دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها
إننا نراهم في زماننا على منابر التواصل وقنوات “الفيديو”، يتفنون في فتنة الناس! يخلطون خلطا عجيبا ويكذبون ويدلسون بلا خشية من الله تعالى ولا حياء!
يجلبون الأنظار بألسنة فصيحة وخطابة ملفتة وديكور إعلامي خادع، قد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فعن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخوف ما أخاف عليكم جدال المنافق عليم اللسان». (صحيح – رواه ابن حبان).
يخفون الأدلة الدامغة، ويتعلقون بالمتشابه وينصرون هواهم بكل صفاقة! رويبضات بجرأة، وجهل وتعالم يتستر بالعلم وما هم إلا قطاع طرق في سبيل العلم.
ومن أعجب ما تسمعه منهم، يحلون ما حرم الله! ثم قولهم لمن ينكر عليهم ذلك، ويدعوهم لاتباع ما عليه أئمة العلم منذ زمن السلف الصالح، لا تكونوا كما كان الكفار يقولون (بل نتبع ما وجدنا عليهم آباءنا)! يريدونها تبديلا والتواء!
يجعلون بكل وقاحة من اتباع قول الله تعالى ورسوله وهدي صحابته رضي الله عنهم، اتباعا ضالا للانتصار لأهوائهم السقيمة!
إننا في زمان ينادى به بالحرام! وينافح عنه بلي أعناق النصوص الشرعية، ولكل تعالم وجهالة سوق!
ولو كان الأمر وقوعا في معصية وإنكارا لها بالقلب وعدم المنافحة عنها كأنها حق، لكان الأمر أهون، ولكنها محاماة عن الباطل وأزٌّ عليه وبخس للحق وذم له! ولله في خلقه شؤون!
أكتب هذه الكلمات بعد ما وصلني من رسائل متألمة لما تنشره بعض القنوات التي تتصدر فيها بعض النساء بكامل أناقتها، وزينتها، لتحدث الناس في دين الله تعالى، وجل كلامها تدليس وظلم للنفس والناس! وكأن دين الله لم يعد له من ينصره، فجاءت لتغير للناس فهمهم للدين كما فهمه الصحابة رضي الله عنه!! وكأنها تقول أنا أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وتحظى مثل هذه القنوات بثناء أصحاب الهوى، والاجتماع على الإثم والعدوان.
وإن كل مؤمن على الفطرة ليغضب لله ورسوله- صلى الله عليه وسلم- حين يشاهد هذا التصدر البائس الذي يدوس على ميراث أئمة أهل السنة ويتشدق بعبارات فارغة وأساليب منكرة وتدليس خبيث. يدعي الفهم وحظه من العلم لا يتعدى الجدال والتلبيس.
حديث حذيفة رضي الله عنه
عن حذيفة بن اليمان، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» ، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا» ، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: ” فالزم جماعة المسلمين، وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت، وأنت كذلك “.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول صفاتهم أنهم من جلدتنا يتكلمون بألستنا! وقيلَ في شرح هذا الحديث (الدرر السنية): يَتكلَّمونَ بما قال اللهُ ورَسولُه مِن المَواعظِ، والحِكمِ، وليس في قُلوبِهم شَيءٌ مِن الخَيرِ، يَقولونَ بأفْواهِهم ما لَيس في قُلوبِهم.
قال حُذَيْفةُ رَضيَ اللهُ عنه: يا رَسولَ اللهِ، فما تَأمُرُني إنْ أدْرَكَني ذلك؟ قال: تَلزَمُ جَماعةَ المُسلِمينَ وعامَّتَهمُ الَّتي تَلتَزِمُ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وإمامَهم، وهو أميرُهم العادِلُ الَّذي اخْتاروه، ونَصَّبوه عليهم، وقيلَ: تَلزَمُ الجَماعةَ الَّتي أمَرَ الشَّارِعُ بلُزومِها جَماعةَ أئمَّةِ العُلماءِ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى جعَلَهم حُجَّةً على خَلقِه، وإليهم تَفزَعُ العامَّةُ في أمرِ دِينِها، وقيلَ: هم جَماعةُ الصَّحابةِ الَّذين قاموا بالدِّينِ، وفرَّقوا عِمادَه، وثبَّتوا أوْتادَه، والجامِعُ بيْن كلِّ هذه المَعاني هو التَّمسُّكُ بصَحيحِ الدِّينِ في أوامِرِه ونَواهيه.
فقال حُذَيْفةُ رَضيَ اللهُ عنه: فإنْ لم يكُنْ لهم جَماعةٌ ولا إمامٌ يَجتَمِعونَ على طاعَتِه؟ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ لم يكُنْ لهم إمامٌ يَجتَمِعونَ عليه، فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو كان الاعْتِزالُ بالعَضِّ على جِذعِ شَجرةٍ، فلا تَعدِلْ عنه، والعضُّ هو الأخذُ بالأسْنانِ والشَّدُّ عليها، والمُرادُ المُبالَغةُ في اعْتِزالِ المَرءِ للفِتنِ، حتَّى يُدرِكَه المَوتُ وهو على تلك الحالةِ مِن الاعْتِزالِ. أعاذَنا اللهُ مِنَ الفِتنِ ما ظهَرَ منها وما بطَنَ. وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعْلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حيثُ أخبَرَ بأُمورٍ مُختَلِفةٍ مِن الغَيبِ لا يَعلَمُها إلَّا مَن أُوحيَ إليه بذلك مِن الأنْبياءِ والمُرسَلينَ.
الغضب لتبديل دين الله سنة!
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يغضبون أشد ما يكون لرؤية تبديل في دين الله تعالى، عن أم الدرداء، تقول: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ فقال: «والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعا» (صحيح البخاري).
يقول الإمام الفذ ابن القيم رحمه الله: “فإن القلب كلما كانت حياته أتم، كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل”. (إعلام الموقعين 2-157).
فأين غضب المؤمنين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم! وكل يوم نرى رويبضة يتسلق المنابر ويسمم القلوب بزعاف جهالته! قد جعلوا ميراث السلف مرمى أهدافهم تشنيعا وتحريفا وبخسا وذما، واستبدلوه بترهات عقولهم القاصرة ابتغاء تحريف الكتاب والسنة ليوائم أهواءهم. قال الله تعالى (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) (المؤمنون: 71).
في زماننا هذا زمن الغربة والفتن! لابد من مدافعة الباطل وفضح هذه المنابر التي تتكاثر كل يوم لسهولة الوصول على الشبكة، فلا بد لأهل العلم وفرسانه من كشف خيانة دعاة على أبواب جهنم وتبيان مخالفتهم لما عليه جماعة المسلمين على هدي القرآن والسنة والسلف الصالح، وأقل الواجب، عدم التفاعل مع قنواتهم وحساباتهم أو الترويج لها، وإنكار ضلالاتهم.
ولا يعقل أن نرى الكثير من طلبة العلم شغلهم الشاغل لا يتعدى نشر الفوائد العلمية! ولكن عن ميادين رد الباطل يغفلون ويبخلون! وهل العلم إلا خوض الملاحم ونصرة التوحيد والسنة بفروسية أئمة أهل السنة!
وهل العلم إلا مدافعة ترفع فيها راية الحق ويزهق فيها الباطل!
ثم دعوة الناس على ما كان عليه الجيل المتفرد كما في وصية النبي صلى الله عليه وسلم، روى ابن ماجه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال: ” قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، (حديث صحيح).
وفي الختام
أيها المسلم .. أيتها المسلمة، في صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: “إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم”. وليكن الهدي قول الله جل جلاله (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 18)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بين، وبينهما أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشُّبُهات فقد اسْتَبْرَأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يَرْتَع فيه، ألا وإن لكل مَلِك حِمى، ألا وإن حِمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب». [متفق عليه]
فاستقم كما أمرت ولا تلتفت لما يبرر به القوم انحرافاتهم .. وردد قول ابن القيم رحمه الله تعالى:
“كلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق، واحرص على اللحاق بهم، وغض الطرف عمن سواهم؛ فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك فلا تلتفت إليهم؛ فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك”. مدارج السالكين (21/1)
اللهم أحينا وأمتنا على التوحيد والسنة، اللهم ثبتنا على خطى السابقين الأولين، اللهم اكفنا شر كل من يحرفنا عن سبيل المؤمنين ويشغلنا عن مراتب العلياء رفقة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق