حرب غزة: فشل إدارة أوباما في امتحان خارجي جديد
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
أوباما في مؤتمر الشؤون الأميركية الإسرائيلية AIPAC (مايو/2011)
ولكن، مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية، وأداء المقاومة الفلسطينية الذي فاجأ كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة، بالغت إدارة أوباما - الواقعة بين انتقادات جمهورية وضغوط الكونغرس من أجل دعم إسرائيل - في رفع سقف الانحياز لمصلحة إسرائيل، وحمّلت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" المسؤولية كلها بشأن ما يترتب على العدوان الإسرائيلي من جرائم. بل سارعت إلى تقديم طلبٍ إلى الكونغرس، لتخصيص تمويلٍ إضافي بمئات ملايين الدولارات، لدعم النظام الصاروخي الإسرائيلي وتطويره، والمعروف بـ "القبة الحديدة" المخصّصة لاعتراض صواريخ المقاومة الفلسطينية. وبالفعل، أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي في مطلع أغسطس/آب تخصيص 225 مليون دولار كتمويلٍ عاجلٍ لهذه المنظومة، ويُتوقع أن يقرّها مجلس النواب أيضًا. وقبل ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أواخر الشهر الماضي، أنّ الولايات المتحدة سمحت لإسرائيل بالحصول على ذخائر من مخزونٍ محلي للأسلحة الأميركية، ضمن برنامج يديره الجيش الأميركي ويطلق عليه: "مخزون احتياطيات الحرب - إسرائيل"؛ لإعادة تزويدها بالقنابل وقذائف الهاون. وسمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بالدخول إلى المخزون الإستراتيجي لإعادة التزوّد بقذائف من عيار 40 ملليمترًا وقذائف هاون من عيار 120 ملليمترًا لاستنزاف المخزونات القديمة التي سيتعين في نهاية الأمر تعويضها. وحسب ناطق باسم وزارة الدفاع، فإنّ واشنطن تتعامل، أيضًا، مع طلبات إسرائيلية إضافية لذخائر مصنعة في الولايات المتحدة.
لا يحتاج موضوع الانحياز الأميركي التاريخي لإسرائيل، والتحالف معها، إلى أدلة كثيرة، فهو يعدّ فوق الخلافات السياسية والأحزاب. ولا تعدّ إدارة أوباما استثناءً في هذا السياق. ولكن، ما يميّز انحياز إدارة أوباما إلى إسرائيل كونه يأتي في سياق العجز أكثر منه في سياق الاقتناع؛ فالرئيس وأركان إدارته، شدّدوا، غير مرة، على أنّ سياسات إسرائيل وتعنّتها في ملف التسوية مع الفلسطينيين تؤدي إلى نتائج سلبية تجاه المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وقد ألحّت إدارة أوباما على الجانب الإسرائيلي، بشكلٍ غير مسبوقٍ، لتحقيق تقدّم في هذا المسار، لكنها اصطدمت بالعناد الإسرائيلي المدعوم من تيارات وقوى أميركية إعلامية وسياسية واقتصادية ودينية، ساهمت في ترويض "جموح" إدارة أوباما نحو إسرائيل - كما يتهمها خصومها - وأسهمت في المزيد من إضعافها. ولم تمارس إدارة أوباما ضغوطًا على إسرائيل، بعد فشل مسعاها، وثبت أنّ أوباما يتكيّف بسهولة مع الواقع، ويسايره بحماسة، إذا لزم الأمر.
لا يحتاج موضوع الانحياز الأميركي التاريخي لإسرائيل، والتحالف معها، إلى أدلة كثيرة، فهو يعدّ فوق الخلافات السياسية والأحزاب. ولا تعدّ إدارة أوباما استثناءً في هذا السياق. ولكن، ما يميّز انحياز إدارة أوباما إلى إسرائيل كونه يأتي في سياق العجز أكثر منه في سياق الاقتناع؛ فالرئيس وأركان إدارته، شدّدوا، غير مرة، على أنّ سياسات إسرائيل وتعنّتها في ملف التسوية مع الفلسطينيين تؤدي إلى نتائج سلبية تجاه المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. وقد ألحّت إدارة أوباما على الجانب الإسرائيلي، بشكلٍ غير مسبوقٍ، لتحقيق تقدّم في هذا المسار، لكنها اصطدمت بالعناد الإسرائيلي المدعوم من تيارات وقوى أميركية إعلامية وسياسية واقتصادية ودينية، ساهمت في ترويض "جموح" إدارة أوباما نحو إسرائيل - كما يتهمها خصومها - وأسهمت في المزيد من إضعافها. ولم تمارس إدارة أوباما ضغوطًا على إسرائيل، بعد فشل مسعاها، وثبت أنّ أوباما يتكيّف بسهولة مع الواقع، ويسايره بحماسة، إذا لزم الأمر.
سياق التدخل الأميركي المتأخر وظروفهيعدّ تحرّك إدارة أوباما المتأخّر لاحتواء التصعيد في قطاع غزة إحدى علامات الإعياء التي عانتها هذه الإدارة. فعلى الرغم من عدم انقطاع الاتصالات الأميركية - الإسرائيلية، والأميركية - العربية، وتحديدًا مع مصر في ظلّ حكم عبد الفتاح السيسي، الساعية إلى إعادة تأكيد النفوذ الأميركي الإقليمي، عبر مدخله الفلسطيني - الإسرائيلي، فإنّ إدارة أوباما تركت، فترة طويلة، إدارة ملف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومحاولات التوصل إلى تهدئة إلى مصر، بالتوافق مع إسرائيل. ولم تتخلّ عن سياسة "القيادة من الخلف"، ولم تبادر إلى التحرّك المباشر، إلا بعد نهاية الأسبوع الثاني من العدوان. وقد تمثّل ذلك بإرسال وزير الخارجية، جون كيري، إلى المنطقة في 21 يوليو/ تموز. لكنّ المهم هو السياق الذي جاء ضمنه هذا التحرك؛ فقد جاء، أولًا، بعد سقوط مئات الشهداء من المدنيين الفلسطينيين، جرّاء استهداف الآلة الحربية الصهيونية التجمعات السكنية في القطاع الصغير جغرافيًا والمكتظ سكانيًا. وقد عبّر أوباما، ضمنيًا، في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، في 21 يوليو/ تموز، عن امتعاضه من حجم الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين، وأبدى "القلق العميق" جراء ذلك، لكنّه - ضمن الانحياز المبدئي الأميركي - أكد على ما أسماه "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وقد فعل كيري الأمر نفسه، قبل ذلك بيومٍ، عندما التقط ميكروفون مفتوحٌ، في أثناء مقابلة تلفزيونية مع محطة فوكس نيوز، حوارًا هاتفيًا له مع أحد مساعديه، يتهكم فيه على مزاعم إسرائيل بقيامها بعمليات دقيقة تستهدف المقاتلين وليس المدنيين. وسواء أكانت تلك "مصادفة" التقطها الميكرفون والكاميرا التلفزيونية، أم أنها أمر محسوب، بهدف ممارسة ضغوط على إسرائيل، فإنها، في كل الأحوال، تعبّر عن اقتناع هذه الإدارة بأنّ إسرائيل ذهبت بعيدًا في عدوانها على قطاع غزة، حتى إن لم تكن إدارة أوباما قادرة على قول ذلك علنًا. وجاء هذا التحرّك – ثانيًا - بعد الأداء الفلسطيني المقاوم المشرِّف الذي فاجأ الجميع، وتمكّن من إيقاع خسائر عسكرية كبيرة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن بدأ معركة برية في 17 يوليو/ تموز، بعد فشل هجماته الجوية والمدفعية والبحرية في وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية التي طالت مدن إسرائيل الرئيسة.
لقاء جون كيري وبنيامين نتنياهو في تل أبيب (23 يوليو/2014/Getty)
وثالثًا، لم يأت هذا التحرّك إلا بعد فشل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في إرغام حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى، على الموافقة على "مبادرته" للتهدئة بين الطرفين، والتي لم تُستشر فيها هذه الفصائل، وساوت بين المعتدي والضحية، وتجاوزت كل ما ترتّب من آثارٍ على العدوان الأخير من قتلٍ وتدميرٍ واعتقالات، واقترحت "هدوءًا مقابل هدوءٍ"، وبعد ذلك يجري التباحث في القضايا الأخرى.
وهكذا، ومع تزايد التكاليف البشرية الباهظة فلسطينيًا بسبب العدوان، وفشل إسرائيل في سحق المقاومة، وفشل ضغوط نظام السيسي على حماس، لم يعد أمام الإدارة الأميركية إلا التحرّك مباشرة. ولكنّ هذا التحرك توِّج بفشل مهين، واجهه كيري شخصيًا، وإدارة أوباما عمومًا، لا على يد إسرائيل فحسب، بل، أيضًا، على يد حلفاء عرب ضغطوا من أجل إفساح المجال والوقت أمام إسرائيل لتدمير حركة حماس وسحقها. لقد تعلّمت بعض الأنظمة العربية التحالف مع إسرائيل في وجه النقد الأميركي في أثناء الثورات العربية، لأنّ إسرائيل تعرف المنطقة أكثر من أميركا، ولأنها تدرك أنّ الخطر على الأنظمة يعدّ خطرًا عليها أيضًا.
حلفاء ضد ضغوط حليفهم
وفي سابقةٍ قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، تقف مصر الرسمية مع إسرائيل ضد الولايات المتحدة في ما يتعلق باتفاقات التهدئة المقترحة لإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فقد اصطدم جهد كيري، في أثناء زيارته المنطقة، من أجل الوصول إلى هدنة أو تهدئة بين الطرفين، بالرفض الإسرائيلي لما قدمه من أفكارٍ ومقترحات في أثناء جولته في المنطقة. إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في سلسلة من اللقاءات مع محطات التلفزة الإخبارية الأميركية، في 27 يوليو/تموز، بأنّ المبادرة الوحيدة التي تقبل بها إسرائيل هي المبادرة المصرية. والمفارقة الأكثر أهمية، هنا، إعلان الرئاسة والخارجية المصريتين غير مرةٍ، وفي تناغمٍ واضحٍ مع الموقف الإسرائيلي، أنهما لا تقبلان بأيّ تعديلاتٍ على مبادرتهما الأصلية لوقف إطلاق النار، حتى بعد زيارة كيري إلى القاهرة في 21 يوليو/ تموز. فما هي الأفكار التي تضمنتها وثيقة كيري، وسربتها الحكومة الإسرائيلية إلى الصحافة العبرية بشكل أثار الجانب الأميركي، ووصف كيري ذلك بأنه "تصرفٌ مؤذٍ"، وبماذا تختلف عن المبادرة المصرية؟
وفي سابقةٍ قد تكون الأولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي - الإسرائيلي، تقف مصر الرسمية مع إسرائيل ضد الولايات المتحدة في ما يتعلق باتفاقات التهدئة المقترحة لإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فقد اصطدم جهد كيري، في أثناء زيارته المنطقة، من أجل الوصول إلى هدنة أو تهدئة بين الطرفين، بالرفض الإسرائيلي لما قدمه من أفكارٍ ومقترحات في أثناء جولته في المنطقة. إذ أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في سلسلة من اللقاءات مع محطات التلفزة الإخبارية الأميركية، في 27 يوليو/تموز، بأنّ المبادرة الوحيدة التي تقبل بها إسرائيل هي المبادرة المصرية. والمفارقة الأكثر أهمية، هنا، إعلان الرئاسة والخارجية المصريتين غير مرةٍ، وفي تناغمٍ واضحٍ مع الموقف الإسرائيلي، أنهما لا تقبلان بأيّ تعديلاتٍ على مبادرتهما الأصلية لوقف إطلاق النار، حتى بعد زيارة كيري إلى القاهرة في 21 يوليو/ تموز. فما هي الأفكار التي تضمنتها وثيقة كيري، وسربتها الحكومة الإسرائيلية إلى الصحافة العبرية بشكل أثار الجانب الأميركي، ووصف كيري ذلك بأنه "تصرفٌ مؤذٍ"، وبماذا تختلف عن المبادرة المصرية؟
استنادًا إلى الخطوط العامة للمبادرة الأميركية المسربة إسرائيليًا، والتي سُلِّمت لنتنياهو في 25 يوليو/تموز بوصفها "مسودةً خاصةً" تحت عنوان "إطارٍ لوقف إطلاقِ نارٍ إنساني في غزة"، اقترح كيري وقف إطلاق النار من الجانبين، مدة أسبوع، ابتداءً من يوم 27 يوليو/ تموز. وبعد 48 ساعة من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، توجه القاهرة دعوة إلى إسرائيل والفصائل الفلسطينية للدخول في مفاوضات حول "وقف إطلاقِ نارٍ مستدامٍ" و"حلٍ دائمٍ" لما وصفتها الوثيقة بـ "الأزمة في غزة"، وبما يتضمن ترتيبات لفتح المعابر، والسماح بدخول البضائع وحركة الناس، وضمان الأحوال المعيشية والاجتماعية لسكان غزة، فضلًا عن السماح بتحويل الأموال إلى غزة، لدفع رواتب الموظفين العموميين. كما أشارت الوثيقة المسربة إلى أنه، خلال "وقف إطلاق النار الإنساني"، ستمتنع الأطراف كلها عن القيام بأي عمليات عسكرية أو أمنية، تستهدف الطرف الآخر، كما أنها ستسمح بإيصال المساعدات الإنسانية، والتي تتضمن، من دون أن تكون مقتصرة على، الطعام والدواء والمأوى للفلسطينيين في غزة. وأكدت وثيقة كيري أنّ أعضاء الأسرة الدولية، وتحديدًا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وقطر وتركيا وغيرهم، سيدعمون أيّ وقف لإطلاق النار بين الطرفين، وسيساهمون في المبادرات الإنسانية للاستجابة للحاجات العاجلة لشعب غزة.
وفي مقابل ذلك، أشارت وثيقة كيري إلى أنّ المفاوضات المقترحة في القاهرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدعوة مصرية، "ستناقش كلّ القضايا الأمنية". وكان الرهان الأميركي على أنّ العبارة الأخيرة: "ستناقش كل القضايا الأمنية"، بالإضافة إلى الإحالتين السابقتين لـ "وقف إطلاقِ نارٍ مستدامٍ" و"حلٍ دائمٍ"، يمكن أن تسهم، مجتمعةً، في تجاوز أي اعتراضات أو عقبات من إسرائيل وحركة حماس. فحسب منطق مساعدي كيري، عند تقديمهم الوثيقة، قد تقرأ حماس مثل هذه الإحالات على أنها تتضمن رفع الحصار عن قطاع غزة، في حين يمكن لإسرائيل أن تقرأها على أنها دعوة لنزع سلاح المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
اجتماع باريس لبحث التهدئة في غزة (26 يوليو/2014/ أ.ف.ب)
لكنّ إسرائيل رفضت المبادرة، واعتبرت أنها تساوي بينها وبين حماس في الخطاب والمطالب. وأبدت امتعاضًا كبيرًا، وخصوصاً لجهة عدم إشارة مقترحات كيري إلى مسألة أنفاق المقاومة الفلسطينية، والتي كان لها دور كبير في إحداث إصابات في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من أنّ الوثيقة لم تشر، أصلًا، إلى ضرورة توقف إسرائيل عن البحث عن هذه الأنفاق وهدمها في فترة التهدئة الأولية التي تقترحها مدة أسبوع.
تمثلت المعضلة الأخرى التي واجهها كيري، في هذا السياق، في ضغط مصر وحلفائها من دول "الاعتدال" العربية عليه لعدم "إنقاذ" حماس من "ورطتها"، وضرورة الإصرار على المبادرة المصرية، والتي هي، في حقيقتها، وثيقة استسلام ينبغي فرضها على المقاومة الفلسطينية. ومما زاد في استفزاز القاهرة اجتماع باريس الذي ضم في 26 يوليو/ تموز، بالإضافة إلى كيري، وزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وقطر وتركيا، إضافة إلى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، ولم تُدعَ له إسرائيل ولا مصر ولا حتى السلطة الوطنية الفلسطينية. وبرّرت واشنطن دعوة قطر وتركيا بحاجتها إلى قنوات اتصال مع حماس. وعلى الرغم من أنّ الأميركيين ظلّوا يشددون على "الدور المركزي" لمصر في جهد "التهدئة"، وعلى أنّ المبادرة المصرية تشكِّل الإطار للمقترحات الأميركية، فذلك لم يغيّر موقف مصر ولا إسرائيل. فالمبادرة المصرية تقدّم لإسرائيل أكثر مما تقدمه المقترحات الأميركية، كما أنها تعزّز جهد نظام الرئيس السيسي في حربه على جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعدّ حماس، برأي القاهرة، أحد امتداداتها. ولذلك، لم يكن مستغرباً أن نقرأ في الإعلام الأميركي أنّ إسرائيل ومصر هما من أخّرتا قدوم كيري إلى المنطقة أسبوعين، بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، على أساس أنّ مصر تتولى مسألة "الوساطة" بين الطرفين. بل إنّ السفير الإسرائيلي السابق في أميركا، مايكل أورين، لم يتردّد عشية إعلان كيري نيته زيارة المنطقة في القول إنّ الأخير "غير مدعوٍ" للمحادثات بشأن مبادرات التهدئة في غزة، منتقدًا إدارة أوباما، بسبب ما وصفه توتر علاقاتها مع مصر وإسرائيل، وموقفها من "الربيع العربي"، وتحميلها إسرائيل مسؤولية انهيار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في إبريل/ نيسان الماضي.
آفاق التسوية واحتمالاتها
في ضوء تصاعد التكلفة البشرية المترتبة على العدوان الإسرائيلي، وامتعاض الرأي العام الدولي جراء ذلك، وعجز إسرائيل عن حسم المعركة التي بدأتها أو إنهائها بشروطها أمام بسالة المقاومة الفلسطينية، وعجز مصر عن إخضاع المقاومة الفلسطينية لشروطها، خصوصًا بعد تبني السلطة الفلسطينية في رام الله مطالب المقاومة، واعتبار معركة غزة معركة الشعب الفلسطيني كله، فمن المتوقع أن تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على الجانب المصري، لإجراء تعديلات على مبادرته، بالتعاون مع كلٍ من قطر وتركيا، في محاولة للاستجابة لبعض شروط حماس. وسيكون هذا ممكنًا فقط لحفظ ماء الوجه لمصر، ودعم نظامها، كي يبدو أنّ ذلك كله قد لبّى رغباتها. وضمن هذا السياق، من المتوقع أن تضغط الولايات المتحدة لتخفيف الحصار على قطاع غزة، ووضع آلية جديدة لفتح معابره مع الخارج. وقد يساهم في تسهيل ذلك حقيقة أنّ ثمة حكومة "وحدة وطنية" فلسطينية كانت حركتا فتح وحماس قد توصلتا إليها في إبريل/نيسان الماضي، وقبلت بها إدارة أوباما ضمنًا، بوصفها حكومة الرئيس محمود عباس. لذلك، وبغض النظر عن التفاصيل، إنّ أي اتفاق هدنة لن يكون المبادرة المصرية نفسها بمضامينها الحالية، وإن كانت ستبقى تشكل إطاره العام، بحيث تجري الاستجابة لبعض شروط المقاومة، وإن كانت محاباة إسرائيل ستكون أكبر.
على المدى البعيد، لن يكون هذا الاتفاق أكثر من هدنة مؤقتة، قبل انفجار الوضع من جديد؛ فما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمرًا، والوضع العربي متشرذمًا ومترهلًا، وبعض أنظمته متواطئة، وما دامت الولايات المتحدة تتعامل بمنطق "إطفاء الحرائق"، وعاجزة عن الضغط على إسرائيل، ومنحازة إليها دائمًا، فإنّ جميع أسباب الانفجار المقبل ستبقى قائمة ومتوافرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق