الأربعاء، 4 ديسمبر 2024

محور المساومة أم محور المقاومة؟!

 محور المساومة أم محور المقاومة؟!




كان "طوفان الأقصى" من البداية فرصةً لجميع الفاعلين، أن يثبت كلّ إنسانٍ شرفه ومروءته، وأن تثبت كلّ قوّة في ما راكمت قوّتها، ولمَ أعدّت جيوشها، ولم يبخل لبنان ولا "المحور" في المشاركة بدمائهم وقوّتهم وعنفوانهم في المعركة، كانت شاهدةً بما يكفي على ما دفعوه ثم مضوا، وبقيت غزّة شاكرةً لمن ساندها، ولو بطلقةٍ واحدة، فما بالك بمن هُجّر من قراه وفقد قادته ودفع أمنه وسلامته، وكان ذلك الموقف المحوريّ حينها ليس لغزّة، ولا من أجل عيونها بقدر ما هو لأجل الفاعل نفسه، الذي يفعل ما تمليه عليه مبادئه في ذلك الزمن الجديد، الذي ليس بالضعف الذي مضى، ولا بالحيرة أمام الخيارات كما كان السابق، وإنّما هي معركة كبرى مفروضة على الكل، شاء من شاء وأبى من أبى، فانخرط فيها من أراد أن يرفع عن نفسه حرج الجبن، أو أراد أن يدفع بنفسه تجاه الجسارة، وتلك مواقف للتاريخ لا تُنسى.

لكن على الطرف المقابل، ليست غزّة "مكسورة العين" حتى تردّ "الجمايل"، ولا أهلها معوزين إلى الغير مقابل حرية آرائهم وسلامة مبادئهم واتساق نفوسهم، ولا كان الثمن المعروف والمتفق عليه قبل "المساندة" أن تتبادل الأطراف مواقف الإسناد معنويًا على كلّ الجبهات، الجبهة الوحيدة المعنيّة بها غزّة هي فلسطين، والجبهة الوحيدة التي تجمع عليها الأمة دون جبهاتها المحلية كلّ في مكانه، هي فلسطين، أما أن تسند فلسطين جبهات أخرى في حساباتٍ إقليمية شتى، فتلك فريةٌ تحتاج إلى التفنيد وإعادتها إلى نقطة النظام.

فحين شارك المشاركون، وضع العاقلون مواقفهم جانبًا، وقالوا إنهم إن أوغلوا في دماء الشعوب الحرّة الأخرى، فلا مانع من حرصهم على دم هذا الشعب الفلسطيني الآن، بحسابات السياسة والمروءة البحتة، فذلك الفتوة الذي استعرض قواه وعضلاته على ضعيف في الشارع، واحتل بيته، ثمّ حين أقع في احتلالٍ لبيتي من قبل فتوة آخر من خارج الشارع، يأتي هو ليدافع عني، لن أقول له من فضلك انصرف، وإنما سأدعه يدافع لحساباتٍ كثيرة، وشريفة، ومنطقية، ولكن حين يمضي، وتنفض جبهته، ثم يذهب ليحتل بيت أخي بعدما دافع هو ذاته عن بيتي، في تناقضٍ صارخ بالنسبة إليه لا يعنيني أنا وإنما يُسأل هو عنه، فإنني ليس المطلوب مني أن أصفق له، وأن أبرّر له سفك دماء أخي، لأنّه ذات يوم شاركت دماؤه دمائي في صحن بيتي، فإنني بذلك أكون قد حرّرت نفسي وأرضي من عدو، ثم سلمت عقلي وإرادتي لآخر! فماذا جنيت وماذا كسبت؟

المطالبة بأن تسند فلسطين جبهات أخرى في حساباتٍ إقليمية شتى، تلك فريةٌ تحتاج إلى التفنيد وإعادتها لنقطة النظام

وعليهِ، فإن على ذوي القرار والرأي أن يعوا ذلك، بأنّ ذلك ليس "جميلاً" ترده غزّة، لدرجة ممارسة الإرهاب الفكري عليها وعلى أبنائها، والابتزاز العاطفي على نطاقٍ طائفي أوسع، والردّ على استغاثاتها من عدوّها بردود "شوارعية" من قبيل: "ابقى خلي الجولاني يحارب معاك"، فإنّ ذلك من الأذى الذي يعقب مواقف الشهامة، ومن المَنّ الذي لا وجه له في موقفٍ ومكان كهذين، وإنّ المقاتل المساند حين قاتل فليس لأن غزّة ميضأة يغسل فيها عاراته القديمة، ويصفّي بها ثاراته السقيمة.

ولذا، فالمجد لتلكما الرايتين المتجاورتين على قلعة حلب، المجد لذلك العلم الفلسطيني المرفرف في قلب الشمال المحرّر، المجد لهؤلاء المقاتلين الماجدين في طريقهم إلى ردّ الحقوق وصيانة الأوطان، المجد لأولئك الذين انشغلوا ببلادهم ويدحرون باسم الله طغاتهم وغُزاتهم، المجد لأصحاب الأرض الأصليين في أي أرضِ وزمان، المجد للذين لم يغدروا، ولم يغادروا، للذين ظلّت أعينهم صوب بلادهم وبلداتهم، المجد لهؤلاء السكان الحقيقيين، لا النزلاء المارقين المارين، باسم الطائفة، وباسم المصالح المشتركة، وعلى حساب المظلومين المقهورين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق