علماء السلطان وصناعة المستبدين
فتوى تحت الطلب أو أئمة السلطان أو علماء الاستبداد والعمائم المشبوهة كأقوال أصحابها التي يستدلون بها بالشرع لإباحة الظلم للظالمين والفساد للفاسدين ويحولون عن جهل أو عمد الحاكم إلى إله أو ظل الله في الأرض كما يزعمون.
فالخليفة عندهم كالمرسل من الله الذي ولاه أرضه وعباده وتصرف المالك البشري من وجهة نظرهم في ما يملك عدل وليس جورا والشعب من هذا المنطلق من ملك الحاكم الذي لا يجوز الخروج عليه أو مطالبته بأي حق ما دام هو المتصرف في كل شيء.
أنا لا أتحدث في القرن العاشر ولا الحادي العشر في تاريخ المسلمين ولا عن أوروبا ما قبل عصر التنوير وما فعله رهبان الكنائس، أنا أحدثكم في القرن الحادي والعشرين عصر التطور العلمي والتكنولوجي والبحثي.
القصة قادمة من أرض الأزهر أحد أكبر معاقل المسلمين وصروحه والحدث هو فتوى مشبوهة تحرم الترشيح ضد الرئيس المنقلب على رئيسه عبد الفتاح السيسي، ومن قام بالحدث هو الداعية السلفي المعروف محمد سعيد رسلان.
وقد سبقه في ما يشبه فعله علي جمعة الذي أباح دماء المعارضين لنظام السيسي واعتبرهم خوارج، وقبل ذلك غرّد الهلالي بعيداً عن الجميع عن وضع السيسي في رتبة الرسول مع وزير داخليته آنذاك محمد إبراهيم وشبههما بموسى وهارون عليهما السلام.
ولم تكن أرض الكنانة وحدها المصابة بفوبيا الفتاوى المشبوهة فقد اختار علماء الوهابية السعودية أن يحذوا حذو نظرائهم في أرض الكنانة، فإمام الحرمين السديس يدعو الله لترامب وبن سلمان، وعائض القرني في وقت حصار المسلم لأخيه المسلم في الشهر الحرام يؤيد ولي عهده وعلماء يجيزون قيادة المرأة للسيارة تزامناً مع أمر من القيادة العليا تجيز للمرأة السعودية قيادة السيارة.
ولم تكن تلك الفتاوى التي حظيت بها بلاد الحرمين، فمع ارتفاع الأسعار في السعودية خرجت فتوى تقول: إن ارتفاع الأسعار من الله قبل أن يكون أمراً من بن سلمان أمير المؤمنين كما يحلو لهم تسميته.
إنها موجة الفتاوى السلطانية المشبوهة التي غالباً ما تأتي تحت الطلب لتزيد من الشبهات حول أصحابها حتى أدخلوا ضعاف القلوب والعقول الشك في أنفسهم وربما دينهم.
فلماذا يفعل من كنا نحسبهم علماءنا ذلك؟ لماذا سقطوا من قمة جبل الإجلال والتقدير وسمو الاحترام إلى أسفل نقطة في الامتهان والإهانة والمتاجرة بالدين؟
ألا يعلمون أنهم بذلك يجعلون الناس لا يقدرون العلماء ولا يهتمون بأي قدوة؟ ما دام من كان قدوة خذلهم في الوقت الذي كانوا يحتاجون فيه إليه.
هم بذلك يصنعون المستبدين ويساهمون في توطيد أركان الظالمين ويحولون السلطان إلى إله لا يعصى في أمر ولا ينهى عما فعل وهو معصوم من الخطأ لأنه في مرتبة النبي المرسل.
وبذالك يصدق علماء التاريخ والأديان في قولهم: إن الاستبداد السياسي هو وليد الاستبداد الديني وهو أحد أسباب فصل الدين عن السياسية في أوربا إبان ثورتها الخالدة في قرونها الماضية المنيرة.
يقول الكواكبي في كتابه الأشهر طبائع الاستبداد "إنه ما من مستبد سياسي إلى الآن إلا ويتخذ له صفة قداسة يشارك بها مع الله أو تعطيه مقام ذي علاقة مع الله ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خدمة الدين يعينونه على ظلم الناس باسم الله".
لكأن الكواكبي يعيش اليوم في رياض بلاد الحرمين أو مر بالمحروسة القاهرة أو زار دمشق المقهورة أو مر بديار بغداد والموصل، ليتهم لم يتكلموا، السكوت كان سيعطيهم مكانة أكثر واحتراماً، على الأقل لن نعلم أنهم كانوا يضحكون علينا بدموعهم ويخدعوننا بدموعهم وخشيتهم المصطنعة ولباسهم المستورد ولحاهم المزيفة.
ليتهم سكتوا ولم يبيحوا الدم ويجيزوا السكوت عن القصاص ويحلوا للحاكم أن يستبد بكل شيء لأنه يملك شيئاً، لقد صنعوا ديناً جديداً لأنفسهم كله مصالح، أسّه الخوف وقاعدته الأساسية لا تنازعوا حكامكم أمورهم حتى ولو كانوا قتلة مجرمين.
إنها تجارة جديدة قديمة هي تجارة الدين وصناعة اعتاد العرب عليها في قرونهم الخالية هي صناعة الفرعون المستبد، من خلال فتاوى تحت الطلب يقدمها علماء تحت الطلب.
فمتى تنتهي موجة الفتاوى المشبوهة؟ لقد ملّ الناس من بعض علمائهم وسقطت القدوة في نفوس الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق