الاثنين، 22 فبراير 2016

الكلاب تعوي والقافلة لا تسير

الكلاب تعوي والقافلة لا تسير
وائل قنديل


بعقيرة متشنّجة، راح المذيع في الفضاء السيساوي يصيح محذراً من "الكلاب الجربانة السعرانة" التي تتحدث باسم النظام، ويكاد نباحها يتسبب في سقوط "الدولة".
هذه العصبية الطافحة فوق الشاشات ليست إلا تعبيراً عفوياً عن حالة من الارتباك، المشوب بالرعب الذي يسيطر على أركان "نظام اللا دولة" الذي تغوص فيها مصر، منذ حطّت قافلة السيسي رحالها فوق جثة ثورةٍ مصرية، لم يستطيعوا تحمل مولودها الديمقراطي على قيد الحياة أشهرا معدودات.
القراصنة الذين زحفوا على السلطة، مدججين بنوازع الانتقام من الثورة التي ألقت بهم خارج المشهد، وضعوا تلك الفئات التي اعتبرها المذيع المرتعد "كلاباً جربانة" في مرتبة المخلوقات المقدسة، بل وفّروا لها كل أشكال الدعم والحماية، وأصناف التغذية والرعاية، ما دامت تؤدي دورها في نهش أجساد، وقنص أرواح المخالفين المعارضين، حتى إن قائد القافلة تولى، في وقتٍ ما، مهمة رعاية المصالحات والتفاهمات بين المتخاصمين، طالباً منهم الارتفاع فوق الخلافات والعراكات الصغيرة على الفتات، مبشراً إياها بأن زمناً جديداً بدأ سيعوضهم عن الفتات بما أسماه "الهُبٓر". ولعلك تذكر، هنا، دعوته إلى "المهابرة" من أجل مصر.
الآن، بعد أن شبع "المهابرون" من لحوم الواقفين في طريق القافلة ودمائهم، استداروا ينهشون بعضهم بعضاً، ويغرسون المخالب والأنياب في أجسادهم، حين وجدوا أن القافلة أصابها العطب، وما عادت قادرةً على المسير، وفاحت، في المدى، روائح الرغبة في التخلص من الحمولة الزائدة، كإحدى المحاولات اليائسة لإقالتها من عثرتها.
منذ فترة الاستعداد لانتخابات برلمان السيسي، بدأت عمليات قطع رؤوس، ودارت ماكينة الإقصاء والاستبعاد، لمن لا يمتثل بالدرجة الكافية لتعاليم "المهابرة" ويحترم نصوص القافلة المقدسة، فكان مصير نفرٍ ممن تمرّدوا على قرار الاستبعاد من خوض الانتخابات النيابية، السجن في قضايا فساد مالي، تم تطبيخها على وجه السرعة، فيما وجد آخرون أنفسهم وليمةً للمتطرفين الغلاة ممن أسماهم المذيع السيساوي "الكلاب الجربانة السعرانة".
ويمكنك أن تجد تفسيراً لحالة الهياج التي تنتاب مجموعات حراسة القافلة الكسيحة، هذه الأيام، في أنهم يتشمّمون رائحة موجات جديدة من الاستبعاد، في إطار منهجية التخفف من الأحمال الزائدة.
وهنا، تستطيع أن تضع هذه "الحملة القومية المضحكة" ضد أمناء الشرطة، تبعاً للقاعدة الكلاسيكية التي تقول إن الكبار حين يشعرون بالخطر لا يجدون غضاضةً في حرق الصغار، والتضحية بهم.
هكذا قانون الطبيعة الذي ينتخب "أرانب العشب الصغيرة" والكائنات الأقل حجماً، للموت، كي تستمر الأفيال وكبار الوحوش في الغابة على قيد الحياة.
وفي الغالب، حين يصطدم الكبار، يكون الفناء ثمناً مناسباً يدفعه الصغار، ثم تأتي مرحلة لاحقة، لا يجد الكبار بداً من تصفية بعضهم بعضاً، بدءاً بالأقل حجماً، صعوداً، حتى تأتي لحظاتٌ يقدم بعضهم فيها على الانتحار.
في "عالم السيسي"، تجد شيئاً من ذلك يتصاعد، كلما تراكمت علامات تعثر القافلة، واتجاهها نحو العطب الكامل.
 فمن كان يتصور أن "بطل الجريمة المقدسة" الذي ادّعى أن فظائعه الأولى بحق معارضيه إنما كانت من أجل حماية البلاد من الاحتراب المجتمعي، والاقتتال الأهلي، يقف متفرجاً، بسعادةٍ غامرة، على صيرورة قانون الانتخاب الطبيعي التي تفضي إلى التخلص من الأصغر، ثم الصغير، توالياً، حتى تصل إلى عالم الكبار؟
ومن كان يتخيّل أن أمناء الشرطة "الحواتم الصغار" سيأتي عليهم اليوم الذي يهتفون فيه ضد الضباط "الحواتم الكبار"، ويعايرونهم بالعبارة اللطيفة "أبو خمسين في المية"، فيرد الكبار بالسخرية من "اللي ساقط إعدادية"؟ أو يأتي وقت يتلاشى فيه النائب البرلماني المعين، المثقف الأديب يوسف القعيد، فلا يُسمع له صوت، أو يراه أحد بالعين المجردة، تحت قبة البرلمان، بينما يصيح زميله المنتخب، المتمرد، توفيق عكاشة، مطالباً بانتخابات رئاسية مبكرة، ويُحدث شغباً يؤدي إلى طرده من تحت قبة البرلمان؟
لقد أصيب النظام كله بخلل في الدماغ، أدّى إلى نوباتٍ من التشنّجات العصبية، تصل إلى حد الهلوسة، تتفاقم كلما غاصت القافلة في مستنقعات الفشل وقلة الحيلة، فتجدهم يتناوشون ثم يتعاركون، وكلٌ يدّعي أنه الأنفع للحراسة، بينما الآخرون "كلاب سعرانة جربانة"، بينما الواقع ينطق بأن القافلة لا تسير، لكن العواء على أشدّه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق