أهلا بكم في الجحيم الديمقراطي
منذ البداية، كان الرهان على انتخاباتٍ، أو ما يشبه الانتخابات، نوعاً من الانتحار، في ظل سلطةٍ لا سقف لبطشها، ولا قاع لوحشيتها، تمارس القتل والحرق، بوصفه منتهى الإنسانية، وتمارس الإقصاء والنفي، باعتباره منتهى الوطنية.
في مصر، وفي كل الدول المنكوبة بطغيان القوة العسكرية، لا يخرج مفهوم الطغاة للعبة الانتخابات عن كونها محرقةً فاخرةً لكل أشكال المعارضة، يؤدي فيها المعارض وظيفة الفراشة التي يدعونها إلى النور، فلا تجد إلا ناراً مستعرة، تحيلها إلى رماد، وتعدم فكرة المعارضة ذاتها، وتضاعف إحساس اليأس واللاجدوى لدى الجمهور العادي الذي صوروا له أشكالاً من المعارضة وكأنها تحمل قدراتٍ استثنائيةً على مواجهة الطغيان.
في الحالة المصرية، كان واضحاً منذ البداية أن السلطة تمتلك من جرأة الطغيان، وقوة العصف بالقانون، والفتك بأي اعتبار أو معيار محترم، ما يجعل الوصول إلى حلبة السباق (الخادع) معها مرهوناً بمشيئتها، مستخدمة في ذلك كل مفردات إرهاب الخصوم، وترهيب الجمهور، ابتداءً بوضع قواعد للعب تقتل أي فرصة لمنافسة حقيقية، مروراً باستخدام أدوات النظام الكهنوتية، التي تمنح الحاكم حصانة إلهية، وليس انتهاءً بالتكفير باسم الوطنية، الذي يجعل التفكير في إزاحة الحاكم المهيمن، بالصندوق أو بغيره، عملاً خيانياً.
بهذه الوضعية، تحولت فكرة الانتخابات إلى مصيدةٍ أنيقة، تتألق أضواؤها، فتهرع إليها الفريسة، تلو الأخرى، بينما القناصة الماهرون يعتلون سطح الكرنفال، مطلقين النار على كل من يقترب، ومكبرات الصوت تنادي هلموا إلى العرس الديمقراطي.. هلموا إلى الجحيم.
وعلى ذلك، لم تكن المطالبة بالنأي بالنفس عن جحيم الانتخابات العبثية نوعاً من الترف السياسي، أو إفراطاً في التشاؤم، أو جموداً في رفض كل فرص الحلحلة، وفتح المجال العام، كما صاح الذين قلنا لهم إنها مقتلة لا تذهبوا إليها بأرجلكم، بل كان الأجدر بمن يريد معارضةً حقيقية فعلاً أن يترك السلطة عاريةً من أي رداء لديمقراطية مزيفة، فلا يساهم في إضفاء معقوليةً على جحيم مستعر بالجنون.
غير أن الفراشات التي ذهبت إلى الحريق، المخلصة منها والموظفة، لم تتوقف عن الركض على طريق العبث، إلا بعد أن صنعت لافتةً طويلةً تقول: هنا انتخابات، أو ما يشبه الانتخابات.
وأنت تتابع مأساة اقتياد المستشار هشام جنينة إلى ظلمة الاعتقال، مشروع النائب المدني لمشروع المرشح العسكري المحتمل، سامي عنان، وابتلاع الصمت لمشروع المرشح المدني خالد علي، وقبلهما مشروع جنرال أبو ظبي، أحمد شفيق، من حقك أن تسأل عن حصاد هذه المغامرة المجنونة؟
هل انفتح المجال العام أمام خالد علي ومشروع حملته؟
هل أسهم استدعاء الجنرالات، بأوهام ولائهم للدولة المدنية الديمقراطية العادلة، في خلخلة منظومة الطغيان والفساد الجاثمة على صدر مصر؟
الحصاد المر، للأسف، أن ما يسمى المجال العام ضاق بما لم يعد يسمح بالتنفس، والأمل في خلاص عسكري من العسكر اختنق في الصدور الباحثة عن بصيص نور، والتشظي والانقسام داخل ما تسمى كتلة مدنية ثورية، بات أفدح مما كان، وكما كتبتُ سابقاً "في المحصلة، نحن أمام يافطةٍ صنعت بعناية، تقول إنه ليس في مقدور أحد أن يزيح عبد الفتاح السيسي عن السلطة، التي وصل إليها بالقتل والتآمر، لا جنرال سابقاً يستطيع منازلته، أو حتى يستطيع الوصول إلى ساحة النزال من الأصل، ولا مرشحاً مدنياً يملك الفرصة للوقوف في وجهه".
ومرة أخرى، لا يستطيع العقل أن يستوعب هذه الأخطاء التكتيكية العجيبة التي تطوع بها المشاركون في اللعبة، كما فعل الجنرال عنان، وهو يشير إلى الثغرة القانونية التي يمكن اصطياده بها في إعلان اعتزامه الترشح، وكما فعل المستشار هشام جنينة في حواره الانتحاري الذي أعلن به حرب الأسرار والوثائق، كما لا يمكن تفسير حجم الهشاشة القاتلة فيما يفترض أنها جبهة واحدة (جبهة عنان) إلا بأن كل هؤلاء يتسابقون في حشو بنادق القناصة بالرصاص، ووضع علاماتٍ إرشاديةٍ فوق رؤوسهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق