حالة من الجدل أثارتها تصريحات المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق (أكبر جهاز رقابي حكومي في مصر) خلال حواره لموقع "هاف بوست" خاصة تلك المتعلقة بما أسماه "بئر أسرار" الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق والمعتقل حاليًّا على خلفية إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر لها مارس/آذار القادم.
الحوار كشف عن امتلاك عنان حزمة من الوثائق المتعلقة بفترة ما قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 والمرحلة التي تلتها التي شهدت موجات متتالية من الأحداث الجسام التي تباينت حيالها الرؤى والتكهنات وكان لها دور حاسم في الوصول إلى المرحلة الحاليّة.
خمسة تساؤلات فرضتها الحقائق التي أماط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق اللثام عنها خلال حواره، تطل برأسها باحثة عن إجابة، تدور في معظمها عن فحوى ما يتضمنه بئر أسرار عنان والجهات التي يقلقها إخراج مثل هذه الوثائق من تحت سراديب السرية والخفاء، فضلاً عن إمكانية إعادة رسم المشهد السياسي المصري حال الكشف عن هذه المعلومات في حينها.
ماذا تحتوي؟
ما بين 25 من يناير/كانون الثاني 2011 و30 من يونيو/حزيران 2013 شهد الشارع المصري عشرات من الأحداث والجرائم التي أدت دورًا محوريًا في رسم الخريطة السياسية حينها، وأثرت بشكل كبير في تشكيل الفترة اللاحقة لها وصولاً إلى المرحلة الحاليّة.
معظم الأحداث التي شهدتها تلك الفترة تسببت في تآكل شرعية الثورة وإحداث مزيد من الانقسام بين الثوار بصورة قسمت المشهد إلى قسمين متضادين، خاصة بعد تبادل الاتهامات بين فصائل الثورة عن هوية المتسبب فيها، ما بين التيار الإسلامي الذي يتزعمه جماعة الإخوان المسلمين، والتيارات المدنية والاشتراكية الأخرى، هذا بخلاف بعض الأصوات التي كانت تلقي بالكرة في ملعب المجلس العسكري.
وبحسب تصريحات جنينة فإن عنان يمتلك وثائقًا من الممكن أن تكشف حقائق عن أحداث محمد محمود، وكذلك تفاصيل ما جرى في مجزرة ماسبيرو، هذا بخلاف كشف النقاب عن حقيقة ما سمي حينها بـ"الطرف الثالث" الذي قام بالعديد من الجرائم السياسية عقب ثورة 25 من يناير/كانون الثاني، ومنها اغتيال الشيخ عماد عفت، وكذلك تكشف الحقيقة الخفية عن أحداث 30 يونيو والجرائم التي تمت بعدها.
قطاع كبير من المحللين يذهبون إلى أن الأجهزة التي ربما تقلق من الكشف عن تلك الوثائق المخبأة في بئر أسرار عنان هي الأجهزة المخابراتية والأمنية
أحداث أخرى ربما لم يتطرق إليها رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق لكنها بلا شك ستكشف تفاصيل جديدة قادرة على فك طلاسم المشهد، منها موقعة الجمل 2 من فبراير/شباط 2011، وجماعة "البلاك بلوك" وأحداث قصر الاتحادية ومقتل عدد من الصحفيين من بينهم الحسيني أبو ضيف وميادة أشرف، هذا بخلاف الفوضى الأمنية التي شهدتها شوارع مصر في فترة ما بعد الثورة وخلال حكم جماعة الإخوان، كذلك المتسبب في صناعة بعض الأزمات الداخلية كنقص الوقود وبعض السلع وما إلى غير ذلك من الممارسات التي أججت الشارع ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي.
كل هذه الجرائم تم إلصاقها، عبر الأذرع الإعلامية والقضائية والشرطية، إما بجماعة الإخوان المسلمين أو بعض فصائل الثورة على رأسهم 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين، وهو ما ساهم بشكل كبير في اغتيالهم جماهيريًا وسياسيًا في آن واحد، ما مهد الطريق فيما بعد للانقضاض على مكتسبات الثورة واستعادة الحكم العسكري سيطرته على المشهد مرة أخرى.
هل يمتلك عنان فعلاً تلك الوثائق؟
تباين في الآراء داخل الشارع المصري عن حقيقة امتلاك عنان لمثل هذه الوثائق، فهناك من يرى أنها محاولة ابتزاز لا أكثر يهدف الفريق الأسبق من خلالها تقوية موقفه بعد اعتقاله، بينما آخرون يرون أنه وبحكم منصبه كرئيس أسبق لأركان الجيش المصري ونائب رئيس المجلس العسكري عقب الثورة ولمدة تزيد عن العام تقريبًا، فإنه يمتلك العديد من الوثائق الخاصة بتلك الفترة وتفاصيلها.
أنصار الرأي الثاني يذهبون إلى أن عنان ليس بالسذاجة التي تسمح له بأن يكشف النقاب عن وثائق ليست بحوزته لأنه بذلك ربما يعرض حياته للخطر حال تأكد الأجهزة السيادية التي من الممكن أن تقلقها تلك الوثائق من عدم امتلاكه لها، كما أن جنينة لا يمكنه الإفصاح عن مثل هذه الحقائق دون إذن مسبق من عنان وبعد التأكد من بعضها.
معظم الأحداث التي شهدتها تلك الفترة تسببت في تآكل شرعية الثورة وإحداث مزيد من الانقسام بين الثوار بصورة قسمت المشهد إلى قسمين متضادين
وثائق عنان.. تقلق من؟
تصريحات رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات الأسبق كشفت عن بعض الجهات السيادية التي تقف وراء محاولة اغتياله شخصيًا قبل أيام، وهي ذاتها التي حذرت عنان أكثر من مرة من خوض العملية الانتخابية وطالبته بالتراجع عن هذه الخطوة، لكن يبقى السؤال: ماذا عن هذه الجهات؟
قطاع كبير من المحللين يذهبون إلى أن الأجهزة التي ربما تقلق من الكشف عن تلك الوثائق المخبأة في بئر أسرار عنان هي الأجهزة المخابراتية والأمنية، على رأسها المخابرات الحربية التي كان يرأسها اللواء عبد الفتاح السيسي حينها، وجهاز أمن الدولة الذي تغير اسمه فيما بعد إلى جهاز الأمن الوطني، بصفتهما أكثر جهازين كان لهما دور في فترة ما بعد الثورة.
لو تم كشفها.. هل تتغير الأوضاع؟
شريحة كبيرة من المنقلبين على الثورة تبدلت مواقفهم استجابة لما عزفت عليه الأذرع الإعلامية طيلة السنوات اللاحقة لـ25 يناير/كانون الثاني2011، حيث صدرت حزمة من الصور والمشاهد التي دفعت الكثيرين إلى الكفر بالثورة ورموزها وفصائلها، خاصة بعدما نجحت في إجراء ما سمي بـ"غسيل مخ" لقطاع كبير من الشعب عبر تحميل فصائل الثورة مسؤولية الجرائم والأحداث التي شهدتها الساحة المصرية حينها في ظل غيبة المعلومات والوثائق التي تكشف عن حقيقة ما حدث.
جنينة في رده على سؤال لمحرر "هاف بوست" عن: هل هذه الوثائق تغير في مسار المحاكمات بحق قيادات الإخوان وغيرها من المحاكمات المعروفة إعلاميًا بـ"السياسية"؟ أجاب: "بالطبع تغير المسار، وتدين أشخاصًا كثيرين"، ومن ثم فإن الكشف عن تلك الوثائق ربما يغير المشهد تمامًا، ويحول شخصيات يراها البعض الآن أبطالاً إلى خونة وعملاء ومأجورين في مقابل تبرئة ساحة من اتهموا فيما بعد بالتهم ذاتها.
وفي رده على سؤال آخر: هل شعرت بأن هناك حقائق كثيرة صدمتك عند سماعك لها؟ أجاب "بكل تأكيد، وللأسف الشديد نعم، وهي حقائق غيّرت لي كثيرًا من الصورة المخفية عن أشخاص كثيرين بالسلطة"، ومن ثم سيكون هذا حال قطاع كبير من المصريين.
البعض ذهب في تبريره لعدم كشفها أنه في هذه الفترة لم تكن هناك إرادة سياسية لديها الرغبة في إجراء محاكمات عادلة للمتورطين في هذه الجرائم خاصة إن كانوا ذوي مناصب رفيعة وفي جهات سيادية الوثائق التي يمتلكها عنان ربما تغير الكثير من المفاهيم عن مرحلة الثورة وما بعدهالماذا لم يفصح عنها حتى الآن؟سؤال آخر فرض نفسه وبقوة: أليست الحقائق التي تتضمنها الوثائق التي بحوزة عنان ملكًا للمصريين؟ الإجابة بالقطع: "بلا"، أليس من حق الشعب أن يعرفها لتقييم تلك المرحلة الحرجة من تاريخ مصر التي تسبب غياب الوعي بتفاصيلها إلى كوارث وجرائم بعضها مصنف كجرائم حرب؟ الإجابة كذلك "بلا"، إذًا لماذا يحتفظ بها عنان ولم يفصح عنها حتى الآن؟تباين في الآراء داخل الشارع المصري عن حقيقة امتلاك عنان لمثل هذه الوثائق، فهناك من يرى أنها محاولة ابتزاز لا أكثر، بينما آخرون يرون أنه وبحكم منصبه كرئيس أسبق لأركان الجيش المصري، فإنه يمتلك العديد من الوثائق الخاصة بتلك الفترة وتفاصيلهاالبعض ذهب في تبريره لعدم الكشف عنها أنه في هذه الفترة لم تكن هناك إرادة سياسية لديها الرغبة في إجراء محاكمات عادلة للمتورطين في هذه الجرائم خاصة إن كانوا ذوي مناصب رفيعة وفي جهات سيادية، وبالتالي فإن الكشف عنها لم يغير من الواقع شيئًا، ومن ثم ارتأى رئيس أركان حرب الجيش المصري الأسبق أن يحتفظ بها لنفسه للوقت المناسب للدفاع عن حياته حال تهديدها فيما بعد، وهو ما يكشف سوء نية لدى الرجل حيال بعض قيادات الصف الأول في المشهد المصري الراهن.ردة فعل الأجهزة السيادية للدولة حيال تلك التصريحات وطريقة التعامل مع عنان خلال الفترة القادمة ربما سيكشف مدى صحة ما صرح به جنينة بشأن امتلاك الفريق لمثل هذه الوثائق من عدمه، ليبقى السؤال الباحث عن إجابة قيد الطرح: ماذا لو ساومت السلطات الحاكمة عنان، حريته مقابل الوثائق؟ وماذا لو رضخ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق