الاثنين، 21 أبريل 2025

آخر محطات القطار رقم 2013

آخر محطات القطار رقم 2013 



وائل قنديل



منذ العام 2012، يواصل تيّار الإسلام السياسي دفع ثمن تلك اللحظة التي أعلن فيها الرئيس المصري، الراحل محمد مرسي، تغييراً جذرياً في معادلة الاحتلال والمقاومة، بعد عقود لم يكن خلالها الكيان الصهيوني يحسب حساباً للحكومات العربية، حين يوسّع من اعتداءاته على الفلسطينيين في غزّة.



كانت كلمات الرئيس مرسي في مواجهة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، في 2012، بمثابة نغمة نشاز أصابت النظام الدولي، والإقليم، بما يشبه الصدمة. "لن نترك غزّة وحدها"، كانت تلك الصيحة بمثابة تدشين زمنٍ جديد، وتعامل مصري آخر مع الموضوع الفلسطيني، تعامل يستجيب لروح ثورة عصفت بمنظومة من الانبطاح التام أمام العربدة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، واعتداءات إسرائيل المتكرّرة على الشعب المقاوم.
لم تزعج هذه الروح المصرية الجديدة الكيان الصهيوني فقط، وإنما أصابت النظام الرسمي العربي بالقلق، إذ وجد نفسه بصدد موقفٍ مختلفٍ كلياً، يتجاوز النمط الاعتيادي المتكرّر (المتكلّس بالأحرى) من ردّات الفعل العربية، ومن هنا كانت نقطة الانطلاق لمشروع إقليمي لإجهاض هذا التمرّد المفاجئ على حالة السكوت العربي، العاجز، المتهرّب من مسؤولياته التاريخية، وفي كلمة واحدة، المتواطئ مع العربدة الصهيونية.

من هنا انطلق القطار رقم 2013 من مصر ليطيح الحكم الجديد، بعد تحضيرات إقليمية ودولية سريعة، استندت إلى وصم كلّ خروج عن المعادلات الأميركية الضابطة للعلاقات الرسمية العربية الإسرائيلية بـ"الإرهاب"، فكان طبيعياً أن تصنّف أشكال المقاومة وصور الدعم كلّها لهذه المقاومة "إرهاباً"، لينشأ منذ ذلك الوقت ما يسمّى "محور الاعتدال"، الذي صار يضمّ الكيان الصهيوني وأنظمةً عربيةً تحت مظلّة واحدة، في مواجهة "محور الإرهاب" أو "محور الشرّ"، الذي يجمع حركات المقاومة ومن يدعمها. وهنا، تحضر إيران، مع ملاحظة أن الكيان الصهيوني هو الذي انفرد بصكّ هذه التعريفات والتصنيفات، وصارت أنظمة عربية تردّدها خلفه وتتبناها.

كانت المحطّة الثانية للقطار 2013 بعد انطلاقه من القاهرة هي ليبيا، ثمّ تحرّك إلى تونس، حيث رُفعت لافتة "الحرب على الإرهاب"، بعد أن صار تعريف الإرهاب الوحيد هو الإسلام السياسي بتنويعاته المختلفة، من المعارضة السياسية السلمية إلى حركات المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني في فلسطين، فيما بقي كلّ من لبنان والأردن بمنأىً عن هذا التقسيم الجديد إلى حدّ كبير، إذ بقي الإسلاميون جزءاً من التركيبة السياسية في البلدَين، يشاركون في السلطة عبر عملية سياسية وديمقراطية، بعيداً من لوثة الحرب على الإرهاب التي اتخذها الاستبداد العربي ستاراً لقتل السياسة في البلاد المحكومة به.

الشاهد أن الظروف الموضوعية في لبنان والأردن كانت مختلفةً كليّاً عن مثيلتها في الدول التي استثمرت جيّداً في بورصة الحرب على الإرهاب، ذلك أن الإسلام السياسي اللبناني (حزب الله) كان عماد مشروع المقاومة للاحتلال الصهيوني للأراضي اللبنانية، وكان يخوض معركة تحرير لبنان نيابةً عن الجميع، كما كان الإسلام السياسي الأردني جزءاً أصيلاً من حالة ارتباط اجتماعي عميق بالقضية الفلسطينية، والتيّار المقاوم فيها بالنظر إلى ديموغرافية الدولة الأردنية، من دون أن تنتج من ذلك احتكاكات عنيفة بين السلطة والمعارضة.

الآن، وصل القطار 2013 إلى بيروت وعمان متأخراً 12 عاماً في لحظتَين لا يفصلهما كثيرٌ من الوقت، لنكتشف أن لبنان الرسمي (المحتلّ) بات يفخر بأنه يحقّق انتصارات نوعية على محاولات إحياء مشروع المقاومة، رافعاً شعارات احتكار الدولة للسلاح ونزعه من كل طرف آخر، حتى لو كان المقاومة، ويعلن بكلّ سرور أنه نجح في إجهاض محاولة لإزعاج الاحتلال الإسرائيلي بالصواريخ، في الوقت الذي يعلن فيه الأردن ضبط مخطّط إرهابي شرير لتنفيذ عمليات مسلّحة ضدّ إسرائيل، ثمّ بضربة واحدة يعلن وفاة العملية السياسية الديمقراطية برمّتها، بالحجج ذاتها التي سيقت في مصر وتونس قبل سنوات، من أن الوطن في خطر بمواجهة تهديد إرهابي وشيك، فلا وقت إذاً للسياسة والديمقراطية.
على أن مبتدأ القصة كلهّا (وخبرها أيضاً) أن ثمّة خضوعاً عربياً رسمياً للزمن الصهيوني الذي تفرضه واشنطن بأساطيل الحرب وشهادات الصلاحية وحسن السلوك للأنظمة الحاكمة، في مرحلة ما بعد 7 أكتوبر (2023)، التي أعادت الاصطفاف الرسمي بين العرب وإسرائيل في مواجهة "محور الشرّ"، بتعبير نتنياهو، وقد رأينا ذلك مبكّراً في محاولة القبة الحديدية العربية معانقة القبة الحديدية الصهيونية، وتصديهما معاً لصواريخ ومسيّرات محور المقاومة ضدّ الاحتلال.

بقي هامشان مهمّان لتكتمل الصورة، الأول من حوار قديم أجرته "واشنطن  بوست" مع الجنرال عبد الفتّاح السيسي، بعد إطاحة الرئيس مرسي، فسألته الصحيفة: "ما مدى تورّط حماس داخل مصر؟ فأجاب "حماس جزء من جماعة الإخوان المسلمين، والإخوان يعتبرون حماس جزءاً من العائلة".
الهامش الثاني مقالٌ بعنوان "الولايات المتحدة متواطئة مع إسرائيل في تحطيم لبنان"، قال فيه المعلّق الأميركي، بول كريغ روبرتس، في تاريخ 25 يوليو/ تمّوز 2006، إن ما نشاهده في الشرق الأوسط هو تحقّق خطّة المحافظين الجدد في تحطيم أيّ أثر للاستقلال العربي الإسلامي، والقضاء على أيّ معارضة للأجندة الإسرائيلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق