رئيس من "25 يناير"
محمد مرسي رئيسا لمصر في الأمم المتحدة
(26/12/2012/فرانس برس)
ولما مر العام السابع على ثورة يناير، التي اتخذت من ميدان التحرير عاصمة لها، بات الوصول إلى الميدان أصعب من الوصول إلى القدس المحتلة، لا يستطيع أهل يناير دخوله، أو حتى المرور به، فالقوات مرابطة، مدجّجة بأسلحتها، لا تتردد في قنص كل من يقترب.
طوال الأعوام الثلاثة الماضية، كانوا حريصين على إظهار الميدان خالياً إلا من مجموعات ترفع صور عبد الفتاح السيسي، وترقص على موسيقى أغنيات الانقلاب، أو تتحلق حول سيارة المرشد الأعلى للانقلاب، المشير حسين طنطاوي، وهو يتجول في الأرض التي اهتزت بهتافات تطالب بإنهاء حكم العسكر.
منذ أسابيع، ومن أهل يناير من هو مستغرق في لعبة انتخابات نظام 30 يونيو، مندفعاً بكل حماس، للمشاركة في مهزلة إضفاء نوع من الجدية على عملية فاقدة الشرعية الأخلاقية والقانونية، حتى جاءت ليلة ذكرى الثورة، فأعلن تراجعه عن خوض السباق، فصنفوه بطلاً، وسط زفة رديئة ومبتذلة.
وإذا كان كل التطبيع مع الاحتلال جريمة، كثيره مثل قليله، فكذلك كل الرقص مع الاستبداد مدان، سواء دامت الرقصة دقائق أو امتدت ساعات.. ذلك أنه لم تكن لدى اللاعبين مشكلة مع مبدأ اللعب مع الطغيان، على أرضه وبقوانينه، ما يجعل الأمر لا يختلف في كثير أو قليل مع مهزلة 2014، حين دخل حمدين صباحي حلبة الرقص مع الانقلاب، مردداً عبارته البائسة "سباق انتخابي بين الحسن والأحسن".
حين تكون طلاء لواجهة سلطة لا تملك من الشرعية إلا شرعية أمر واقع، معجون بالدم ومسكون بالقتل والقمع والتواطؤ والخيانة، لا فرق بين أن تفعلها بعض الوقت أو تمارسها كل الوقت، خصوصاً عندما يكون توقفك عن ممارسة اللعب اعتراضاً على خشونة أداء المنافس، أو مخالفات إجرائية، بينما لا اعتراض مبدئياً لديك على فكرة لعب الدور.
كل هذا الصخب المصاحب لقرار الانخراط في لعبة الانتخابات جفف الكلام عن ثورة يناير في ذكراها، وجعل عيدها السابع بنكهة الثورة المضادة وألوانها ومذاقها، فلا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات والتوكيلات، ولا بكاء أو شجن إلا على الجنرالات الذين يزيحهم السيسي من طريقه.
تسمع نحيباً ينايرياً على استبعاد رئيس الأركان السابق، الفريق سامي عنان، من السباق والتحقيق معه عسكرياً واحتجازه، فتشعر كما لو كان عنان من أيقونات ثورة يناير، ورموزها التاريخيين، وليس واحداً ممن أذاقوها العذاب، في حين أن هؤلاء كانوا يرقصون طرباً على الموسيقى العسكرية، احتفالاً بخطف (واعتقال) رئيس منتخب بشكل ديمقراطي ونزيه، ويوجهون رسائل الشكر والعرفان لمن انقلبوا عليه، فشيعوا مبدأ الانتخاب الديمقراطي الحر إلى مثواه الأخير.
تبقى الانتخابات تحت سلطة الانقلاب، وبقوانينها ومزاجها الشخصي، مهزلة ومسرحية، بصرف النظر عن نوعية المشاركين فيها وحجمهم، فهي مهزلة قبل ترشح عنان، ومهزلة بعد استبعاده، ومن ثم لا أفهم هذا المنطق الذي يجعل من قرّر المشاركة في المهزلة بطلاً جسوراً متحدّياً، ثم حين ينسحب ويتراجع يبقى أيضاً بطلاً وهصوراً.
يكتب الزميل عبد الله السناوي، وهو واحد من الناصريين المتحمسين في معسكر 30 يونيو، أمس"هناك فارق جوهرى بين شرعية الأمر الواقع والشرعية الدستورية. الأولى، لا تؤسس لأوضاع طبيعية ومستقرة.. والثانية، تتجدد بمقتضاها حيوية المجتمع، وقدرته على التصحيح والتصويب فى الخيارات والسياسات والأولويات بالاختيار الحر".
الآن فقط يتذكّرون الشرعية، ويتحدثون عنها باحترام، وهم الذين سخروا من الرئيس المنتخب، صاحب الشرعيتين، الدستورية والثورية، باعتباره المؤكد الوحيد من مخرجات ثورة يناير، وانهالوا عليه بألسنة حداد.. الآن فقط يتذكرون انتخابات ديمقراطية كان مشاركين في قتلها، وراضين بالانقلاب عليها، بعد أن تواطأوا وتآمروا على مبدأ الانتخاب الحر وسيلة للتغيير الديمقراطي.
الآن يستدعون "الشرعية" تلك القيمة الأخلاقية والديمقراطية التي يقبع الرئيس المنتخب في السجن حتى الآن، ويتعرّض لكل أنواع التنكيل والانتقام من تمسكه بها.
بعد سبع سنوات من الثورة، وفي هذه اللحظة، فقط، يعترف الكائن الـ (25 - 30) يناير ثورة واحدة حقيقية ونقية وبيضاء من غير سوء، ولأول مرة يتنازل عن خيلائه الزائفة بجريمة الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق