ليس دفاعاً عن كومبارس السيسي
وائل قنديل
صبيحة يوم موقعة الجمل، الثاني من فبراير/ شباط 2011، وجهت رسالة إلى النبلاء في ميدان التحرير، ملخصها :أسقطوا المعارضة المزيفة.
كانت الاتصالات وخدمة الإنترنت مقطوعةً عن كل مصر، بقرار من نظام حسني مبارك، وبتواطؤ مفضوح من شركات الاتصالات التي تحول بعض أصحابها إلى حكماء ثورة مزيفين، ورؤساء أحزاب ثورية، فيما بعد خلع مبارك، فنشرت صحيفة السفير اللبنانية، مشكورة، رسالتي، التي قلت فيها "لا أحد يريد إنهاء الحريق، كل ما يعتبرونه جهود إطفاء هو في الحقيقة كميات إضافية من السولار والكيروسين والزيت تلقى بكثافة على النيران المشتعلة.
لا يريدون أن يفهموا، أو ربما فهموا، لكن العزة بالإثم والاستكبار والتعامي تدفعهم لعدم الاعتراف، والإقرار بأنهم فهموا .
أتحدث هنا عن النظام كله، أولئك المتشبثون بالسلطة، وهؤلاء المعارضون المزيفون ممن تثبت الأيام أنهم أدوات في يد السلطة الحاكمة، حتى وإن هتفوا وصاحوا وتشنجوا ولعنوا الحكومة آناء الليل وأطراف النهار.
هذه الخلايا النائمة من المتشحين بأردية المعارضة أخطر على مصر، وعلى ثورة شباب مصر، من السلطة ذاتها، هم أشرس في معاداة التغيير من وزير الداخلية المخلوع، ومن كل رجل أمن ألقى قنبلة أو أطلق بلطجيا أو ضرب متظاهرا بهراوة غليظة.
هؤلاء الذين يتسللون لواذا، ويسممون المشهد الجليل، وينثرون بذور الفتنة والانشقاق والانقسام بين الجموع الثائرة، ويشكلون الائتلافات اللقيطة، ويقطعون الطريق أمام كل محاولة للاصطفاف حول شخصية وطنية، تتمتع بالحد اللازم من المصداقية والأهلية والكفاءة لإدارة المعركة السياسية.. هؤلاء هم أعداء ثورة الشباب الحقيقيون، يريدون أن يسرقوا الإنجاز، فإن لم يستطيعوا فهم يشوهونه، لا يختلفون، في كثير أو قليل، عن تلك العصابات الإجرامية التي تقتحم محلات المواد الغذائية لممارسة أبشع عمليات السلب والنهب، وفلول البلطجية الذين يسطون على المنازل بحثا عن الغنائم".
الآن، وبعد سبع سنوات على التخلص من رأس النظام (مبارك)، تلعب معارضته العميقة، التي التفت على الثورة، وارتدت أقنعتها، الدور الأخطر في الإجهاز على ما تبقى من نبض وملامح فيها، من خلال نشاطها المحموم في غسيل الصحون، داخل مطبخ ما تسمى انتخابات السيسي الرئاسية، فتهرع إلى طلاء واجهات مسرح العبث، بما يضفي جدية مصطنعةً على مشهدٍ غارقٍ في العربدة القيمية والهزل السياسي.
من تلك المعارضة القديمة، المزيفة، من تجري دحرجته من الأرفف العليا لثلاجة النظام، للعب دور الكومبارس، أو الدوبلير، في عرضٍ بائس ومبتذل درامياً، ومنها ما لا يبخل على السلطة ببعض الألعاب اللطيفة التي تضيف بعض التوابل على طبخة سياسية باردة وفاسدة، كأن يعلن بعضهم الحرب على كومبارس الانتخابات المسرحية، مفتشاً في تاريخه الشخصي، ومؤهلاته العلمية، أو عدد توكيلات ترشحه، والكيفية التي وفرتها أجهزة النظام له، وكأنهم يقولون إن الانتخابات مهزلة عبثية، لأن الكومبارس غير جدير بالمنافسة، وليس لأن العملية فاسدةٌ برمتها، من الأساس.
هي فاسدة من جذورها، ابتداء بالبطل الأوحد، وانتهاء بالكومبارسات، مروراً بكل ما يتعلق بالمناخ السياسي، من قواعد وإجراءات، بحيث يستوى الكومبارس الحزبي، المطعون في مؤهله العلمي، وشرفه السياسي، مع أي شخصٍ آخر يقبل على نفسه المشاركة في رقصةٍ على الدم، وفوق الحق والعدل، حتى وإن كان يحمل جائزة نوبل في العلوم، أو يرصّع كتفيه بشهادات النبوغ السياسي والعسكري.
تدهشك هذه المعارضة اللطيفة بقدرتها، وتفانيها، في إسباغ جديةٍ على كل الهراء المنسكب من فم عبد الفتاح السيسي، فحين يتحدث بكل الغطرسة والصلف، قائلاً للمعارضة: أنتم لا شيء.. أنتم لا أحد، يأتي الرد من بعضهم مجلجلا: موسى مصطفى موسى لا يحمل مؤهلاً دراسياً جامعياً، كما أنه مدان بأحكام قضائية سابقة، ولا يفهم في أمور الرئاسة.
إذا قرّرت أن تذهب إلى حفلة تنكرية، فلا يجب أن تعترض على ملابس الحضور الغريبة، كما أنك حين تدخل عالم السيرك، فمن العبث ان تستدعي المنطق لتقييم حركات العارضين العجيبة، ولا تعترض على حركاتهم البهلوانية وثيابهم الممزقة.
باختصار، ليس أكثر بؤساً من معارضةٍ تجعل معركتها هي مواصفات الكومبارس، هرباً من التصدّي الجاد للبطل الشرير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق