وائل قنديل
لا أحد في مصر يتكلم عن ثورة يناير في أسبوع احتفالاتها، فقط يتصارع اثنان من أفيال العسكر فوق عشبها، كلاهما أثخناها بالجراح، واعتبراها مؤامرة أجنبية، وحرّضا الناس ضدها، حتى نجح أحدهما في الانفراد بتسديد الطعنة الأعمق لها، مختطفاً السلطة.
لم يعد ثمة شك في أن مشهد ما توصف بأنها انتخابات رئاسية في مصر بات واضحاً حد الابتذال، مكشوفاً حتى الإسفاف، مجسداً لصراع عنيف داخل "حزب القوات المسلحة"، ذلك الحزب الذي انفرد بمهمة الإجهاز على ثورة يناير، وتحويلها إلى جريمة "احتلال أجنبي" بالتعبير المباشر الذي ورد على لسان الدكتور محمد البلتاجي، مقتبساً من منطوق حكم الإعدام الصادر ضد الرئيس محمد مرسي ومجموعة من قيادات الإخوان المسلمين.
لا تعدو الانتخابات التي يتحدثون عنها كونها فرصة لمواصلة الانتقام من ثورة يناير، والرقص السياسي الخليع فوق جثتها، حتى وإن استولوا على شعاراتها واستخدموها في اتجاه آخر، فالجنرال الأصغر، السيسي، أمضى ثلاثة أيام من الهذيان القومي فيما عرف بمؤتمر "حكاية وطن" يكلم الجماهير عن أخطار وكوارث الثورة (يناير) على الاقتصاد والسياسة ومختلف أوجه الحياة، ويتحدث عن الفساد والفاسدين، وهو يستضيف رموز الفساد في مؤتمر مجمع، ينتهي بمشهد شديد الابتذال درامياً، لنجمة الجماهير نادية الجندي، تعلن فيه منحه تفويضاً وأمراً من جديد، يواصل به المقتلة والمهزلة، فيرد بأداء أكثر قبحاً وركاكة دراميةً بأنه يعلن ترشيح نفسه.
يتوعد السيسي كل من يفكر في الاقتراب من كرسي الحكم بالويل، ويهدّده بملفاته وسيديهات فساده، على طريقة مرتضى منصور، قاصداً سامي عنان، رئيس أركان القوات المسلحة، في وقتٍ كان السيسي يقف بين يديه، مثل تلميذ بليد. الآن كبر التلميذ، وتجاوز الأستاذ، وصار ممسكاً بكل المفاتيح والملفات، فيرد عنان بإعلان نيته الترشح منافساً لتلميذه.
تبدأ هنا فصول دراما مثيرة، تمتلئ بالمفارقات، فالمنافس الجديد الذي كاد السيسي يذكره بالاسم، باعتباره فاسداً لن يسمح له بالوصول إلى كرسي السلطة، أعلن ترشحه، مستعيناً بنائب له، المستشار هشام جنينة، ضابط الشرطة والقاضي ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، سابقاً، غير أن المفارقة أن المرشح الذي يتهمه السيسي بالفساد يتخذ نائباً له هو أكثر من تغزل وأشاد بجهود السيسي في محاربة الفساد!
بعد أن أصدر هشام جنينة، بصفته رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات، تقريراً عن فساد بلغ حجمه 600 مليار جنيه داخل مؤسيات الدولة، حدث ما يشبه الزلزال، واستشاط السيسي غضباً، وتفاقمت الأمور حتى وجد جنينة نفسه منبوذا معزولاً، فحاول استجداء السيسي، متحدثاً إلى قناة "التلفزيون العربي" في منتصف أغسطس/ آب 2016، فقال "أنا رهن إشارة سيادته (السيسي)، وأطمح أنه إذا أراد مقابلة أو لقاء سأكون سعيدًا ومثمنًا لهذا الدور". ثم أضاف "أثق تماما في السيد رئيس الجمهورية، وفي نواياه الصادقة لأني أعلم مدى صدقه في توجهه لمحاربة الفساد. لكن من الواضح أن لوبي الفساد قوي بشكل خطير، إلى درجة أنه أصبح يخيف المسؤولين في الأجهزة الرقابية".
لم يعد أحد يشك في أن مبتدأ الكارثة التي استقرت في قاعها مصر كان تلك الثورة المضادة في 30 يونيو/ حزيران 2013 التي حملت إلى السلطة شخصاً اعتبرته إسرائيل صنيعتها، ورجلها الأثير، غير أن النائب الآخر المحتمل للمرشح المحتمل سامي عنان يراها "ثورة نبيلة"، متجاهلاً أن تلك النبيلة فعلت في المجتمع المصري فظاعة وبشاعة أكثر مما نتج عن نكسة يونيو/ حزيران 1967، إذ حفرت أخدوداً من الكراهية المجتمعية، ونوعاً من التفرقة العنصرية، على أساس المعتقد السياسي، لم يسلم منه المتحدث باسم حملة عنان نفسه، وهو يساوي بين تهمة دعم صفحات منسوبة إلى الإخوان المسلمين لسامي عنان ودعم صفحات صهيونية لعبد الفتاح السيسي.
لا يضحكك أكثر من أهل يناير الذين لا يخفون حماسهم لترشح سامي عنان باعتباره الحل، مردّدين كل المقولات المحفوظة منذ أن ناور أحمد شفيق بالترشح، عن الحلحلة والمخرج والمتنفس، وهم الذين كانوا يعلنون، قبل ست سنوات، أن أعظم ما فعله الرئيس مرسي هو إقالة طنطاوي وعنان، ويحشدون الناس للدفاع عن الرئيس ويطلبون المزيد.
تلفت النظر، وسط هذا الغبار المتصاعد، حالة الصمت الرسمي المطبق لدى جماعة الإخوان والمتحدثين باسمها، حيال ما يتناثر عن دعم عنان أو القبول به مرشحاً لإزاحة السيسي، كما يثير الانتباه أن حملة عنان تحاول خطف الورقة الأهم التي تلعب بها حملة توكيلات خالد علي، وهي موضوع جزيرتي تيران وصنافير، مدخلاً لاتهام السيسي ببيع الأرض، ثم تعلو أصوات تطالب خالد علي، الذي يطرح نفسه باعتباره ممثلاً لثورة يناير، بالانسحاب والعمل في خدمة حملة سامي عنان، أحد خصوم الثورة الألداء، وواحدٌ ممن أراقوا دمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق