الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

أردوغان في انتصاره الجديد

أردوغان في انتصاره الجديد

ياسر الزعاترة


الذين يوسعون أردوغان نقدا منذ عامين أو يزيد، وكان بعضهم للمفارقة يشبعه مدحا قبل ذلك، يتحدثون من وجهة نظرهم الشخصية، وربما الحزبية أو المصلحية أو الطائفية أكثر مما يتحدثون من وجهة نظر الشارع التركي، وهو الوحيد المخوّل بتقييم الرجل وسياساته.

ولو كان هؤلاء يتحدثون بلسان الشارع التركي لكان بوسعهم أن يلاحظوا ذلك التصاعد المضطرد في شعبيته كزعيم، وفي شعبية حزبه أيضا منذ فوزه الأول وتسلمه للسلطة قبل أكثر من 10 سنوات، وصوا إلى فوزه أمس الأحد بحوالي 53% من أصوات الناخبين، وهو رقم أكبر من الذي حصل عليه حزبه في الانتخابات الأخيرة، وهو الأكبر أيضا في تاريخ الحزب.

لو كان النجاح يهمّش الحساسيات الطائفية والعرقية وكذلك الحزبية في المجتمعات، لكان على أردوغان أن يفوز بالغالبية الساحقة من أصوات الناخبين، ولكان لحزبه أن يحصل على نسبة مماثلة أيضا، ذلك أن نجاح الرجل في الانتقال بتركيا خطوات كبيرة نحو الديمقراطية والتخلص من وصاية العسكر من جهة، ونحو الازدهار الاقتصادي من جهة أخرى، لا ينكرها إلا جاهل، بل يشهد بها حتى كارهوه في الغرب والشرق.

لكن تلك الحساسيات تبقى حاضرة، وحيث يصوّت الكردي غالبا لكردي، بينما يصوت العلوي لعلوي، والقومي لقومي، وهكذا، ولو صحّ أن الرجل قد غدا مكروها حقا لتراجعت نسبته في الانتخابات وحزبه كذلك، لكن الأرقام تقول العكس، وبالطبع رغم أن كتلة تصويتية محدودة تتبع رجل الدين (فتح الله غولن) لا تتجاوز في أحسن الأحوال 5 في المئة ما لبثت أن وقفت ضده، وربما بعضها للدقة. ونقول بعضها أن الصادقين من المنتسبين للجماعة أو المؤمنين بخطها ما كان لهم أن يذهبوا نحو تحالف علماني متطرف مع قومين ضد الرجل، لكن الطبعة الصوفية في المشهد السياسي العربي والإسلامي كانت غالبا أقرب إلى الانتهازية السياسية منها إلى المبادئ، تماما كما هي قطاعات من السلفية التقليدية التي تسمى "جامية" في الخليج.

في أي حال، فقد حاز الرجل من الأصوات ما يؤهله لحكم البلاد، وإن لم يتغير النظام إلى رئاسي حتى الآن، ولو كانت هذه النسبة قابلة للتشكيك لكان علينا أن ننسف اللعبة الديمقراطية في غالب الدول التي تتبنى هذا النهج، خاصة أن ما تبقى من الأصوات لم يذهب لشخص بعينه، أو لتيار معين، بل توزع على تيارات شتى. وفي الحالة التركية الراهنة، وقف إلى جانب منافس أردوغان 14 حزبا سياسيا، فضلا عن دعم خارجي عماده أنظمة الثورة المضادة العربية التي صنفت أردوغان عدوا بسبب موقفه الداعم للثورات العربية، وما يسمى الإسلام السياسي السنّي.

لا شك أن زعيما نقل البلاد خطوات كبيرة على صعيد الخروج من وصاية العسكر والازدهار الاقتصادي ما كان له أن يتراجع مجرد أنه قمع بعض المظاهرات النخبوية، أو حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي لبعض الوقت، في ردة فعل لم تكن صائبة بكل تأكيد، بل إن حجم ردة الفعل على تلك الأعمال ومساعي الشيطنة التي تعرض لها طوال عامين ما لبثت أن زادت في جماهيريته، نظرا لإدراك كتلة من الناخبين السلبين أن الرجل يتعرض لهجمة غير مبررة تريد إقصاءه بأي ثمن، واستخدمت في السياق كل ما في جعبتها من مؤامرات؛ بعضها صيغ بطريقة غير أخلاقية من خلال التنصت، وصولا إلى اتهامات بالفساد أكثر من سخيفة في واقع الحال، أن رجلا بهذا الحال لا يتحول فاسدا بمبلغ 5 ملايين دوار، يمكن الحصول عليها بتوقيع صغير لا يلتفت إليه أحد.

والحال أن تلك الأعمال التي أنكرها كثيرون على أردوغان، وبعضها خاطئ دون شك، لم تكن هي السبب الحقيقي وراء الهجمة عليه، إذ تتوزع الدوافع بين موقف طائفي من قبل الكتلة العلوية بسبب موقف أردوغان الأخلاقي من الثورة السورية، وبعضها نتاج موقف خارجي بسبب موقف الرجل من الكيان الصهيوني عقب قضية سفينة مرمرة، فيما البعض الآخر نتاج مساعيه لتحجيم نفوذ جماعة غولن في الشرطة والقضاء، والتي كانت أشبه بدولة داخل الدولة.

عربيا، توزع الهجوم على أردوغان بين أنظمة الثورة المضادة التي ذكرنا سبب موقفها، وبين أنصار النظام السوري، وبين علمانيين متطرفين رأوه يعود على نحو أوضح إلى جذوره الإسلامية، وأضيف إليهم خلال العام الماضي أنصار النظام المصري من قومين وعلمانيين ويساريين ومنتفعين، وبالطبع بعد موقفه الحاد من الانقلاب.

في أي حال، جاء فوزه الكبير يوم الأحد ليشكل صفعة لكل أولئك، وليؤكد ثقة الغالبية من أبناء الشعب التركي بمساره، حتى لو قيل إنها غالبية قليلة، وهي ليست كذلك بمنطق الديمقراطيات، ولا هي كذلك في ظل العوامل التي أشرنا إليها، ومن حقه تبعا لذلك أن يستمر في القيادة ما دام المرجع هو الشعب وليس أحدا آخر ممن يريدون الوصاية عليه من الداخل والخارج.

عندما تحدث أردوغان في كلمة الفوز عن بغداد ودمشق وحلب والقدس وغزة وسواها من حواضر المسلمين، فقد كان يعبر عن حقيقة تمثلت في أن كثيرا من مستضعفي المسلمين كانوا ينتظرون هذا الفوز إدراكا لحقيقة أن جزءا من الهجمة عليه كانت نتاج مواقفه من قضايا الأمة، حتى لو لم تكن بالمستوى المطلوب بسبب الإمكانات والالتزامات، لا سيّما أنه لم يزعم أنه خليفة المسلمين كما يردد بعض الأدعياء المسكونين بهواجس بائسة تحركهم، ويبحثون لها عن مبررات سياسية.

Twitter: @yzaatreh

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق