لو تكلم السد العالي
اختار عبد الفتاح السيسي يوم عيد بناء السد العالي، ليعلن للمصريين دخول عصر اللجوء إلى مياه الصرف الصحي، بديلاً لمياه النيل الذي صار أول ضحايا بقاء الزعيم الصغير في السلطة.
في التاسع من يناير/ كانون الثاني 1961، كانت مصر تحتفل ببناء سدها العالي على النيل. وفي اليوم نفسه من العام الحالي 2018، تم تدشين مرحلة القحط، ليقف جنرال الجدب والعطش فخوراً بالإعلان عن إنشاء أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف.
قبل ذلك، وفي اليوم نفسه من العام 2016، احتفلت مصر السيسية بعيد بناء سدها العالي، بأن راحت تتسول من إثيوبيا قليلاً من التوسعة في فتحات سد النهضة، بالتزامن مع الاحتفال بانطلاق مجلس نواب جفّف الحياة السياسية في البلاد، وصار جزءً من منظومة العسكرة، ليصل به الحال إلى ترك كل شيء، والتفرغ لتوقيع استمارات تأييد السيسي رئيساً، إلى أن تقوم الساعة.
تأتي ذكرى السد والقاهرة في حالة خصام مع التاريخ والجغرافيا، لتضع الخرطوم في خانة الخصوم والأعداء، في وقتٍ تقترب فيه أكثر من تل أبيب، وتنبطح فيه أمام أديس أبابا وتوغل في لدد الكراهية لقطر وتركيا، والآن تدخل الكويت خصماً جديداً، لأنها تحافظ على علاقات أخوة وروابط تاريخ مع قطر.
يجفّ الزرع والضرع عطشاً للمياه، بينما يغرق العباد والبلاد في مستنقع التسريبات الممتد على مدار أسبوع، ومرشح للاستمرار، كما يرتفع منسوب الدم المراق بقرارات الإعدام السياسية، حتى توقف الناس عن الإحصاء والعد، وكأنهم اعتادوا على مطالعة مؤشر الإعدامات، كما يتابعون مؤشر أسهم البورصة.
في ضجيج عبث التسريبات، لا يلتفت أحد لحجم المقتلة المنصوبة في مصر. وبحسب إحصاء الائتلاف المصري لوقف تنفيذ عقوبة الإعدام، بلغ عدد من أحيلت أوراقهم إلى المفتى في زمن عبد الفتاح السيسي 1525 مواطنا، معظمهم من طلبة الجامعات، وبلغ من حكم عليهم حضوريا بالاعدام 1182 وغيابيا 343 مواطنا، فيما وصلت أعداد المحكوم عليهم بالإعدام حكما نهائيا 52 مواطنا تم تنفيذ الحكم فى 27، وبقي 25 مواطنا في انتظار المصير نفسه.
وفي الشهرين الماضيين فقط، نوفمبر/ تشرين الثاني- ديسمبر/ كانون الأول 2017، وصل عدد الأحكام النهائية وواجبة النفاذ، والتي أصدرتها المحاكم المصرية، سواء المدنية منها أو العسكرية، إلى 19 حكماً واجب النفاذ. وبالفعل تم تنفيذ الحكم فى فجر يوم 26 ديسمبر/ كانون الأول على 15 مواطناً من أهالي سيناء في القضية المعروفة إعلاميا ب 411 عسكرية.
كما بلغ عدد المصريين الذين تمت إحالة أوراقهم إلى المفتي لاستطلاع رأيه الشرعي (الاستشاري) في إعدامهم خلال الشهرين 51 شخصاً، فيما بلغ عدد المصريين الذين تم الحكم عليهم بالإعدام خلال شهرى نوفمبر وديسمبر من عام 2017 إلى 43 مواطناً.
وقبل أن يمر أسبوع من يناير/ كانون ثاني الجاري، كانت المقصلة تحصد أربعة مواطنين مصريين فى القضية المعروفة إعلامياً بقضية ستاد كفر الشيخ. وقبل يومين، تحدثت الأنباء عن تنفيذ إعدام ثلاثة مواطنين آخرين في القضية (55/2011 جنايات عسكرية).
دولة مستغرقة بكل أجهزتها في زيادة حصتها من دماء المعارضين والرافضين، لا يمكن أن تكون أبداً مهتمة أو مهمومة بالحفاظ على قطرة الماء، فالمتعطشون للدم، الذين يحشدون كل طاقاتهم لإغراق المجتمع في آبار الكراهية، لا يستقيم أن يكونوا مؤهلين للدفاع عن النيل.
لو نطق السد العالي، لردد كلمات أمل دنقل:
ويكون عام.. فيه تحترق السنابل والضروع
تنمو حوافرنا
مع اللعنات من ظمأ وجوع
يتزاحف الأطفال في لعق الثرى
ينمو صديد الصمغ في الأفواه
في هدب العيون.. فلا ترى
تتساقط الأقراط من آذان عذراوات مصر
ويموت ثدي الأم
تنهض في الكرى
تطهو
على نيرانها
الطفل الرضيع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق