الاثنين، 22 فبراير 2016

كيف نشأت «دولة الحواتم» في وزارة الداخلية المصرية؟


كيف نشأت «دولة الحواتم» في وزارة الداخلية المصرية؟

تحظى انتهاكات أمناء الشرطة ضد المواطنين في مصر بالكثير من التسليط الإعلامي خاصة بعد واقعة الدرب الأحمر الأخيرة، بينما يظهر صراع مكتوم في الأفق ما بين الدولة المصرية وبين ما يعرف بـ”دولة الأمناء” حيث بدا أن الدولة عاجزة عن احتواء انتهاكات أمناء الشرطة التي تؤثر بشكل كبير على شعبية النظام.
يشير عدد من الباحثين إلى صراع طويل الأمد بين التكتلين الأهم في وزارة الداخلية وهما الضباط وأمناء الشرطة، في ظل توسع نفوذ الأمناء بشكل كبير بسبب زيادة عددهم، ما أفرز حالة من الصراع أخذت تتمدد وتنكمش بحسب مقتضيات الحال. ويفسر هؤلاء التداعيات الأخيرة باعتبارها إحدى جولات هذا الصراع. يتناول هذا التقرير ما يعرف بـ”دولة الأمناء” ووظيفتهم السياسية داخل النظام، وآفاق صراع الشد والجذب الذي صار حديثًا لوسائل الإعلام في مصر.

(1)متى تأسس معهد أمناء الشرطة؟ وما هي أهدافه؟ وشروط الالتحاق به؟

في عام 1967 الذي اشتهر  بـ”عام النكسة” تأسس معهد أمناء الشرطة في عهد وزير الداخلية شعراوي جمعة في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وبحسب عدد من التقارير الصحفية فإن الهدف من إنشاء المعهد “تخرج رجال شرطة على قدر عال من التعليم والمسئولية” وإلغاء ما يُسمى نظام الكونستبلات.
ويُشترط لدخول المعهد أن يكون الطالب حاصلًا على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها, وأن يكون والداه مصريي الجنسية،  وألا يكون الطالب أو أحد أفراد أسرته سبق اتهامه في قضايا جنائية أو جنح، وأن يكون صاحب سُمعة طيبة وسلوك حسن،  وبعد توافر تلك الشروط يلتحق الطالب بمعهد أمناء الشرطة حيث يدرس موادَّ شرطية وحقوقية لمدة عامين، وبعدها يتخرج ليتلحق للعمل بجهاز الشرطة للتدرج من أمين شرطة ثالث ثم أمين شرطة ثان ثم أمين أول، وبعد ذلك ينتقل لأمين ممتاز ثم أمين ثان ممتاز ليصل إلى أمين أول ممتاز، كل ذلك قبل أن يصل قبل أن يكون ضابطًا برتبة ملازم، ولكن إذا حصل الطالب على ليسانس حقوق يُسمح له بدخول كلية الشرطة ليصبح ملازمًا عقب تخرجه.
ويحصل الطالب عقب تخرجه في المعهد على عدد من المميزات من أبرزها التعيين الفوري للوزارة، والتمتع بالعلاج على نفقتها، والاشتراك بنادي أمناء الشرطة.

(2)خلفية الأزمة بين الأمناء والضباط

 “ضابط الشرطة لا يستطيع أداء مهام وظيفته بدون الأمناء”

هكذا  يؤكد نور الدين محمد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الأمن العام، وهنا يظهر الدور الرئيسي الذي يلعبه أمناء الشرطة في وزارة الداخلية؛ فهم يعتبرون بمثابة أقدام الضباط على الأرض، ومما يؤكد ذلك أيضًا أن عدد أمناء الشرطة بحسب تقديرات حوالي 360 ألفًا وهو ما يمثل حوالي 10 أضعاف عدد الضباط بوزارة الداخلية المصرية.ومع ذلك فإن العلاقة بين الضباط والأمناء ليست مثالية وتتخللها مشاعر عدم الارتياح، ترتبط بعدة عوامل اجتماعية ومهنية واقتصادية، ترجع إلى أن كثيرًا من الضباط وما يمتلكونه من سلطة على الأمناء والمجتمع بشكل عام تجعل من الأمناء يأتمرون بأمرهم، وكثيرًا ما يكونون من مستوى اجتماعي أعلى من ذلك المستوى المنبثق منه الأمناء الذين دائمًا ما يكونون من مستويات متوسطة ودون المتوسطة، فشروط دخول كلية الشرطة أكثر تعقيدًا من شروط دخول معهد الأمناء، وتحتاج في كثير من الأحيان إلى “الواسطة” والرشوة أحيانًا.يُضاف إلى ذلك أنه بمجرد تخرج الطالب في كلية الشرطة يُصبح ضابطًا، بعكس الأمين الذي يحتاج حوالي 15 عامًا للوصول لرتبة ضابط، أي أن كثيرًا من الضباط هُم أصغر سنًا من الأمناء ولكن أقوى سلطة ومكانة بكثير من الأمناء الذين يأتمرون بأوامر الضباط.لذلك فيمكن استنتاج أن أمين الشرطة لديه شعور قد يسيطر عليه بشكل كبير بأنه يستحق أن يمتلك سلطات أكبر, وأن يكون في مكانة أعلى، ونظرًا إلى طبيعة عمله كونه من المفترض أن يكون حامي “الدولة والقانون” فإنه يستغل سلطاته في التضييق على المواطنين ليشعر بأنه يمتلك سلطة أكبر، ويفرض الإتاوات لتمرير بعض المخالفات القانونية التي يصدرها للمواطنين، لزيادة حصيلته المادية التي لا تكون كبيرة في البداية إذ يبدأ الراتب بألف وخمسمائة جنيه، ولكنه يقترب في بعض الإدارات لخمسة آلاف جنيه.

(3) مكاسب تاريخية لأمناء الشرطة!

بعدما اندلعت ثورة  25 يناير 2011 ضد ممارسات الداخلية وانتهاكات أمناء الشرطة، كان من اللافت حصول أمناء الشرطة على مكاسب كبيرة خلال 5 أعوام مُنذ اندلاع الثورة، ولا يكاد يمر عام إلا ويصعد فيه الأمناء احتجاجاتهم ويرفعون من سقف مطالبهم، ولكن ما يمكن وصفه أنها انتصارات تاريخية لـ”أمناء الشرطة” هو إلغاء المحاكمات العسكرية لأمناء الشرطة، بالإضافة إلى عودة حوالي 10 آلاف أمين – معظمهم فصلتهم وزارة حبيب العادلي في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك – فُصلوا في وقت اشتهر فيه انتهاكات الأمناء للمواطنين، وهذا له دلالته على مدى سوء ممارستهم عندما يتم فصلهم في عهد الوزير الأسبق حبيب العادلي.

وتكاثرت إضرابات واحتجاجات الأمناء لتشمل معظم المحافظات وتصل أحيانًا للتظاهر أمام وزارة الداخلية مُطالبين بمزيد من المزايا الاجتماعية والرعاية الصحية والطبية وزيادة الرواتب والحوافز،  وتطبيق التدرج الوظيفي للأفراد حتى رتبة ملازم – وهو ما كانت تتعنت فيه الداخلية أحيانًا بالإضافة إلى تعنت الوزارة في قبول دخول الأمناء كلية الشرطة حتى بعد حصولهم على ليسانس حقوق – وإلغاء المحاكمات العسكرية، وبعد عدة احتجاجات وصلت لإضراب عام في يوم 28 أبريل 2012، صدق المجلس العسكري برئاسة المُشير محمد حسين طنطاوي على قانون يُلغي المحاكمات العسكرية لأفراد وأمناء الشرطة.

وفي انتصار آخر حققه الأمناء، عاد بعد 30 يونيو 2013 ما يقرب من 10 آلاف مفصول من أمناء الشرطة للعمل، وفقًا لقانون يقضي بعودة كل من استقال أو  فُصل خلال 5 سنوات سابقة للعمل بشرط عدم ارتكابه جريمة مخلة بالشرف، وأن يكون آخر تقريرين له بدرجة “جيد”.

وبالرغم من الانتصارات التي حققها الأمناء فإن احتجاجاتهم لم تتوقف وكان آخرها اعتصام أمناء الشرطة في محافظة الشرقية في نهاية أغسطس الماضي، اعتصام لم يُعلقوه إلا بعد تعهد اللواء كمال الدالي، مساعد الوزير للأمن العام، واللواء خالد يحيى، مدير أمن الشرقية، بتنفيذ مطالبهم المتمثلة في 20 مطلبًا معظمهم مطالب مادية.

وبدلًا من أن توقف تلك المكاسب من انتهاكات الأمناء ضد المواطنين، فقد استمرت تلك الانتهاكات ما بين تحرش واغتصاب وإصابة وقتل وفرض إتاوات، وقد ساعدهم على ذلك أن كثيرًا من الأمناء – إن عُرضوا على جهات التحقيق – يُخلى سبيل معظمهم ويصدر في حق البعض أحكام مُخففة لا تتسق مع طبيعة الجريمة.

(4) أوراق الضغط المتبادلة بين الأمناء والدولة




لا يحظى السجل الحقوقي لوزارة الداخلية بجناحيها (الضباط والأمناء) بالكثير من القبول لدى المصريين بفعل تاريخ طويل من الانتهاكات التي تزايدت بشكل خاص في العامين الأخيرين. ويبدو أن أي خلاف يبدو على العلن بين الدولة وأمناء الشرطة ليس متعلقا بممارسة الانتهاكات بقدر تعلقه بمدى تأثير هذه الممارسة على النظام السياسي من ناحية، وحقيقة معادلة القوى داخل وزارة الداخلية من ناحية أخرى. مع سيطرة أمناء الشرطة على القوة التنفيذية الحقيقية في الوزارة، فقد احتفظت الدولة دوما بأوراق للضغط على “دولة الأمناء” لتحجيمها إذا لزم الأمر مثل المحاكمات العسكرية سابقا.

وفي المقابل، فقد احتمى الأمناء بأعدادهم الكبيرة في وزارة الداخلية، وانتشارهم بالوزراة بمئات الآلاف، وقيامهم بمعظم المهام التنفيذية، إضافة إلى تماسكهم الفئوي الملحوظ. كما نجحوا في الحصول على بعض المكتسبات مثل إلغاء المحاكمات العسكرية ضدهم، وإصدار حكم من المحكمة الدستورية العليا بذلك باعتبار الشرطة هيئة مدنية.

ومع ذلك، فإن الطرق ليست مسدودة أمام الدولة للضغط على الأمناء، لا تزال القوانين التقليدية كافية لتوفير قدر كاف من الردع، لكن المشكلة في هذه القوانين أنها يمكن أن تطبق على الضباط أيضا وهم ليسوا أفضل حالا من الأمناء في هذا الصدد وفق ما يشير مراقبون. كما شرعت وزارة الداخلية في إنشاء معهد “معاوني الأمن” وهم من حملة الشهادة الإعدادية الذين سيتلقون التدريب والتعليم لمدة 18 شهرًا، ومن الممكن أن يحلوا تدريجيًا محل الأمناء في ورقة أخرى من أوراق القوة في هذا الصراع.

وهناك أيضا القانون رقم 20 لسنة 98 على أمناء الشرطة الذي يسمح بإعطاء الحق الجوازي لوزير الداخلية بعد الحصول على رأي المجلس الأعلى للشرطة بإحالة “الأمناء” عند بلوغهم 45 سنة فأكثر للمعاش، بناء على تقارير الأمن القومي والجنائي. وفي حين لا تخبرنا اتجاهات الأحداث عن سياسة واضحة للدولة في التعامل مع أزمة الأمناء، وإن كانت سوف تميل أكثر لتقييد نفوذهم من أجل تجميل صورتها، أم أنها سوف تجنح بشكل أكبر لتجاهل هذه الانتهاكات وغض الطرف عنها حفاظا على تماسك آلة القمع؛ فإن المؤشرات الحقيقية لهذه التوجهات المحتملة لا يمكن أن تستشف من التصريحات الإعلامية بقدر ما يمكن قراءتها من التغييرات الحقيقية المحتملة في أوراق النفوذ، وإذا ما كانت الدولة حقا سوف تميل لتحجيم انتهاكات أمناء الشرطة من خلال تحويل بعضهم لمحاكمات جنائية حقيقية أو عكس بعض المكتسبات التي حصلوا عليها عبر إعادة المحاكمات العسكرية.


المصادر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق