الخميس، 25 فبراير 2016

إنت اللي مين؟

إنت اللي مين؟


                        من أنت؟                             


وائل قنديل
يقولون إن بعض الكائنات تمتلك حاسّةً تجعلها تشعر بالزلازل قبل وقوعها، فتُقدِم على فعل أشياء غير مفهومة، كأن تخرج الماشية والخيول من الحظائر، وتهرب الفئران من الجحور، وتقفز الأرانب بدون هدف، وتفرّ الثعابين من جحورها.
أنظر إلى الوضع في مصر الآن، ستكتشف أنها تعيش ما يشبه لحظة ما قبل زلزال سياسي عنيف.
هلوسة الجنرال المشعوذ، وهو يتحدث في خطابه الأخير، علامات الفزع على وجهه، وحركات يديه المعبّرة عن حالة ذهان مستفحلة، تشي بخلل هائل واضطراب عقلي خطير، وتخبط الكائنات التي نمت وترعرت على يديه، وقفزاتها العشوائية، يميناً ويساراً، وإلى الأعلى.. كل ذلك يجسّد إحساساً بالخواء والعدم.
بمقاييس علم النفس، تعيش مصر، منذ أسابيع، حالة جنون غير مسبوقة، تتبدّى في سلسلة من الحروب العنيفة بين ركاب سفينة الجنرال، أمناء الشرطة ضد ضباط الشرطة..
معارك إعلامية  مسعورة، ومستعرة، وصلت إلى مرحلة "الاستكلاب"، وتقلّبات وتبدّلات في المواقف، تخدش أسطورة "الزعيم الضرورة"، لتتفاقم الحالة إلى الاستنجاد بأي شخص في أية جهة، إلى درجة الاستغاثة بالسفير الصهيوني ذاته، كمافعل المذيع البرلماني، أو البرمائي، الذي تربى في حظائر الجنرال، وبقي صوتاً له، يحظى بكل أشكال الحماية والدعم، حتى فاجأه بتحوّلٍ عنيف، دفعه إلى الصياح الهستيري، معلناً أنه هو من صنع دولة السيسي، ولم يكن يوماً صنيعتها، ثم يطلب الغوث من سفير الكيان الصهيوني.
في وضع شديد الارتباك والاضطراب على هذا النحو، من الطبيعي أن يسأل عبد الفتاح السيسي، مرتجفاً: من أنتم.
قبل عام ونصف العام تقريبا، قلت إن عبد الفتاح السيسي زعامة مبتسرة، وضعت في حضٓانةٍ دولية وإقليمية. 
والمدهش أن زعيم الجماعة الانقلابية يسلك، هو الآخر، وفقاً لسيكولوجية المبتسرين، إذ يكاد يكون مستقراً، في يقينه، أنه طفل العالم المستحق للرعاية الشاملة، كونه يردّد ما يُملى عليه من "كتاب الأناشيد" الخاصة بالحرب على الإرهاب.. ومن ثم يريد إسقاط مديونيات، إسكات منابر إعلامية، إبعاد معارضيه وتشريدهم في كل واد، ابتزاز معونات ومساعدات وكأنها حق أصيل، إلى آخر معطيات هذه الحالة التي لا تجدها إلا في مجموعات التسوّل بعاهات مصطنعة.
وفي الداخل، أيضاً، تجد هذا السلوك الطفولي في دغدغة عواطف الناس، من خلال تغطيسهم في بيارات الدجل والشعوذة السياسية، والأكاذيب القومية الكبرى.
الآن، يعيش السيسي حالة انكشاف، تبلغ حد التعري، على الصعيدين الدولي والإقليمي، تجعله يستشعر أن زمن الحضانة انتهى، وجاءت لحظة الفطام، فيستجمع كل مفردات التهوّر والجنون، صارخاً في وجه الجميع: من أنتم؟
نحن الذين نعرف قدر مصر، ولا نتسوّل بها، أو عليها، ولا نقتادها، عنوة، إلى فراش أعدائها.
نحن مصر الكريمة العزيزة، لا مصر الذليلة التي تمدّ يدها تسوّلاً.. مصر التي تحفظ تاريخها وتعرف جغرافيتها، القادرة على التمييز بين أشقائها وأعدائها.
نحن مصر التي ليست في خندق واحد مع إسرائيل، التي تعتبرك بطلها القومي وهدية السماء لها، مصر التي لا تقتل أبناءها، ولا تبيع كرامتها.
نحن مصر العلم، مصر مصطفى مشرفة ويحيى المشد وسميرة موسى وعصام حجي، لا مصر الدجل والخرافة.
نحن مصر سعد الدين الشاذلي وسليمان خاطر وأيمن حسن ومحمود نور الدين، وعبد العاطي صائد الدبابات.. لا مصر عبد العاطي دجال جهاز الكفتة.
نحن مصر الشيخ رفعت وصلاح جاهين وفؤاد حداد وأمل دنقل.. لا مصر عكاشة ومرتضى وسما المصري. 
نحن مصر التي غنّت للبندقية الفلسطينية، لا مصر التي تعتبر الكوفية الفلسطينية دليل اتهام بالإرهاب.
نحن مصر 25 يناير، المذبوحة على يديك في ميدان التحرير وماسبيرو وملعب بورسعيد ومحمد محمود ومجلس الوزراء ورابعة العدوية والنهضة ومسجد الفتح.
نحن مصر سندس رضا وشيماء الصباغ، فمن أنت؟ أنت مين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق