حواديت المصالحة: الهبوط بالدراما
وائل قنديل
كانت حواديت المصالحة تندلع كل عام في قيظ يونيو/ حزيران، بين نظام عبد الفتاح السيسي والإخوان المسلمين، لكن هذا العام شهد تغيراً مناخياً هائلاً، فيما يخص ثرثرات المصالحة وتسريباتها، إذ تأتي في عز الشتاء.
اللافت في المسألة أن اجترار حكايات المصالحة يأتي متزامناً مع زيارة السيسي، الأولى، والتي صنفتها وسائل إعلامه تاريخية، إلى سلطنة عمان، والتي اتخذت موقفاً رافضاً للحصار الرباعي المفروض على قطر، وهو الحصار الذي يلعب فيه السيسي دور جامع الأحجار، ومناولتها لمن يريدون قذفها في وجه قطر.
ربما كان ذهاب السيسي إلى مسقط منبع حواديت المصالحة، استناداً إلى أن سلطنة عُمان تبدو أقرب إلى قطر، التي تواجه اتهاماتٍ دائمة بأنها مصدر متاعب لسلطة الانقلاب في مصر، وعلى ذلك توفرت قماشة مناسبة لحياكة قصص عن المصالحة، لا تتوفر أية معطيات معقولة لاعتبارها حقيقية.
وقد يكون استدعاء حديث المصالحة جزءًا من مستلزمات الرحلة إلى مسقط، أراد بها السيسي أن يرتدي قناعاً إنسانياً، بشكل مؤقت، يخفي به ذلك الوجه الدموي الذي ارتكب كل هذه الجرائم ضد الإنسانية، منذ استولى على السلطة قبل أربع سنوات.
أيضاً، لا يمكن إغفال التزامن بين إطلاق دراما المصالحة والكلام عن التسليم الفعلي لجزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وجلاء القوات المصرية عنها، بموجب الصفقة التي أبرمها السيسي مع الرياض، بموافقة تل أبيب، وبتنسيقٍ كامل معها، بما يؤهلها لأن تكون صفقة ثلاثية، وقعها طرفان كتابةً، فيما كان توقيع الثالث شفهياً.
جرت عملية التسليم في وقت كان الاشتباك حول المصالحة الشغل الشاغل للجميع، فلم يلتفت أحد بالقدر الكافي لفاجعة إنزال العلم المصري، وسحب الجنود من قطعة من أرض مصر.
كما لا يمكن تجاهل أن كرنفال المصالحة جاء استباقاً لقرارٍ صدر حديثاً عن البرلمان الأوروبي يؤكد أن السلطة في مصر تمارس التعذيب والإعدام بطريقة منهجية، وإن انتهاكات حقوق الإنسان لا يمكن السكوت عليها.
أما على مستوى مضمون ما راج عن المصالحة، ولهث خلفه إعلام حشو ساعات البث، فإنه لا يوجد مصدر واحد يعتدّ به من طرفي المصالحة المزعومة تحدث عنها، بالنفي أو الإيجاب، ناهيك عن أن الحديث كله منسوبٌ إلى مصدرٍ مجهول يسرّب نيابة عن إخوان السجون والمعتقلات.
وأزعم إنه حين يكون الكلام متعلقاً بأخوان الزنازين، فإن ما يصدر عن سياسي بحجم محمد البلتاجي، مثلاً، هو الأكثر تعبيراً عن الإخوان، من تلك المصادر المجهولة، المختبئة تحت مفاتيح الكيبوردات العطشى لتعبئة الكؤوس بحواديت تصلح للتدفئة في ليالي الشتاء.
في مقاله المنشور قبيل ذكرى الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثاني، يقول البلتاجي" وليعلم نظام الانقلاب، ومساندوه، أننا لن نتراجع عن موقفنا من اعتبار ما جرى في 3 /7 /2013 انقلاباً عسكرياً دموياً مجرماً، جرّ البلاد إلى هوةٍ سحيقةٍ من الخراب والدمار والأحقاد والثارات والانهيار الشامل في حياة المصريين، حاضراً ومستقبلاً."
بهذا الوضوح، والقطع، لا يمكن تخيل إن إخوان السجون "إخوان المصادر المجهولة" معنيون باستجداء مصالحةٍ مع نظام دموي، تخرجهم من الزنازين، وقبل ذلك تقذف بهم من نافذة السياسة المصرية بلا رجعة.
والحاصل أن حكايات المصالحة لم تنقطع منذ العام 2015، وكلها أثبتت الأيام أنها دخان ألعاب نارية تطيرها سلطة السيسي في السماء، فعلت ذلك في الأعوام الثلاثة الماضية، ففي يونيو/ حزيران 2015 سرّبت، على نطاق واسع، أنباء عن صفقة (وهمية) تشارك فيها كل من تركيا والسعودية، بمقتضاها يتم إلغاء عقوبة إعدام الرئيس محمد مرسي، ونقله إلى الإقامة في تركيا.
ثم في التوقيت نفسه من العام التالي 2016، عاد الحديث عن الصفقة إياها، مع بعض التعديلات، فقد نشر إعلام السيسي أن "الاتفاق التركي المصري، المتوقع ظهوره قريبا بحسب صحيفة تودايز زمان التركية، ينص على اعتراف تركيا بإدارة السيسي في مقابل عدم إعدام الإخوان. وتلعب المملكة السعودية دور الوساطة في هذا الاتفاق الذي يشمل أيضا عودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة والقاهرة.
وجاء 2017، وفي التوقيت نفسه، ولمناسبة سفر السيسي إلى الرياض، انفتحت صنابير الكلام عن صفقة المصالحة المزعومة.
الشاهد أن نظام السيسي ليس مشغولاً بالتصالح مع ضحاياه، والضحايا هنا ليسوا الإخوان وحدهم، وإنما كل ما يمتّ إلى ثورة يناير بصلة، علاوةً على أن الإلحاح على حديث الصفقة مع الإخوان، إنما يستهدف إشعال الحريق في الخيوط التي تربطهم بالثورة، ويهبط بالقضية إلى مستوى تسويات مقابل صكوك إذعانٍ لسلطة الانقلاب، في حين أن الذاكرة تحتفظ بأنصع وأروع ما نطق به الرئيس محمد مرسي، قبل اعتقاله، حين قال "اوعوا الثورة تتسرق منكم، بأي حجة، والحجج كتير".
وأزعم أنه لا مرسي، ولا أخوان الزنازين، يمكن أن يقبلوا بصفقةٍ يتم بموجبها إعدام الثورة، في مقابل إلغاء إعدامهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق