الخميس، 5 ديسمبر 2024

أصدقاء سورية... أصدقاء بشّار

أصدقاء سورية... أصدقاء بشّار

وائل قنديل


 كما في ألعاب "بلاي ستيشن"، يتطاير النظام السوري وتتساقط المدن السورية الكبرى في لمح البصر أمام هجوم قوّات المعارضة السورية المسلّحة، كما تسمّيها وسائل الإعلام، أو طلائع المجاهدين، بحسب بيان قائد العمليات العسكرية أبو محمد الجولاني، وهو يحتفل بما أسماه "فتح حماة" بعد فتح حلب، فيما لا يزال طيفٌ واسعٌ من الناشطين الداعمين يصرّ على "أن الثورة السورية تنتصر أخيراً وتسقط النظام".

جرى كلّ شيءٍ بسرعةٍ أربكت المحلّلين والمتابعين، وأظهرت نظام بشّار الأسد أوهن من بيت العنكبوت، ولم تكن تكبيرات النصر وتهليلات الفتح كافية لكتم هدير الأسئلة وعلامات الاستفهام والتعجّب، من أين جاء هؤلاء وكيف وصلوا بهذه السهولة، من دون أن يشعر أحدٌ بوجود الجيش السوري، أو بأثر إسناد الحلفاء والداعمين لنظامٍ ينهار، وما كلّ هذه الإمكانات العسكرية بيد خصومه؟... 

وقبل ذلك كلّه سؤال التوقيت والتحريك، بعد ساعاتٍ من اتفاق الحكومة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي على وقف العدوان وسكوت المقاومة.

مع سقوط حلب أمام زحف المسلحين، هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) والجيش الوطني، المدعوم تأسيساً وتسليحاً وتدريباً من الحكومة التركية، خطب أبو محمد الجولاني في أهالي حماة "إن إخوانكم المجاهدين الثوار بدأوا بالدخول إلى مدينة حماة لتطهير ذاك الجرح الذي استمر في سورية لمدة 40 عاما... أسال الله عز وجل أن يكون فتحاً لا ثأر فيه بل فتحاً كله رحمة ومودة".

ثلاثة عشر عاماً تفصل بين مفردتي "المجاهدون والثوار" ومصطلحي المعارضة المسلّحة والثورة السورية، تلك التي تلقفها من يسمّون أنفسهم "أصدقاء سورية"، فتوقفت عن كونها ثورة وتحوّلت إلى صراعٍ مسلح مع نظامٍ كان من المهم، بل ومن الضروري أن يسقط بفعل ثورةٍ شعبيةٍ هائلة ضمّت تنوّعات هائلة من الجماهير العطشى للتحرّر من الاستبداد والفساد.

كانت أغلى هدية قدّمها الذين يطلقون على أنفسهم "أصدقاء سورية" أو "أصدقاء الثورية" إلى النظام الذي قامت ضدّه تلك الثورة، هي دفعها إلى حمل السلاح والتحوّل إلى مجموعاتٍ مسلحة تحارب السلطة وجيشها، الأمر الذي منح النظام الحجج ليقول إنّه يقصف المدن والأحياء دفاعاً عن الوطن ضدّ الإرهاب المسلّح المدعوم خارجيّاً، ولا تزال الذاكرة تحتفظ بالبيانات الصاخبة التي أصدرها أصدقاء سورية، من العرب والعجم، بعد مؤتمرات واجتماعات طافت أرجاء الدنيا من تونس، عروس الثورات، إلى إسطنبول مروراً بلندن وروما وباريس والدوحة، وكلّها بيانات تدفع في اتجاه المعالجة العسكرية لإنجاح الثورة وإسقاط النظام.

في البداية، كان الأصدقاء بصدد الذهاب إلى تشكيل قوات عربية ودولية، بالأحرى أميركية، تتوجّه إلى الأراضي السورية للتصدّي لجرائم النظام ضدّ الشعب الأعزل، إلا من الهتاف والحلم بالحرية. وفي العام 2012، كانت مبادرة جامعة الدول العربية وما تتضمّنه من إرسال قوّات عربية مشتركة وإنشاء مناطق آمنة وتوفير كلّ أشكال الدعم والمساعدة للشعب السوري. غير أنّه في ما بعد انهمرت اجتماعات مجموعة أصدقاء سورية، التي تنتهي بالتشديد على تسليح الثورة/ المعارضة، وفي يوم 19 إبريل/ نيسان 2013  انعقدت في إسطنبول أعمال مؤتمر مجموعة أصدقاء سورية بحضور عديد من وزراء خارجية الدول الكبرى، من أجل تعزيز دعم المعارضة السورية المسلّحة التي تقاتل نظام بشّار الأسد، بعد إعلان واشنطن نيّتها زيادة "المساعدات العسكرية غير القاتلة".

يومها خرج وزير خارجية السعودية، سعود الفيصل، بدعوته إلى تسليح المعارضة السورية، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، ليقول إنّ 

"تسليح المعارضة واجب .. أعتقد.. لأنها ما تقدر تدافع عن نفسها إلا بالأسلحة للأسف".

لاحقاً، التقت هيلاري وزراء خارجية الدول الخليجية الخمس الأخرى: الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان للدفع في هذا الاتجاه، ثم في منتصف أغسطس/ آب من العام نفسه قالت مصادر في المعارضة السورية والمخابرات ومصادر دبلوماسية إنّ معارضين مسلحين في جنوب سورية بدأوا باستخدام صواريخ مضادة للدبابات، حصلوا عليها أخيراً من السعودية، ما يعطي دفعة جديدة لمعركتهم ضدّ بشار الأسد.

لنصل إلى العام 2015، حيث نشر موقع هافينغتون بوست الأميركي تقريراً بعنوان "تحالف غير متوقع بين السعودية وتركيا لإطاحة الأسد"، تحدّث أنّ السعودية وتركيا تُجريان محادثات عالية المستوى، بهدف تشكيل تحالف عسكري لإطاحة الأسد، بحيث تقدّم تركيا القوات البرّية، فيما ستقوم السعودية بعملية الدعم عن طريق الغارات الجوية، لمساعدة من سمّاهم التقرير "مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين".

لم يمرّ على هذا الاندفاع العربي الدولي نحو إسقاط بشار الأسد بالقوّة المسلحة أكثر من 30 شهراً حتى استدار "أصدقاء سورية"، وقرّروا أن يكونوا أصدقاء بشار الأسد، لتبدأ منذ العام 2018 عملية وصل ما انقطع مع بشار الذي قال له أردوغان ذات يوم

"البقاء في الحكم غير ممكن ما دمت تظلم شعبك". 

ثم قرّر أن يسعى إلى التصالح معه في ظلِّ تمنّع الأخير، وعاد بشار يُستقبل استقبال الأصدقاء الأعزاء الكبار في عواصم القمم العربية المُتعاقبة، فيما لم يَعد لما كانت تُسمّى "ثورة الشعب السوري" أو الثورة اليتيمة على موائد القساة الغلاظ، من أصدقاء سوى السلاح والمجاهدين الملتحقين بها من مشارب كثيرة، حتى كادت تُنسى، ليستيقظ الجميع بعد 14 شهراً من عدوان صهيوني هو الأعنف على فلسطين ولبنان بجحافل الفصائل السورية المسلحة، أو قوّات المجاهدين بتعبير قائدهم الجولاني، تلتهم المدن السورية واحدةً تلو الأخرى بسرعة مذهلة، حتى باتت على أبواب حمص، محطّتها الأخيرة قبل دمشق، بينما يبدو النظام وكأنّه بلا رأس يحكم وأذرع تحارب، لا بشّار ولا جيشه هنا، وكأنّنا بصدد حالة نظام يتفرّج على أحداث سقوطه على الهواء مباشرة وهو يتناول طبقاً من الفستق، فيما تجد في الخلفية أصدقاء سورية الذين كانوا يصرخون "التسليح الكامل والتدخل العسكري الآن وليس غداً"، يدافعون عن بشّار ضدّ هجوم "المليشيات الإرهابية المدعومة من جهات خارجية".. هؤلاء الأصدقاء يتحملون المسؤولية قبل غيرهم عن الوصول إلى اللحظة الراهنة الملبّدة بغيوم الأسئلة: 

سورية إلى أين في دروب المستقبل المظلم؟ 

هذا هو السؤال الذي يُخيف الجميع، الذين تمنوا نهاية حكم سلطة مستبدّة ارتكبت جرائم بحقِّ شعبها، وأولئك الذين يروْن في وجودها ما يضمن بقاء سورية موحّدة، حتى لو كانت مستبدة وفاشلة، بدلاً من تشظيها وتطايرها داخل مراجل اقتتالٍ أهلي قد يقع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق