الثلاثاء، 22 أبريل 2025

فيتنام الفلسطينية: لا جدال في المقاومة

 فيتنام الفلسطينية: لا جدال في المقاومة

 وائل قنديل


بمقاييس القوّة، لم تكن فيتنام تمتلك من القدرات العسكرية ما يجعلها تصمُد يوماً واحداً في معركة مقاومة ضدّ أكبر قوّة عسكرية في العالم، أو تفكّر في الانتصار عليها، غير أنّ فيتنام انتصرت ونجحت في إلحاق هزيمة تاريخية بالاحتلال الأميركي لها، بعد مقاومةٍ امتدّت لما يقرب من عقدين.

انتصرت فيتنام، لأنها كانت الأقوى، بالمعايير الأخلاقية والإنسانية، انتصرَت لأنها كانت تمثّل الحقّ في مواجهة الباطل المُدجّج بأكثر الأسلحة العسكرية فتكاً، والحقّ دائماً مبدعٌ في ابتكار أساليب مذهلة من العمل المقاوم بالسلاح، على نحوٍ جعل العالم كلّه يقف مشدوهاً أمام ملحمة الشعب الفيتنامي، حتى سقطت سايغون، آخر المعاقل التي تُسيطر عليها قوات الاحتلال الأميركي، التي أُرغمت على الانسحاب بعد حربٍ طويلة أسفرت عن سقوط أربعة ملايين فيتنامي مقابل 58 ألف قتيل من القوات الأميركية.

كانت فيتنام الشمالية تحارب من أجل التحرير الكامل للأراضي الفيتنامية وانضمام الجنوب (الخاضع للاستعمار الأميركي) والشمال في وطن فيتنامي واحد. وعلى الرغم من فداحة عدد الضحايا، فإنّ أحداً في العالم لم ينظر إلى المقاومة الوطنية باعتبارها جريمةً بحقٍّ الشعب الفيتنامي أو فعلاً متهوّراً يعرّض البلاد للضياع، ذلك أنّ العالم كان لا يزال يتمتّع بذلك السياج الأخلاقي العادل الذي ينظر إلى مقاومة الاحتلال فعلاً أخلاقيّاً، بل هي الفعل الأخلاقي اللازم للشعوب الواقعة تحت الاستعمار. ومن هنا، كان سقوط سايغون في مثل هذا الأسبوع من العام 1975 حدثاً إنسانيّاً إبداعيّاً احتفلت به البشرية، وخلّدته في أعمال أدبية وفنية بكلّ اللغات الحيّة.

لم يكن أحدٌ من ذوي الضمير والعقل في العالم يجرّم فعل المقاومة الفيتنامية، كما لم ير أحدٌ في جرائم الحرب الأميركية عملاً ضروريّاً فرضته ظروف موضوعية، حتى داخل المجتمع الأميركي نفسه الذي شعر بالعار مرّتين: مرّة مع الفظائع الإرهابية التي ارتكبتها القوات الأميركية، ومرّة مع الهزيمة المذلّة عسكريّاً وأخلاقياً، باستثناء الدمويين، من أمثال رئيس أوّل حكومة مصرية بعد مجزرة ميدان رابعة العدوية في أغسطس/آب 2013 حازم الببلاوي الذي أجرى حواراً مع قناة ABC الأميركية، وسألته المذيعة عن مقتل ألف من المعتصمين في الميدان (بحسب تقديرات حكومية)، فكان ردّه أنّ هناك أوقاتاً استثنائية يمكن أن تُرتكب فيها أعمال وحشية، وشبّه ذلك بما فعلته الولايات المتحدة في فيتنام والحرب العالمية الثانية من قتل مئات الآلاف، وهو ما علّقت عليه المذيعة فيما بعد قائلة "إنها مقارنة مذهلة وبشعة، لكنه أخبرني أنه لا يشعر بأي تأنيب ضمير ولن يتراجع".              

على ضوء ما سبق، تبدو الأصوات التي تُلقي باللائمة على المقاومة الفلسطينية في غزّة لأنها خاضت المعركة ضدّ الاحتلال غير عابئةٍ بالفوارق الرهيبة في القدرة العسكرية، تبدو أصواتاً منفلتةً من أيّ اعتباراتٍ أخلاقيةٍ أو إنسانيةٍ، ذلك أنّ الفطرة السليمة تقول إنّ الوظيفة الأولى أو النشاط الإنساني الأوّل في حياة أيّ شعبٍ صاحب حقٍّ وأرضٍ وواقع تحت احتلال هي المقاومة، هي السعي، بكلّ السبل وفي كلّ وقتٍ وفي كلّ مكان، إلى التحرير وطرد المستعمر، بينما غير ذلك هو الخلل والانحراف القيمي، إذ لا يحترم التاريخ شعباً تنازل عن حقوقه في الحرية، تحرير الإنسان وتحرير الأرض، وارتضى أن يعيش خادماً لمشروع الاحتلال، كما فعلت فيتنام الجنوبية مع المستعمر الأميركي، وكما تفعل سلطة التنسيق الأمني في رام الله مع المحتل الصهيوني.

والحال كذلك، لا يُعدّ فعلاً أخلاقيّاً يتمتّع بأدنى قدر من العدل والاستقامة الإنسانية أن يحاول أحدٌ إقناع شعب واقع تحت الاحتلال بالتخلي عن مقاومته، أو أن يساوم أحدٌ هذه المقاومة على سلاحها، أو يتّهمها، بكلّ وقاحة، بأنها تعرّض حياة شعبها للخطر، ولا فرق كبيراً هنا بين أن يكون المطلوب من هذه المقاومة أن تسلّم سلاحها وترحل بعيداً عن شعبها وأرضها وأن تضع سلاحها جانباً وتخضع لشروط الاحتلال (لأنه الأقوى)، بينما أرضها محتلة وشعبها مشرّد وعدوّها يقصف خيام النازحين بالطائرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق