اجعلوا مع الدعاء شيئًا من العمل
إحسان الفقيه
عندما عُرض على يوسف عليه السلام في سجنه رؤيا الملك لسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، قام بتأويلها كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 47 - 49].
المُلاحَظ في تأويل يوسف عليه السلام لرؤيا الملك، أنه لم يكتف بتفسيرها، بل قدم إليهم حلا عمليا لمواجهة هذه المجاعة، وهو ترك ما يحصدونه في سنابله لئلا يفسد أو يأكله السوس، وهذا أدعى لبقائه فترة طويلة، فلا يأخذون منه إلا القليل بمقدار الحاجة.
هذا المشهد القرآني يمثل منهجية في التعامل مع الأزمات الفردية أو الجماعية، وهي عدم الاقتصار على عرض المشكلة أو تفسيرها أو إفاضة البيان في أبعادها، وإنما الزيادة على ذلك بطرح الحل العملي للخروج من الأزمة أو حل المشكلة.
وفي معركة بدر كان على مشارف القتال يُلح على ربه في الدعاء حتى أشفق عليه الصديق أبو بكر، كان ذلك وهو يرتدي ثياب الحرب وعُدّتها، ولم يقتصر على الدعاء بل أخذ بأسباب النصر المادية.
وقطعًا ليس هذا تقليلا من شأن الدعاء وأهميته، فهو سلاح المؤمن في كل الأوقات، لكن المذموم هنا هو الاقتصار على الدعاء وحده دون الأخذ بالأسباب المادية، فالبعض لا يقدم شيئا عمليا تجاه الأزمة الضارية التي يعاني منها أهل غزة، ويكتفي بالتضرع والدعاء من أجلهم ليريح ضميره، مع أن بإمكانه أن يقوم بخطوات عملية على طريق نصرة أهل غزة، سواء بالعمل الإغاثي، أو بالتفاعل مع القضية عن طريق مواقع التواصل ونقل صورة المعاناة إلى العالم، أو بالمشاركة في أية فاعليات عامة تقوم من أجل معاناة القطاع، أو حتى بالحديث مع من يقعون في دائرة نفوذه أو تأثيره حول هذه القضية لئلا تخفت جمرتها في النفوس.
إن الاكتفاء بالدعاء وحده يصلح فيما إذا كان المرء لا يستطيع أن يقدم شيئا عمليا، وانقطعت به الأسباب، فحينها لا يُلام على هذا المسلك، أما الاكتفاء بالدعاء واعتباره هو كل شيء لمواجهة الأزمات، فهذا من شأن المتواكلين الذين يشبهون أهل البطالة في بطالتهم رغم القدرة على العمل وطلب الرزق من الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق