الخميس، 17 أغسطس 2023

دور نصارى مصر في مقاومة المحتل تاريخياً (2 من 2)

 دور نصارى مصر في مقاومة المحتل تاريخياً(2من 2)


د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.


نص عريضة زعماء النصاري إلى الجنرال مينو:

“حضرة ساري عسكر العام:

إن جنابكم من قبل ما فيكم من العدل والحلم والفطنة أرسلتم تسألونا بأن نوضح لكم ما نحن به من القهر، نحن قبل الآن لم نقصد كشف جراحنا التي كانت في كل يوم تتسع شيئاً فشيئاً؛ 
أولاً تسليماً للمقادير وعشماً بكون كل واحد منا يرجع لذاته ويحاسب نفسه. 
تأنياً خوفاً من أن يقال عنا أننا نحب السجس (الظلم) ونواخد (نؤاخذ) بذلك من الحكام. 
ثالث ليلى (لئلا) يتضح كأننا أخصام لأخوتنا وقاصدين الشكوى عليهم ولكن من حيث جنابكم أبو الجميع وطبيب الرعايا وقد زاد علينا الحال حتى ظهرنا من جملة العصاة على أوامركم وقد قاصصتمونا لذلك فاقتضى الحال أن نستغيث بكرسيكم تعيّنوا بأمركم أناساً من أهل الفطنة خاليين الغرض ممن ترونهم أنتم يقعدوا في ما بيننا ويتبصروا في حال حسابنا وفي النهاية بعد أن يردوا الجواب لجنابكم لكم التبصر فيما تأمرون به ومع ذلك فنرجوكم بأن لا تظنوا بكوننا قاصدين بعرضحالنا الشكوى على أحد أم قصاصه بل قصاصنا نحن بوجه خاص إنكان (إن كان) يظهر كلامنا هذا بخلاف الواقع ثم إن هذا الأمر يدركه أيضاً خادمكم الخاص حضرة الجنرال يعقوب ومع ذلك لأجل طبعه الوديع محتار كيف يتصرف في مثل هذه الدعوى والله تعالى يحفظكم. 
من عند توابعكم المباشرين: ملطي وأنطوان”

أقول: مع العلم أن ملطي هذا كان من أكبر زعماء الأقباط وقد ظهر نجمه في أيام الاحتلال الفرنسي لمصر وقد تولى في عهد نابليون رئاسة محكمة القضايا.. وهي أول محاولة لتنحية الشريعة الإسلامية في مصر لأن هذه الهيئة كانت تتكون من اثني عشر تاجراً نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من النصارى وأسند منصب رئيس المحكمة إلى قاضي نصراني هو الملطي الموقع على العريضة السابقة للجنرال مينو الذي خلف كليبر في الحكم.. وكذلك صديقه أنطوان الذي كانت تلقبه عوام المصريين بأبي طاقية وكان من كبار زعماء النصاري وأكثرهم غنى، وأما الجنرال يعقوب فهو نفسه المعلم يعقوب حنا رجل الاحتلال الفرنسي وخادمهم المخلص الذي رحل معهم إلى فرنسا.

هكذا لم يثبت تاريخياً أن النصارى قاوموا الاحتلال الفرنسي وأن حكاية اختراع بطولات وهمية مثل أن بعض النصاري في ثورة القاهرة الثانية كان يمد الثوار بالمال واللوازم خاصة في منطقة بولاق أثناء حصار كليبر لأهالي بولاق.. 
فهذه شهادة الجبرتي :” وأما أكابر النصاري مثل جرجس الجوهري، وفلتيوس، وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وفي وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين، فأرسلوا إليهم الأمان” إذن ما دورهم في مقاومة الاحتلال الفرنسي إلا الفزع الهلع وطلب الأمان ثم صاروا العين الحارسة لمصالح الإحتلال.. بل إن زعيمهم المعلم يعقوب حنا كان شغله الشاغل هو حرب زعيم المجاهدين في منطقة بولاق حسن بك الجداوي؟ لماذا؟ لأن حسن بك الجداوي كان يطلب من الأغنياء مساعدة المجاهدين لشراء أسلحة وبارود وذخائر ومؤن وكل مستلزمات المقاومة فكان من يدفع منهم مالاً كان لصيانة نفسه وخوفه من انتقام المقاومين الذين كانوا متترسين في منطقة بولاق بالقاهرة وضواحيها لذلك قال الجبرتي في عجائبه: “وأما المعلم يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعداداً كبيراً بالسلاح والعسكر المحاربين وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى، فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه”

هكذا استعد المعلم يعقوب لزعيم المجاهدين المسلمين وليس لجيش الاحتلال الفرنسي! 
كما أننا نتساءل أين كان شباب النصاري في ذلك الوقت ولماذا لم نر لهم دوراً في مقاومة المحتل الفرنسي ولو كان ضعفياً؟!



النقطة الرابعة– لماذا شارك النصاري في ثورة 1919م؟

لا يهولننا بعض الكتابات التي تخرج بين فينة وأخرى مشيدة بدور النصاري في الحركة الوطنية المصرية وإن كان كتابها من المسلمين؛ إذ للأسف الشديد فجل هؤلاء الكتاب ينطلق من منطلقات لا علاقة لها بالمنظومة الإسلامية لذلك نجدهم يرهقون أنفسهم في نبش التاريخ لعل وعسى يعثرون على حكاية أو قصة تثبت أن النصاري كان لهم دور في مقاومة المحتلين، لذلك نجدهم يضخمون بعض الأحداث الفردية وتسليط الضوء عليها لتحسين دور النصاري في حركة التاريخ المصري المقاوم للاحتلال.

لذلك يهتمون بثورة 1919م ومشاركة النصاري فيها رغم أن 
النصاري ما شاركوا فيها إلا ليأسهم من الإنجليز الذين كانوا ينظرون إليهم بعين الإزدراء؛ فالاحتلال الإنجليزي يدين بالولاء للكنيسة الإنجيلية التي لا تعترف بها الكنيسة الأرثوذكسية في مصر ولا حتى الكاثوليكية في روما، وهذا ما حدث من قبل مع نابليون وحملته العدوانية على مصر إذ تقرب النصاري إليه واستخدمهم جيداً لكنه كان ينظر إليه أيضاً بعين الإزدراء فنابليون وإن كان لا دينيا فقد كانت لديه بقايا المعتقد الكاثوليكي مع الاعتزاز بتفوق الرجل الأبيض!.

فلا غرو إذن أن يشارك 
النصاري في ثورة 1919م لأنهم علموا بالتجهيزات التي يقوم بها المسلمون للثورة ويعلمون أن جماهير غفيرة من كل فئات الشعب ستشارك وأن انطلاقة الثورة ستكون من جامع الأزهر فكان لابد من المشاركة بأمر بعض زعمائهم (على طريقة حساب المكسب والخسارة) لأنه لو نجحت هذه الثورة لكان من حقهم أن يشاركوا في الحكم بقوة وهم مطمئنون أن الدولة المصرية الحديثة التي وضع لبناتها محمد علي باشا قد غيبت الشريعة الإسلامية ومن ثم فلا حكم إلا بالقانون الوضعي السائد في ذلك الوقت.. وينطبق هذا على مشاركتهم في بعض الحروب لأن التجنيد كان إجبارياً بحكم مفهوم المواطنة ولا مناص أمام شبابهم إلا الالتحاق بالجيش لتفادي العقوبة العسكرية التي ستحل بهم.

النقطة الخامسة– الحقبة العلمانية


منذ(1272هـ/1856م ـ إلى وقتنا الحاضر)

كانت مصر تحكم بالشريعة الإسلامية منذ الفتح الإسلامي عام 20 هـ وكان أول قاض بمصر هو قيس بن أبي العاص السهمي؛ في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وصل إلى سدة الحكم محمد علي باشا (ت1849)؛ الذي حمى النطفة الأولى للعلمانية التي استنسخها الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (ت1873)، ثم جاء خلفاؤه وتبنوا هذا السلخ الجديد (العلمانية) فأنشأوا المحاكم المختلطة سنة 1870م، وبعد احتلال الإنجليز مصر سنة 1882 أكملوا مشروعهم التخريبي في استبعاد الشريعة الإسلامية من الحكم واستمر الوضع هكذا حتى قام انقلاب يوليو 1952م، وتم القضاء على البقية الباقية من الحكم بالشريعة الإسلامية وتم الاستيلاء على أوقاف المسلمين فقط أما أوقاف النصارى فلم تمس!!.

وفي عهد محمد علي باشا استورد لنا الشيخ رفاعة الطهطاوي مصطلح (المواطنة) حسب منطلقات المنظومة الغربية، وبموجب مفهوم هذا المصطلح الجديد حلت رابطة المواطنة محل رابطة الدين وصار الولاء للوطن مقدماً على الولاء للدين.. ومن ثم فلا ضرورة لعقد الذمة وأخذ الجزية ولسنا بحاجة إلى اتفاقية بابليون الأولى والثانية حسب الوضع الجديد الذي تبنته الأسرة العلوية حيث تم استبعاد الشريعة الإسلامية رسمياً من الحكم وتم إنشاء محاكم تحكم بقوانين مترجمة من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا ولم يعد للشريعة الإسلامية مجال للحكم إلا في ما يسمى بقوانين الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث.

لذلك لا عجب أن يصبح في عهد الخديوي إسماعيل أول مجلس نيابي بالمعنى الغربي، ونواب نصاري لأول مرة في تاريخ مصر: 
أصبح لهم نواب في المجالس النيابية ( كان لهم نائبان من أصل خمس وسبعين عام 1869 ، وأربعة من أصل ثمانين عام 1881).

و لأول مرة يكون للنصاري قضاة ومستشارون في محاكم الاستئناف. ومنذ عام 1883 جرى التقليد على تعيين وزير نصراني واحد في كل وزارة، ثم ارتفع العدد إلى اثنين عام 1924 عندما شكل سعد زغلول وزارته. وفي العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، تولى اثنان من النصاري رئاسة الوزارة في مصر، وهما بطرس غالي ( 1908-1910) ويوسف وهبه باشا (1919-1920). 
واشترك النصاري في الأحزاب السياسية المصرية، فكان منهم اثنان في الهيئة التأسيسية لحزب الإصلاح الذي تزعمه الشيخ علي يوسف.

واثنان من أبرز أعضاء قيادة الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل، وستة عشر عضواً من أصل مائة وثلاثة عشر عضواً في حزب الأمة الذي تأسس عام 1907. 
كل ذلك تم ببركة محمد علي باشا وخلفاؤه الذين نحوا الشريعة الإسلامية التي ظلت حكم مصر منذ سنة 20هـ حتى حكم محمد علي باشا.



النقطة السادسة– اعتكافات الأنبا شنودة السياسية


الأنبا شنودة الثالث وترتيبه رقم 117 في قائمة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إذ شغل هذا المنصب بعد وفاة (كيرلس السادس) سنة 1971م وقد دأب الأنبا شنودة على اعتكافه السياسي إلى وادي النطرون كلما أراد أن يضغط على الحكومة للاستجابة لطلبات 
النصاري المصطنعة؛ وقد فعل ذلك مع السادات عدة مرات ثم ها هو ذا يعود لهوايته القديمة لإجبار الحكومة على الإفراج عن المتظاهرين النصاري وهذا ما سنشير إلى في النقطة التالية:

لقد أظهر محمد علي باشا وخلفاؤه المسألة النصرانية ورغم ذلك فلم تنج من ألاعيب الحكام أيضاً مثل استغلال الرئيس أنور السادات (قتل 1981) تطبيق الشريعة الإسلامية لكسب شعبية بعد أحداث 18 ، 19 يناير1977 م وللضغط على النصاري ليكسب ودهم “وفي شهر أغسطس 1977 وفي أعقاب نشر الصحف لما معناه أن الحكومة برئاسة ممدوح سالم تنوي تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية على المرتد عقد المجمع المقدس اجتماعاً في 1/8/1977 برئاسة البابا شنودة، وأصدر قراراً بتقديم مذكرة لرئيس الجمهورية تتضمن رفض الطوائف المسيحية تطبيق الشريعة الإسلامية وقانون الردة وضرورة حل مشاكل الطائفة(..) واتخذ قراراً بإعلان الصوم الانقطاعي ابتداءً من يوم 5/9/1977 تعبيراً عن رفض مشروع قانون الردة. 
وبالتوازي مع هذه الحركة من الداخل كان للتكتلات النصرانية والتي هاجرت واستقرت في أمريكا واستراليا تأثير كبير في الضغط على التشريعات، مستغلين كل وسائل الضغط المتاحة لهم من إعلام واتصالات، ولم يهدأوا إلا بعد أن أرسلت لهم قيادتهم الدينية في القاهرة برقية تنبئ بزوال الأزمة بعدما سحبت الحكومة مشروع القانون” (10)

وهذا ما تكرر في قضية السيدة وفاء قسطنطين إذ ذهب الأنبا شنودة إلى معتكفه السياسي في دير وادي النطرون ليجبر الحكومة على الإفراج عن النصاري المتظاهرين الذين اعتدوا بالسباب والضرب على رجال الشرطة الأشاوس الذين لا يظهرون قوتهم إلا في حالة اقتحام المساجد فقط أو اعتقال المسلمين!! وفعلاً تم الإفراج عن المتظاهرين وإن كان النائب العام قد أفرج عن نصفهم فبقيتهم سيفرج عنهم في مرحلة لاحقة حفاظاً لهيبة الدولة التي لا هيبة لها أصلاً لدى شنودة وبطانته، والمسلمين بالطبع.

النقطة السابعة– حادثة الزاوية الحمراء بالقاهرة 1981م

لقد شهدت هذه المنطقة (الزاوية الحمراء) أحداثاً دامية إذ بدأ الأقباط بالاعتداء وقام المسلمون بالرد عليهم وملخصها كالتي: بدأ الصراع على قطعة أرض فضاء لا عمران فيها فقام أهل الحي بإقامة سور عليها وجعلوها مكاناً للصلاة وتعليم الأطفال القرآن الكريم، وكان هناك نصراني اسمه كمال عياد يملك مدفعاً آلياً يطلق عليه في مصر (رشاش بورسعيدي)، وكان منزله أمام هذا المكان الذي أصبح مسجداً فيما بعد (مسجد النذير)، فنزل وأطلق عدة أعيرة نارية على الأطفال الذين يدرسون في ذلك الوقت فقتل وجرح عدداً منهم وفر هارباً .. فلما علم أهل الحي بما حدث ورأوا الدماء ملطخة بحصير المسجد هاجوا وماجوا وطفقوا يتتبعون بيوتات النصاري ..

وقد ذهبت أنا شخصياً إلى مسجد النذير وكان حي الزاوية الحمراء أشبه بساحة معركة عسكرية؛ البيوت محترقة، ومكتوب عليها وعلى المحلات شعارات من كل طرف، قوات الأمن منتشرة في كل مكان، صلينا هناك وبتنا في المسجد رغم أنه كان عبارة عن مكان محاط بسور وأرض مغطاة بالحصير للصلاة، وكان الناس يتوافدون من كل حدب وصوب بدافع حماية المسجد خاصة بعد علمهم أن النصارى قتلوا المسلمين في الزاوية الحمراء فهبوا للدفاع عنهم..

وشهادة للتاريخ فإن الذين ردوا عدوان النصاري في الزاوية الحمراء كانوا من عوام الناس الذين لا تربطهم أية علاقات بالجماعات الإسلامية رغم قوة الجماعات الإسلامية في ذلك الوقت لكن بسطاء الناس الذين كانوا يجلسون على المقاهي ويدخنون الشيشة! والنرجيلة! 
هم الذين قاموا برد الاعتداء وخاصة لما سمعوا أن الأقباط يقتلون المسلمين ثم امتدت الأحداث إلى منطقة الوايلي بالقاهرة وكادت أن تعم القاهرة.

قد استغل النصاري في الداخل والخراج هذه الأحداث؛ وصاروا يشنعون على المسلمين بالأكاذيب رغم أنهم هم الذين بادروا بالاعتداء، وقلبوا الحقائق وزعموا أن المسلمين هم الذين بدأوا قتال النصارى وهم الذين يحرقون بيوتهم.. ولا زلت أذكر هذه الأحداث ونحن نستمع لشهادات الناس إذ تبين لنا أن الكنائس الكبرى بها سراديب وأخاديد ومكدسة بالأسلحة والذخائر… وهناك أماكن خاصة في الكنائس للتدريب على استعمال الأسلحة الخفيفة والتدريب على الكاراتيه والكونغفو.. وأن بعض القساوسة يتقنون استخدام الخناجر بصفة خاصة وقد اقتحم بعض المسلمين في الزاوية الحمراء منزل أحد القساوسة الذي كان مختبئاً وراء دولاب الملابس!.. إذ صاح فيهم فجأة وأشهر خنجره وكان ماهراً في رياضة الكاراتيه إلا أنهم تمكنوا من شل حركته .. وهنا اتهم المسلمون الدولة بتشجيع الأقباط على استعمال السلاح في الوقت الذي تحرمه على المسلمين!!

تلاعب السادات بورقة تطبيق الشريعة الإسلامية:

هكذا كان السادات يستغل الدين ويلوح في وجه الأقلية النصرانية بتطبيق الشريعة الإسلامية وهو غير جاد وكاذب في نفس الوقت!! بغية تحقيق مكاسب وشراء ولاء الأقباط حيث يشعرهم أنه لولاه لطبقت الشريعة الإسلامية في مصر وهم يخشون تطبيق الشريعة الإسلامية رغم أنهم أيام تطبيق الشريعة الإسلامية قبل الحقبة العلمانية لأسرة محمد علي باشا كانوا يعيشون في أمن وأمان ولم تظهر مثل هذه المشاكل وما يسمى بالفتنة الطائفية إلا في ظل الحكم العلماني وبسبب غياب الشريعة الإسلامية!!

النقطة الثامنة– محاضر الدولة وشيخ الأزهر

في أيام الملك الصالح أيوب “كان في دولته نصراني يسمى (محاضر الدولة) أبا الفضائل بن دخان، ولم يكن من في المباشرين أمكن منه. 
وكان المذكور قذاءً في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين، ومثاله في الصحف مسطورة، ومخازيه مخلدة مذكورة، حتى بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم بردّه إلى دين النصرانية، وخروجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين وأعمالهم وأمر الدولة وتفاصيل أحوالهم. وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى، وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحل لهم الأدرار والضيافات؛ وأكابر المسلمين محجوبون على الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام. فاجتمع به بعض أكابر الكتاب فلامه على ذلك وحذره من سوء عاقبة صنعه، فلم يزده ذلك إلا تمرداً” (11)

أقول: لكن كانت هناك بقية من دين وحياء لدى سلاطين ذلك الزمان فلما علم السلطان بجرائم ابن دخان عزله وعاقبه.. وهذا ما لا يستطيع شيخ الأزهر وأنصاره من أهل المشيخة.. 
فهل يجرؤ شيخ الأزهر أن يعلن اعتكافه في المسجد الأزهر مثلاً أو حتى في بيته احتجاجاً على تسليم السيدة وفاء قسطنطين التي أسلمت إلى الكنيسة وإجبارها على الردة؟! هل يستطيع شيخ الأزهر أن يشهر في وجه رئيس الدولة آية سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).. وهل يستطيع شيخ الأزهر أن يعلن الاعتكاف ولو على سبيل التجربة احتجاجاً على اعتقال 60 ألف مسلم يقبعون في سجون النظام المستبد منذ عشرين سنة؟ هل يعتكف شيخ الأزهر مرة واحد مطالباً رئيسه الذي عينه بمساواة الأغلبية (70مليون مسلم) بالأقلية (7 مليون نصراني) في كافة الحقوق التي يحصل عليها النصاري ويحرم منها غالب الشعب المصري المسلم؟ لا أظن أنه سيفعل؟

النقطة التاسعة– هل نصارى مصر أهل ذمة حقاً؟

منذ حكم الأسرة العلوية فإن نصارى مصر لم يعودوا أهل ذمة بالمعنى الشرعي لهذا المفهوم للأسباب التالية:


أولاً: لم يعد الحاكم مطبقاً للشريعة الإسلامية ومن ثم فقد صار خارجاً على الشريعة الإسلامية ولا يعتد بكافة القوانين التي يصدرها إذ أنه والعدم سواء وما بني على باطل صار باطلاً ومن هذا الباطل تخليه عن تطبيق عقد الذمة على نصارى مصر.

ثانيا:
تعتبر ممارسات نصاري مصر مثل تعاونهم مع المحتل الفرنسي يعتبر نقضاً لعقد الذمة أي أنهم قد نقضوا عقد الذمة قبل استبعاد الشريعة الإسلامية من الحكم رسمياً إبان حكم محمد علي باشا وأسرته.

ثالثا: نصاري مصر في حاجة إلى تجديد عهد الذمة مستقبلاً لأنه لا يوجد حاكم مسلم يطالبهم بتجديد هذا العقد وحتى وجود هذا الحاكم المسلم فإن زعماءهم من بطاركة وقساوسة وشمامسة مطالبون بتبصير بني جلدتهم أنهم غير معاهدين لفسخ عقد الذمة بردة الحاكم ولنقضهم العقد من خلال عدم التزامهم ببنود عهد الذمة المنصوص عليه في الشريعة الإسلامية.

رابعاً: إن وجود ضباط وجنود نصاري في الجيش المصري شاركوا في الحروب التي خاضتها مصر منذ 1956 وحتى 1973م لا علاقة له بعقد الذمة إذ أنهم تحت حكم علماني لا يطبق الشريعة الإسلامية سواء كان هذا الحكم (خديوية ـ ملكية ـ جمهورية) فإنه لا يكون بديلاً عن عقد الذمة لأنهم بموجب قانون المواطنة والجنسية المصرية يتوجب عليهم أن يؤدوا الخدمة العسكرية وإلا سوف يحاكمون عسكرياً بعدم إطاعة الأوامر العسكرية التي تصل إلى حد الخيانة العظمى إذن فهم لم يشاركوا في هذه الحروب رغم قلتهم طواعية.

خامساً: لا يجوز أن تكون المواطنة بديلاً عن عقد الذمة وأخذ الجزية لأن المسألة ليست في بند أخذ الجزية فقط بل هناك شروط أخرى يجب أن يلتزم بها النصارى وقد أخلوا بها جميعاً ومنها وهي كالتالي:

أما المستحق فستة شروط أحدها: أن لا يذكروا كتاب الله تعالى بطعن فيه ولا تحريف له. 
والثاني: أن لا يذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتكذيب ولا إزدراء. 
والثالث: أن لا يذكروا دين الإسلام بذم له ولا قدح فيه، والرابع: أن لا يصيبوا مسلمة بزنا ولا باسم نكاح. والخامس: أن لا يفتنوا مسلماً عن دينه ولا يتعرضوا لماله ولا دينه. 
والسادس: أن لا يعينوا أهل الحرب ولا يودوا أغنيائهم. فهذه الستة حقوق ملتزمة فتلزمهم بغير شرط، وإنما تشترط إشعاراً لهم وتأكيداً لتغليظ العهد عليهم ويكون ارتكابها بعد الشرط نقضاً لعهدهم” (12)

وفي حالة نقضهم يقول الماوردي:

“وإذا نقض أهل الذمة عهدهم لم يستبح بذلك قتلهم ولا غنم أموالهم ولا سبي ذراريهم ما لم يقاتلوا ووجب إخراجهم من بلاد المسلمين آمنين حتى يلحقوا مأمنهم من أدنى بلاد الشرك، فإن لم يخرجوا طوعاً أخرجوا كرهاً” (13)

وهذا ما فعلوه في قضية السيدة وفاء قسطنطين، واستعانتهم بأعداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ورغم علمنا أنهم قد نقضوا عقد الذمة منذ ما يناهز قرنين إلا أن ما قاموا به مع السيدة وفاء قسطنطين يعضد أنهم يتربصون بالمسلمين الدوائر.

صفوة القول

إن نصاري مصر يرفعون شعارات بالية (مصر قبطية وستعود إلى الأقباط) ويقومون باستفزاز مسلمي مصر ويستعرضون قوتهم التي يتوهمونها أمام وسائل الإعلام في تحد سافر لمشاعر المسلمين؛ السواد الأعظم لشعب مصر. فحسب آخر إحصائية فإن عدد سكان مصر وصل تقريباً إلى 77 مليون نسمة؛ نسبة النصاري منها حوالى 4 مليون!

إذن المتبقي هو 73 مليوناً من المسلمين.. فهل يعي عقلاؤهم بما سيحدث لهم إذا نفد صبر عوام الشعب المصري وليس (الحركات الإسلامية) من جراء تعمدهم انتهاك حرمات المسلمين عبر تظاهراتهم المصطنعة وقنواتهم الفضائية التي تهاجم عقيدة المسلمين؟.

إن ما يقوم به نصارى مصر بقيادة الأنبا شنودة الثالث إهانة لمشاعر المسلمين في مصر وفي العالم الإسلامي بأسره. الأنبا شنودة الذي عودنا على اعتكافه السياسي في وادي النطرون مهدداً القيادة المصرية الخانعة المرتجفة من ضغوط الغرب؛ لن يجدي اعتكافه هذا إذا تمخض الزلزال وخرج المارد من قمقمه فلن يتحمل الشعب المصري كل هذه الإهانات المتكررة من نصارى مصر تلك الأقلية التي لا هم لها إلا الاستقواء بالغرب .. لا .. ولن تنفعهم أمريكا ولا قوات الناتو ولا من في الأرض جميعاً من غضبة الشعب المصري المسلم المكلوم المهان في دينه وكرامته..

فأفيقوا قبل أن يتمخض الزلزال.. وساعتها سيقول الجميع ولات حين ندم!.



(10) المناوي: الأقباط: الكنيسة أم الوطن//دارالشباب العربي للنشر والتوزيع والطباعة/مصر/ص 228

(11) ابن القيم: أحكام أهل الذمة ـ ص188.

(12) الماوردي: الأحكام السطانية ـ تحقيق عماد زكي البارودي ـ المكتبة التوفيقية ـ القاهرة ـ ص256

(13) الماوردي: الأحكام السطانية ـ ص259.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق