عزف كوميدي ...
أحمد عمر
غادرت المرأة، وسرعان ما تبين لها أنّ الجسر مظلم، وغابت دوريات الشرطة. وفي أسفل الجسر، في الجهة الأخرى، اعتدى عليها رجل.
سأل الأستاذ طلابه: من المسؤول عم جرى لها؟
قال طالب: إنهما الوالدان اللذان لم يصرّا أن تبقى.
وقال آخر: إنها البلدية التي أهملت الإنارة.
وقال ثالث: إنها الشرطة التي لم تقم بواجبها في تلك الليلة.
ضرب المفكر العربي عزمي بشارة هذا المثال على تشوّه الفطرة البشرية بسبب الإعلام، والأغذية المسمومة، وطبائع الاستبداد، والتربية الضالة، والإكثار من مشاهدة المسلسلات العربية التي تقصّر النظر وتفسد العقل.
وهذه عيّنة محتملة من أجوبةٍ، كانت ستتوالى على ألسنة أنظمةٍ ودول عتيقة، وأخرى ناشئة، وشخصيات عامة:
داعش (دولة غير عضو في الأمم المتحدة): تستحق المرأة ما جرى لها، لأنها لم تتبع قاعدة "اعقل، وبايع البغدادي، وتوكل"، فلم تخرج مع مُحْرِم، في الدولة الإسلامية لا امرأة تخرج بلا محرم.
النظام السوري: حتى تتحسروا على الأمن والمخابرات والأمان في الأيام الخوالي. كانت المرأة تعود إلى بيتها منتصف الليل، وهي مشنشلة بالذهب، ولابسة بدلة رقص. فليتذكر هؤلاء التكفيريون أنَّ الجسر من إنجازات الحركة التصحيحية المباركة.
محلل سوري بعثي: سؤال الأستاذ طلابه دليل على أنَ سورية ديمقراطية، وأنَّ الحوار يجري تحت سقف الوطن.
أفيخاي أدرعي: والدها استخدم ابنته "دروعاً بشرية"، ليتحرر من مسؤولية إطعامها في الحصار. أبوها حمساوي مخرّب معروف. خماس (بالخاء) هي السبب.
أوباما: ندين بشدة جريمة المرأة المغتصبة، وندعو إلى تحقيق شفاف (وبللوري، وزجاجي غير قابل للكسر) في الواقعة.
إيران: طالبنا مصر بالسماح لنا بالاطمئنان على الأخت المغتصبة، وفتح جسر جوي لإيصال المساعدات اللازمة، وننتظر الموافقة.
علمانيون: قلنا مراراً إنّ الحجاب يتسبب بالكبت، وهو السبب في معظم جرائم التحرش، والاغتصاب .. والقتل.
فلولي مصري: يرسلون زوجاتهم وبناتهم للتظاهر، والسهر في الليل، حتى يحرجونا .. ونحن في مرحلة انتقالية حرجة.
محلل سياسي سوري مقرب من النظام يزعم أنه مستقل، ومعارض، وخبير روسي في الوقت نفسه!: هي أخطاء فردية، وتمت محاسبة المجرم، ومحاسبة الدورية، ومحاسبة وزارة الكهرباء وخلصت.
شيخ غير أزهري من أعمدة الانقلاب، ومفتي سابق، ومتزوج من عشر نسوة، أربع منهن زواج شرعي، والباقي متعة: الأوباش. قتلها من أخرجها من بيتها. ريحتكم نتنة. اقتلوهم، اغتصبوهم. كائناً من كان. اغتصبوها بارك الله فيكم، وعليّ إثمها.
رئيس جمهورية الكفتة الفلولية: حقكو علينا إحنا، حقكو علينا، إحنا غلطانين، والله إحنا غلطانين (مع باقة ورد حمراء كبيرة)، ثم يخرج مطالباً بلجنة فحص للعذرية يكون هو رئيسها.
مستشارة الرئيس السوري التي تحكي إنجليزي، مثل الغراب المستورد من كوريا الشمالية: المرأة هي التي اغتصبت الرجل، ودسّت له فياغرا وحبوب هلوسة في الطعام، وهذه مؤامرة، وقبل أن يتحدثوا عن الاغتصاب نسأل: لمَ لا يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة.
بان كي مون: أشعر بالقلق الشديد، وأطالب الطرفين، أهل المرأة والمغتصب المجرم، بضبط النفس.
محلل سياسي مصري يعمل في "الأهرام" بصفة مومياء فرعونية: أين شهادة الأستاذ، هل هو أستاذ حقاً، وحائز على وثيقة موقعة من الوزارة؟ وهل هم طلاب؟ هذا تسريب، ويجب أن نتحقق من أنهم كذلك، ثم نناقش الواقعة، يجب التأكد من جهات رسمية.
الإمارات: إرسال سيارتين مصفحتين هدية إلى المتهم، إلى حين استكمال التحقيق.
أردوغان: نتكفل بمعالجة الضحية نفسياً وجسمياً، ونقبل أولادها في جامعاتنا ومدارسنا مجاناً.
مستشار مصري: القضاء سيأخذ مجراه، والتحقيق في بداياته، و"صحيح القانون" سيطبق في مصر، ولا أحد فوق العدالة.
الخليفة المعتصم بالله: (في إجازة طويلة بعد موقعة عمورية).
مذيع في الفضائية الفارسية الناطقة بالعربية اسمه "يموت أبو دانيال": ما حدث ليس اغتصاباً، إنه نكاح الجهاد.
فضائية العربية: وقد تحدّث مصدر مسؤول أنّ المرأة المغتصبة من طائفة أهل السنة والجماعة، وأنّ المغتصب كان يتحدث بالفارسية.
اللاعب ميسي: ينفي أي تصريح صدر بشأن الواقعة، أو بشأن التبرع للمغتصبة، أو للمغتصب.
إلهام شاهين (وهي في طريقها إلى العمرة): الإخوان هم اللي اغتصبوها. أنا عارفهم كويس.
صاحب فتوى الاستحمام: يجوز لمن أراد أن يخطب المغتصبة والزواج منها أن يتلصّص عليها في الحمام والمسبح وشاطئ البحر وتحت الجسر (الذي انكطع من دوس رجلي سميرة توفيق)، من غير أي مهرٍ أو صداق، فمهرها هو الزواج منها.
ومن الأمانة أن نذكر حلّ اللغز الذي استعصى على عقول عقلاء الأمة ومجانينها، من غير أن يربح أحد المليون، أو قرشاً واحداً:
وعندما انتهوا من الإدلاء بآرائهم، قال الأستاذ: المسؤول عما جرى هو الرجل الذي اعتدى على المرأة. بعد تأكيد هذه الحقيقة، يمكنكم الزيادة في الشرح التفسير، كما شئتم، ولكن المسؤول عن الاغتصاب هو المغتصب نفسه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق