فرنسا والساحل الأفريقي.. هل نتجه نحو النهاية؟
زاوي رابح
أستاذ و باحث جامعي
خلال الأسبوع الماضي جمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قادة دول الساحل الإفريقي من أجل مناقشة الوضع الأمني غير المستقر في الساحل الإفريقي، في حقيقة الأمر هذا الاجتماع، الذي جمع زعماء دول الساحل الكبرى والرئيس الفرنسي عرفت تركيز هذا الأخير على التنديد بالخطب التي وصفها غير الجديرة بالثقة والتي حسبه تغذي النقاد المناهضين للسياسة الفرنسية في الساحل، حيث وفقا له فإن هذه الخطب تخدم "قوى أجنبية" لديها "أجندة مرتزقة" حسب وصفه، وبالتأكيد أن المقصود هنا هو روسيا، خاصة مع التقارير التي تتحدث عن تواجد أنشطة المجموعة شبه العسكرية الروسية فاغنر.
كما أن من ضمن ما أشار إليه أن ما يتم تداوله هنا وهناك من طرف دول أخرى تخدم مصالح معينة، إما مصالح الجماعات الإرهابية (...) أو مصالح القوى الأجنبية الأخرى التي تريد ببساطة رؤية الأوروبيين مبعدين من الساحة الإقليمية ومن المنطقة ككل، لأن لديهم جدول أعمالهم الخاص والذي وصفه بجدول أعمال المرتزقة، كما لم يفوت الفرصة ليشير إلى أن تواجد الجيش الفرنسي في الساحل الإفريقي هو من أجل الأمن والاستقرار وليس من أجل شيء آخر. وهنا يجب الإشارة إلى أن كل ما ذكره ليس له ما يسنده على أرض الواقع إطلاقا، فتواجد الجيش الفرنسي في المنطقة مكشوف الأهداف والنوايا، ولا يخفى على أي كان المصالح الفرنسية في المنطقة، ولا هي حققت الامن والاستقرار، ولا هي تركت سكان المنطقة يقررون مصيرهم بعيدا عن التدخل في شؤونهم الداخلية.
حيث وفي نفس اللحظة التي قد تشهد تقليصا في حجم القوات الأمريكية في إفريقيا، فإن فرنسا ستزيد عدد أفرادها العسكريين، حيث سيتم إرسال 220 رجلاً إضافياً، سيعززون القوات الفرنسية في برخان المكونة من حوالي 4500 رجل. هذا الاجتماع وما حمل من رسائل كان موجها بشكل كبير لروسيا ودورها في المنطقة، والأكيد هو يعبر عن انزعاجها من التحرك الدبلوماسي الجزائري في الفترة الاخيرة.
الخلل الأكبر هو استمرار فرنسا في التعامل مع المنطقة وفق نفس الممارسات الاستعمارية، دون أدنى احترام لا للشعوب في المنطقة، ولا للقانون الدولي |
ما بين سنة 2013 والآن أكثر من سبعة سنوات، ما الذي تغير في مالي مثلا وغيرها من دول الساحل والصحراء؟، هل حققت تلك الدول الاستقرار السياسي المنشود؟، هل استطاعت تجاوز خلافاتها الداخلية والتوجه نحو بناء دول الحق والقانون والمساواة؟، هل عاد الأمن وعاد معه ملايين النازحين من تلك المناطق؟، هل تم القضاء على التنظيمات الإرهابية في المنطقة؟، الإجابة هي بالنفي لكل ما تم طرحه، التدخل الفرنسي في المنطقة لم يزد الأمور سوى تعقيدا أكثر بكثير مما كانت عليه من قبل. وهنا تم تنظيم مظاهرات تعبر عن الامتعاض من تواجد الفرنسيين في مالي، فمثلا في 10 جانفي تم تنظيم مظاهرة في ساحة الحرية في العاصمة في باماكو، والتي شارك فيها نواب التجمع من أجل مالي، حزب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، بالإضافة إلى رئيس حزب المعارضة، وتم خلالها رفع شعارات مثل: "تسقط فرنسا"
إذا ما عدنا مثلا إلى بداية التدخل الفرنسي في المنطقة، سوف نجد أنها تدخلت في المنطقة بدون انتظار قرار من مجلس الأمن على الرغم من أنها كانت تسعى إلى إصداره لكي تتدخل تحت غطاء إفريقي، أو على الأقل تساعد التدخل الإفريقي الذي كان يتم الإعداد له لكن عدم صدور قرار من مجلس الأمن أجله. وفي المقابل شرّعت تدخلها بطلب الحكومة المالية مساعدتها في مواجهة ما أسمته "المسلحين الإسلاميين"، كما أنها استندت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2085 الصادر في 20 ديسمبر/ كانون أول 2012، الذي يسمح بإنشاء قوة دولية لدعم مالي في حربها لاستعادة الشمال، هذا فضلا عن مبررات أخرى قامت بتسويقها على غرار السعي لمنع قيام تنظيمات إرهابية في المنطقة بما يمكن أن يشكل تهديدا للمنطقة والعالم بأسره.
إذا ما جئنا مثلا على تقديم حصيلة لهذا التدخل، سوف نجد أنه في بداية التدخل سقطت مروحيتان فرنسيتان، وقتل اثنان من الجنود الفرنسيين، وكان آخرها سقوط 13 قتيلًا معظمهم من الضباط وضباط الصف مؤخرا، ليصل المجموع منذ انخراط باريس سنة 2013 في عملية "برخان" إلى 38 قتيلًا، ما جعل العديد من الفرنسيين الذين كانوا متحمسين لهذه العملية يشككون في جدوى الوجود الفرنسي في هذه الدولة الإفريقية، هذا التشكيك يتضاعف، خاصة إذا علمنا أن الوضع الميداني على حاله فشمال مالي لم يسترجع بعد، فمناطق بكاملها لا تزال خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية التي تتعرض بشكل متواصل لهجمات دامية، رغم هذه القوات الفرنسية المنتشرة منذ سنوات عدّة في المنطقة.
يمكن إرجاع هذا الإخفاق إلى جملة من العوامل، يمكن ان نقسمها على محورين، الاول مرتبط بالطبيعة الجغرافية للمنطقة وهي المتميزة بالصعوبة والشاسعة، وهو الأمر الذي يتطلب حجم كبير من القوات من جهة، وكذا تغطية جوية كبيرة، فمثلا سقوط المروحيتان الفرنسيتان دفع بفرنسا إلى سحب سلاح المروحيات الفعال من المعركة بعد أن تبينت قدرة المسلحين على إسقاطها، والتركيز على الضربات الجوية عن بعد بواسطة طائرات أخرى. هذا من جهة، أما بالنسبة للعامل الثاني فيتمثل في وجود عداء كبير للجنود الفرنسيين في المنطقة خاصة في مالي وفي مناطق الشمال مثلا والتي تنظر إلى وجود تلك القوات على أنه استعمار وليس شيء آخر، وبالتالي هذا ينمي العداء ويشجع على رفض تواجدها وما تقوم به، وحتى التعاون معها. كما لا يفوتنا أن نشير إلى إخفاق السياسة الفرنسية بشكل كبير جدا في إدارة الملف المالي وغيره، خاصة وأن النوايا أصبحت مكشوفة ومعروفة للجميع، وأن التواجد الفرنسي في المنطقة هو لخدمة المصالح ولا شيء غير ذلك؟
في اعتقادنا أن الخلل الأكبر هو استمرار فرنسا في التعامل مع المنطقة وفق نفس الممارسات الاستعمارية، دون أدنى احترام لا للشعوب في المنطقة، ولا للقانون الدولي، دون أن نغفل كذلك مسالة مهمة وهي أن التعامل مع قضايا اقتصادية واجتماعية بالقوة الصلبة أثبت فشله في إحراز نتائج ايجابية، فالأمر مرتبط بالتعامل مع الأسباب الحقيقية للتشدد والإرهاب وهي أسباب اجتماعية واقتصادية، تتطلب معالجة لينة، تتطلب إدارة حقيقية لحل مشاكل التخلف، التبعية، البطالة، والتعليم، بدل إرسال المزيد من القوات والأسلحة تحت ذريعة مساعدة الدول على تحقيق استقرارها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق