح ثورة 25 يناير في خلع مبارك.. سيقطع قارئ كلامي ويسألني: هل تقصد «مؤامرة 25 يناير الإخوانية» كما هو شائع في مصر حاليا؟
وأجيبه: أيوه.. هي بعينها المؤامرة التي شارك فيها الإخوان لضرب البلد والمجتمع والناس، لكن الله يستره فريد الديب محامي مبارك وتابعه حبيب العادلي، كشف المستور وأكد بالأدلة القاطعة أنها مؤامرة من محمد مرسي وإخوانه، وعلى نفس النغمة عزف وغنى ورقص «فراودة» الإعلام والدولة «الغويطة»، حتى مسحوا «25 يناير» من القاموس بأستيكة، ووضعوا مكانها «30 يونيو»، فضلا عن سجنهم كل المتآمرين الإخوان ومعهم باقي المتآمرين من مختلف التيارات من أول «أحمد ماهر» حتى «علاء عبدالفتاح» مرورا بـ «ماهينور المصري».
نرجع لمرجعونا..
في ثاني أيام خلع حسني مبارك، انتشرت لافتات وملصقات في أماكن مختلفة تطالب الجميع بالتغيير: «لا تدفع رشوة في أي مصلحة حكومية، لا تتلق رشوة في عملك، اشتغل بجد، لا تلق قمامة في الشوارع، البلد بلدك فحافظ عليه».
الشعارات جميلة.. براقة. لو طبقت ستصبح مصر كما نحلم بها وطنا يستحق المحبة والاحترام، لكن واقع الحال يقول: إن السلوكيات لم تتغير بعدها، وإن الفساد الممنهج الذي وضع أسسه باقتدار مبارك وأعوانه طوال 30 سنة وجعله قاعدة راسخة تسير عليها البلاد قد يستغرق إزالته 30 عاما أخرى، ليبقى أمثالي -ممن لا يريدون شيئا سوى حياة شبه طبيعية- يعانون من العيش في بلد لا يصلح -بصدق- للحياة الآدمية.
المواطن يشعر بالتغيير إذا ذهب لقضاء أمر قانوني في أي جهة حكومية، دون دفع «إكراميات» وهو اسم الدلع للرشاوى في مصر.
يتأكد أن الأمور اختلفت إذا لم يجد تاجرا جشعا يستغله، أو متسولا يطارده، أو سائق تاكسي يضحك عليه، أو صاحب مدرسة يرفع المصروفات من دماغه. هل هذه أمور مستحيلة؟! 
لاحظ أنني لم أتكلم عن أجور عادلة أو غذاء صحي أو مستشفيات محترمة، أو شوارع هادئة، أو وسائل مواصلات راقية، فهذه من الرفاهيات التي لن تتحقق لجيلنا وكل ما نأمله أن يلحق بها أولادنا.
ستعود لتسألني: هل تعني أنك تريد مجتمعا مثاليا، فكل دول العالم بها فاسدون؟
طبعا لا يوجد بلد بلا فساد أو مفسدين، لكن الفارق أن معظم دول العالم التي تحترم الإنسان يوجد بها قانون صارم، ورقابة على التجار والأسواق وكل المؤسسات، ومن يرتكب مخالفة يلقى الجزاء، لكن في مصر الوضع مختلف، كل يفعل ما بدا له دون خوف من عقاب أو ردع، لأنه حتى تطبيق القانون لم يعد رادعا، فمن وضعوا القوانين ملؤوها بالثغرات ربما -كما ذكر المفكر الكبير جلال أمين في كتابه الرائع «ماذا حدث للمصريين»- حتى يستطيعوا هم أنفسهم الإفلات من العقاب إذا وقعوا في المحظور. وقد يستطيع أي محام على باب الله إخراج أعتى المتهمين من جرائم كبرى بسبب هذه الثغرات.
لنتذكر مثلا كيف تم الحكم بإعدام رجل البزنس هشام طلعت مصطفى في قضية سوزان تميم ثم خفف الحكم إلى سنوات معدودات. وهنروح بعيد ليه.. كل من قتل «متآمري 25 يناير» خرجوا مثل الشعيرة من العجين.
المفارقة أنه في ظل الحديث عن تدين المصريين، تزداد السلوكيات سوءا، بما يشير إلى أن «التدين الشكلي» الذي ميز نظام مبارك ما زال مستمرا.
تعرضت لثلاثة مواقف في هذا المجتمع «المتدين» توضح جانبا من المعاناة اليومية التي نلاقيها. 
ضاع هاتفي المحمول، اتصلت به فوجدته مغلقا، لم يكتف من وجده بمصادرته لحسابه، وإنما بدأ يفرز الأرقام المسجلة عليه ويتصل بأي اسم يلاقيه في مصر والخارج، ووصل به الأمر إلى الاتصال بزميلة صحافية ليبية في أوقات متأخرة ولما وجدها تصده وتسأله عن كيفية حصوله على رقمها، أخبرها أنه قريبي وعرف الرقم منى، ولما شتمته هددها بأنه «ضابط أمن دولة».
المعنى أن صاحبنا ليس فقيرا حتى نقول: إنه يحتاج ثمن التليفون الذي استولى عليه، بل إنه يكلف نفسه مكالمات دولية للمعاكسة، وبعدها ضاع تليفوني الثاني بنفس الطريقة، لكن حزني على هذا الهاتف بالذات جعلني أجلد نفسي وأنقم عليها لاستمراري في الحياة وسط أناس كهؤلاء. حزني ليس لقيمة التليفون المادية، ولكن لقيمته المعنوية، فذاكرته مليئة بصور رائعة لابنتي وهي رضيعة. تزداد نقمتي كلما أتخيل أن هذا «الحرامي» سيمسح تلك الصور بكل جلفة، من يجرب نفس موقفي سيعذرني بالتأكيد.
أما الموقف الثالث فيتعلق بأحد البنوك، على مدى 4 أيام حاولت الاتصال به للاستفسار عن شيء بسيط لا يستحق الذهاب إليه، طوال هذه الأيام وعلى مدى ساعات اليوم لم يكلف أحد الموظفين نفسه ويمد يده ليرد على التليفون، اتصلت أكثر من مرة بالرقم الساخن فيأخذ أحدهم بياناتي على وعد بالاتصال بي خلال دقائق لتلبية طلبي، وكل مرة لا يتصل أحد، الأمر حتم علي الذهاب إلى مقر البنك، هناك ارتفع ضغطي ليس فقط بسبب التبريرات التي ساقوها بشأن تجاهل الاتصالات والتي لا تخيل على عقل طفل، ولكن في الكذب بغباء من إحدى الموظفات، فبعدما ذكرت أن التليفونات كانت معطلة خلال الأربعة أيام السابقة فقد ناقضت نفسها وقالت إنها هي التي اتصلت بي لكني لم أرد!!
ما يعنيني في هذا كله أن ثقافة الاعتذار ليست حاضرة أبدا، فنحن في مجتمع لا يخطئ أفراده بتاتا، ودائما ما يلقون بالمسؤولية بعيدا عن أنفسهم.
لقد كتبت قبل عدة أعوام أن حاكم مصر ما بعد مبارك سيرث مهمة ثقيلة مستحيلة، وأن الدولة بحاجة إلى «نبي»، يقيم مجتمعا جديدا خاليا من الأمراض والفساد والجهل والخرافة.
المؤكد أنك ستسألني: ألا تظن أن هذا الكلام مسيء لبلدك؟
أجيبك بثقة: أرجوك لا تكلمني عن الثقافة العبيطة بعدم نشر ما يطلق عليه «الغسيل القذر» على الملأ، فقد مضى عهد رسم الصور الوردية والتغني بأشياء ليست موجودة في الواقع، ثم أن أنقد نفسي خير من أن ينقدني غيري خاصة أن مصر ملتقى كبير سبق أن لمس عيوبه قبل مميزاته كل من زاره.
ما معنى أن تعيش في بلد تشعر منذ طفولتك بالغربة فيه.
أحيانا ومن ضعف القدرة على التحمل أتمنى أن أهاجر إلى أي مكان حتى لو كان الصومال، هناك الأمور معروفة..سأدفع إتاوة للقراصنة مقابل أن يعيشوا في حالهم ويتركوني في حالي.
أما عندنا فحظي أن يطلع لي في كل خطوة إما حرامي جاهل أو موظفة بنك غبية، أو ممثلة جاهلة تتغنى بجمال ووسامة اللي ما يتسمى!

• shrief.abdelghany@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق