انتخابات رئاسية أم معركة حربية؟
فالعجلة دارت لاستبعاد السيسي، وهو الذي يسرع من وتيرتها بسعيه لتنفيذ أجندته التي لم تعد خافية.
عامر عبد المنعم
رغم أن كل التيارات السياسية في مصر قاطعت الانتخابات الرئاسية التي بدأت إجراءاتها منذ أيام إلا أن الصراع داخل السلطة حولها إلى معركة حربية، تشهد عمليات خطف واعتقال وتهديد بالقوة الغاشمة، والتلويح بدعوة الشعب للنزول إلى الشارع لتقديم تفويض جديد بممارسة مزيد من القمع ضد أعداء جدد!
لقد خرج الصراع داخل الدوائر العليا للحكم إلى العلن، بعد أن ظل فترة طويلة حبيس الغرف المغلقة، ودخلت مصر في مرحلة جديدة من العراك السياسي، لها طبيعة خاصة، تختلف عن كل الصراعات السابقة، حتى باتت كل الأطراف المشاركة والمتفرجة غير قادرة على التوقع أمام سرعة التطورات.
الشعب الذي لم يعد طرفا في الصراع يتفرج في ذهول، بعد سنوات من القمع والبطش والترهيب وتجريم العمل السياسي، حتى أصبح هم المواطن هو البقاء على قيد الحياة، وأصبح مطلب قطاع كبير من السياسيين –فقط- فتح السجون والإفراج عن السجناء والمعتقلين.
يكشف الصراع الذي فرض نفسه على المشهد المصري ضعف عبد الفتاح السيسي وتفكك القلب الصلب الذي كان يستند إليه، وأدى إعلان الفريق أحمد شفيق ثم الفريق سامي عنان إلى ظهور حقيقة جديدة مهمة وهي أن السيسي لم يعد يمثل المؤسسة العسكرية وحده كما يحرص على تقديم نفسه، وأن هناك إشارات واضحة توحي بأن قوى غير منظورة تسعي للتخلص منه.
القوة الغاشمة
لا نعرف حجم الدائرة الرافضة للسيسي في المستويات العليا لكن القرارات التي صدرت مؤخرا مثل عزل رئيس الأركان الأقرب إليه وعزل رئيس المخابرات العامة وتعيين مدير مكتبه بدلا منه، بالإضافة للانفعال الذي ظهر عليه في أكثر من مناسبة يؤكد أنه يواجه خطرا كبيرا، وتمردا مكتوما يشعر به ولا نعرف حجمه.
من الواضح أن شفيق الذي ما زال يملك تأييدا شعبيا من أنصار مبارك وعنان الذي مازال يملك علاقات قوية في الدائرة المؤثرة بحكم أنه كان رئيس الأركان حتى وقت قريب لم يترشحا بمبادرات فردية، وإنما بتأييد ودعم دوائر في السلطة كانت في الانتخابات السابقة مع السيسي والآن انقلبت عليه.
توحي حالة الارتباك ورد الفعل العنيف أن السيسي لم يعد واثقا من الفوز وأنه يتوقع الانقلاب عليه أثناء العملية الانتخابية، وهذا الشعور ليس وليد الأسابيع الأخيرة وإنما بدأ منذ أشهر، ولهذا حاول تعديل الدستور لتأجيل الانتخابات سنتين ربما تتحسن الظروف لصالحه، ولكن فكرة التعديل الدستوري لم تلق مؤيدا فماتت، ولم يكن من سبب مقنع لتعطيل الانتخابات فكان الاستعداد لدخول الانتخابات منفردا ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
إن خوض شفيق أو عنان المنافسة والوصول إلى مرحلة التصويت فرصة لدولاب الدولة لإزاحة السيسي بعملية جراحية سهلة بدون خسائر، وتوقيت مناسب للتخلي عن جنرال يرفض ترك الكرسي، ولهذا كان الإصرار على قطع الطريق عليهما ومنعهما بأي وسيلة، فكان الاختطاف من الإمارات من نصيب أحمد شفيق والضغط عليه وإجباره على إعلان الانسحاب، والاعتقال بالطريقة الفظة التي رأيناها لمنع سامي عنان من تقديم أوراق ترشحه لحين انتهاء الانتخابات، وربما إلى فترة أطول حسب ظروف الصراع.
لكن محاولات قطع الطريق لم تقتصر على المنافسين العسكريين الأقوياء وإنما تعدتهم إلى المرشحين المدنيين المحتملين مثل عبد المنعم أبو الفتوح الذي اعتقلوه وقيادات حزبه، وخالد على الذي لفقوا له قضية وكانوا يفكرون في الإبقاء عليه لولا أنه أفلت وقرر الانسحاب.
عزلة النظام
بالنظر إلى شكل النظام الآن ومقارنته بوضعه بعد انقلاب 3 يوليو نجد أن الكيانات السياسية التي شاركت في الانقلاب على الرئيس محمد مرسي انفضت عن الحكم، وبعضها تم الزج بقادته في السجون، وبعض القيادات مطارد في قطر وتركيا، ولم يعد حول السيسي أي وجود لأي فصيل سياسي، وهذا ما أدي إلى مقاطعة الانتخابات.
لقد أصبح الحكم معزولا، وفي موقف حرج داخليا وخارجيا، ولم ينقذه السعي في الوقت الضائع للبحث عن مرشح من الأتباع يقوم بدور المنافس المستعار، وقد شاهدنا أغرب عملية تسول لمرشح كومبارس يقبل أن يقوم بالدور في التمثيلية التي أصبحت مكشوفة تماما أمام المصريين والعالم، ولكن المهمة فشلت في الإتيان بمرشح يحسن صورة الانتخابات التي فشلت قبل أن تبدأ.
هدم صورة الدولة
في ظل نظام مبارك كانت الانتخابات تزور في كل مراحلها لكن كان هناك حرص على الشكل، أما الآن فلا أهمية للشكل، بل يوجد إصرار على إظهار أن القوة فقط هي التي تحكم، وأن فكرة الحاكم الأوحد ليست فكرة قديمة مندثرة، بل أصبح الشعار المرفوع هو أن البندقية مصوبة لكل الرؤوس.
لم يعد الصراع السياسي بين السلطة والإخوان بالصورة التي تتعيش عليها الأذرع الإعلامية، وإنما أصبح معركة بين فرد واحد وكل من تسول له نفسه التقدم ولو بخطوة لممارسة حقه في العمل السياسي وهذا يعني استخدام الانتخابات لمرة واحدة، ومصادرة الصندوق الانتخابي إلى الأبد.
الطريقة التي تدار بها الانتخابات الرئاسية تعطي رسالة صريحة للمجتمع المصري وهي ألا أمل في أن يختار الشعب من يحكمه أو حتى يشارك أو يقول رأيه، وأن هناك من يرى أنه الحاكم الإله الذي ليس لأحد منافسته أو مجرد التفكير في الاعتراض عليه، سواء من الشعب أو من زملائه.
الأجندة المعادية
موجة الرفض للسيسي تأتي بعد اتساع حجم الاقتناع بأنه ينفذ أجندة غير مصرية؛ فالانقسام الذي تشهده دوائر السلطة بدأ يظهر على السطح منذ التوقيع على بيع تيران وصنافير للسعودية لصالح إسرائيل، فمضيق تيران الذي من أجله كانت حروبنا منذ 1948 لم يكن من السهل أن يتقبله العسكريون خاصة الذين شاركوا في حرب أكتوبر، ثم الإجراءات المرتبطة بالتعاون مع الإسرائيليين وفي مقدمتها صفقة القرن فخرج المكتوم إلى السطح.
لا نضيف جديدا عندما نقول إن دوائر السلطة اتفقت على العداء للإخوان ولكنها لم تتفق على التعاون مع الكيان الصهيوني وتنفيذ أجندة اسرائيلية ستؤدي لتخريب مصر، وتهدم البيت على رؤوس كل من فيه، فلا يوجد عاقل يوافق على التنازل عن نهر النيل لأثيوبيا كما لا يقبل أي عقل استراتيجي إخلاء سيناء وتفريغ أهم منطقة فيها وهي المنطقة الممتدة من رفح وحتى العريش لصالح "إسرائيل".
***
سواء تمت الانتخابات أم لا، وأيا كانت نتيجتها فإنها لا تعني حسم الصراع وإنما بدايته؛ فالعجلة دارت لاستبعاد السيسي، وهو الذي يسرع من وتيرتها بسعيه لتنفيذ أجندته التي لم تعد خافية، كما أن إصراره على إطلاق الرصاص في كل الاتجاهات لن يرهب الآخرين بقدر ما يؤكد التطرف السياسي المسلح بقوة الدولة الذي يهدد بقاء الدولة نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق