لهيب الجوانح … لوعات الرثاء وشجونه..
من النقاشات المفيدة لإثراء ثقافة الناشئة وشداة الأدب والارتقاء بمداركهم البيانية خوض المعارك الأدبية والسجالات القلمية حول جيد القول ورديئه من شعر ونثر، كما من المستحسن المفيد أن يكون للعربية وآدابها حضور دائم في وسائل التواصل ونقاشات أهلها الكثيرة الشاملة للمهم وغيره.
وأجمل ما في نقاشات الأدب استعصاؤها على الحسم وتجددها المستمر كانبعاثها هذه الأيام بعد ظهور الأمير الشاعر السفير محمد ولد الطالب ينشد قصيدة رثاء بين يدي الشيخ الحاج المشري في نجله الشاب عبدالله الذي رحل فجأة رحمه الله، وهو نقاش طال حتى شمل الخلاف في أحسن ما قيل في الرثاء، وتساءل أهله عن سادة الرثاء وأرباب الأكباد الملتهبة في بلاد شنقيط التي ما زالت تتنفس الشعر وتنافس فيه رغم شيوع العجمة وانتشارها في الخافقين.
الأكباد المحترقة
نكتب ونحن موقنون أن أبطال معارك الأدب اللطيفة لن يصلوا إلى حكم نهائي لأن الأذواق بطبيعتها متمردة على التنميط، متسامية على التقليد، متطلعة إلى معان وأحاسيس استقرت في الأنفس فبحثت لها عن مؤكدات أو مسليات خارجية، كما نعلم أن الرثاء من أشد ضروب الشعر العربي ارتباطا بالمؤكدات الخارجية؛ فقوة الانفعال أو ضعفها بالمراثي راجعان بعد تجويد الشاعر وجزالته إلى أمرين؛ لوعة الشاعر، وشجن المتلقي أو نفسيته عند سماع القصيدة والظروف المحيطة به والأحوال التي مرت به.
فلوعات الشعراء في المراثي هي التي عبر عنها الأعرابي حين سئل: “ما بال المراثي أجود أشعاركم؟ قال: لأنا نقول وأكبادنا تحترق”، (البيان والتبيين 2/ 218)، فالأكباد المحترقة هي التي يشم القارئ دخان لهيبها في عيون المراثي الخالدة، وفي أنين النائحات الثكالى الجازعات على مر العصور.
وليس غريبا أن تكون الشواعر هن المبكيات المشجيات في مراثيهن فهن أكثر وفاء وأرق عواطف وأدر دموعا وأشد جزعا، وقد أحسن أبو عُبَادة الوَليد بن عُبَيد البُحتري (ت ٢٨٤ هـ) حين جعل الباب الرابع والسبعين والمائة من حماسته “فِي مختار أشعار لجماعة من النساء فِي المراثي” استهلهن بسيدتهن ليلى الأخيلية في توبة بن الحُمَيِّر، وثنَّى ببكاء الخنساء على أخويها صخر ومعاوية، واسترسل في ذكر نوادر الرثاء الأنثوي.
هذا الشجن المبكي والقول الصادق والتفجع المتصاعد هو الذي يجعلك تأسى على مالك بن نويرة، وأخي الغنوي، وأخوي الخنساء، وتجزع على صبية أبي صخر الهذلي وإخوة سلمى بنت الأحجم، وتبكي مع طفل ابن الزيات “المفارق أمه”، وتتمنى فداء المنتشر بن وهب الباهلي، وعمرو بن سعيد، وتتعاطف مع شيخ المعرة في حزنه الذي لا ينفد على أمه، وتود لو طال عمر أبي إسحاق الصابئ حتى يسلم ويستحق دالية الشريف الرضي فيه، ومراثي آل البيت تحتفظ بحزن عراقي وشجن كربلائي لم تزدهما القرون إلا شدة وعرامة وعويلا.
مراثي العظماء… ذاكرة الأجيال
الجزع على فقد الأحبة والأهل والإخوان حالة بشرية يتفاوت فيها الناس تفاوتهم في التشبث بالحياة، وللعظماء والعلماء في تواريخ الأمم والشعوب أبوة شاملة جعلت فقدهم مصيبة عامة، وإنما يتفاضل الأسى عليهم لتفاوت الناس في الوعي التاريخي ولتقديرهم لمكانة الرجال وإدراك عظمة العظماء، وإنما عظمت مراثي العظماء لعمق إدراك أفذاذ الشعراء لهول المصائب وفداحة الخطوب بفقدهم.
وقد أحسن ابن حمدون في ’تذكرته’ حين جعل الفصل الأول من الفصول الستة التي عقدها لأنواع الرثاء في الشعر العربي عن “مراثي الأكابر والرؤساء”، واستهلها بقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين وقف “على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعةَ دفن وقال: إنّ الصبر لجميل إلّا عنك، وإنّ الجزع لقبيح إلا عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنه قبلك وبعدك لجلل”، (التذكرة الحمدونية 4/ 197)، ثم ثنَّى برثاء الشماخ بن ضرار الغطفاني لعمر الفاروق رضي الله عنهما.
ومن طرائف ترسيخ ابن حمدون للتفرقة بين المراثي وأنواعها أنه حين ذكر رثاء ليلى أو الدعجاء بنت وهب لأخيها المنتشر بن وهب الباهلي، في القصيدة المشهورة بنسبتها إلى أعشى باهلة عند المبرد وغيره، قال “وإنما أثبتناها في هذا الفصل لأنها أبنته تأبين الأكابر، والمقصود معنى المرثية لا من قيلت فيه”، وهي قصيدة جليلة من عيون المراثي ومن مختارات أبي العباس المبرد التي قال عنها في ’الكامل’ : “وكانت العرب تقدم مراثي وتفضلها، وترى قائلها بها فوق كل مؤبّن وكأنهم يرون ما بعدها من المراثي منها أخذت وفي كنفها تصلح، فمنها قصيدة أعشى باهلة”.
وطالما كانت حدة الشعور بفقد العظماء وشدة الأسى عليهم محرقة لأكباد الشعراء، تلك الأكباد التي لم يزل لهيبها يلسع القارئ حزنا على معن بن زائدة الشيباني في بكائيات مروان بن أبي حفصة عليه في قصيدة “من أفخر الشعر وأحسنه”، وهي قصيدة أبكت الرشيد حتى ملأ إناء من دموعه، وأثاب جعفر البرمكي قائلها أضعاف ما أمَّل من معن الجواد لو كان حيا (وفيات الأعيان (5/ 251).
وذلك الأسى هو الذي أشعل قريحة أبي تمام غداة ارتقى محمد بن حميد الطوسي، ولم يفوت أبو العلاء المعري أن يجعل حزنه على والده الوقور من هذا القبيل، وظلت كرة الحريق هذه تتدحرج عابرة للقرون؛ ففي كل زمان ومكان تجد شاعرا محترقا يندب عظيما يرى الدنيا أظلمت بفقده، وكل مراثي العلماء المؤثرين من هذا القبيل مثل رثاء حافظ إبراهيم للشيخ الإمام محمد عبده، وصنوه أحمد شوقي لبطل الصحراء الشهيد عمر المختار.
ومن مشكاة شدة الوعي بالتاريخ وحدة الشعور بفقد الرجال تميزت مراثي المؤرخيْن والشاعرين الموريتانيين المختار ولد حامد والخليل النحوي؛ فالخليل النحوي ذو الوعي التاريخي الحاد والشاعر المجيد والمؤرخ الذي أضناه البحث في التأريخ للثقافة الإسلامية في بلاد شنقيط ومنارتها، وخَبَر رجالها ومكامن قوتها وضعفها وخصائص صناعها، وتراجم أفذاذها طبيعي أن يكون شعوره بفقد عظماء تلك الثقافة مضاعفا، وتعبيره عن ذلك الشعور بديعا آسرا.
كما أن معايشته ومعرفته لمنزلة كل من الإمام المجدد بداه ولد البوصيري وشيخنا العلامة محمد سالم ولد عدود والدكتور مؤرخ العلوم محمد المختار ولد اباه والعبقري المحقق جمال ولد الحسن من تلك الثقافة جدير بجعل مراثيه لهؤلاء تحتل مكانة سامقة بحجم المصاب بهم، وتناسب قوة شعوره هو شخصيا بذلك المصاب الجلل على أن النحوي مقل جدا، ويطبخ قوافيه على نار هادئة ويحككها تحكيكا بديعا يخفي أثر الصنعة ويظهر الشجن والأسى.
أما العلامة المختار ولد حامد فهذا رجل ما قدره أهل الصحراء حق قدره فقد تناهبوا موسوعته العظيمة، وفهموا منها غير مراد مؤرخ رأى العالم ينادي على أهل بلاده بالخمول والانقباض فجمع لهم مادة أولية كما فعل صنوه وسميه مؤرخ سوس العالمة المختار السوسي، وظن الناس أن تلك المادة نهائية فحرفوا مطبوعها، وركنوا مخطوطها ومرقونها في زوايا النسيان.
ومراثي ابن حامد على كثرتها كمدائحه ستظل بلوعتها الحزينة وسهلها الممتنع وقرب مأخذها وتفنن صاحبها وقوة سبكه وثراء إحالاته مدرسة رثائية قائمة بذاتها، وتاريخا آخر لبلاد شنقيط وما ازدهر فيها من علوم وثقافة، ولا ريب أن فتى العصر لمرابط ولد الدياه الذي يكاد يستحضر كل أشعار المختار ولد حامد هو خليفته في السهل الممتنع وقرب المأخذ وكثرة المراثي من غير ضعف ولا تكرار، غير أن جُلَّ من بكاهم سلفه المختار جيل لا يتكرر.
فمراثي العظماء ذاكرة للأجيال ومنبع لمعالي الأمور، وقد أدرك بنو أمية هذا الأمر في إقبال دولتهم؛ فقد قال أبو الحسن المدائني: “كانت بنو أمية لا تقبل الراوية إلا أن يكون راوية للمراثي، قيل: ولم ذاك؟ قال: لأنها تدل على مكارم الأخلاق”، وهذا الحرص الأموي على مكارم الأخلاق هو صاهر الرواية وهو الذي فهمه الأولون لكن أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي سخر سخرية لاذعة من بلاهة أسلافنا الأدباء وفهمهم السطحي لحرص بني أمية على المراثي، وجعل للرثاء دورا آخر أقوى في قيام الدول وتمكين رجالها.
يقول الرافعي: ” فعفا الله عن أبي الحسن ظنه حتى اعتبر السياسة بالعلم… وإنما كان بنو أمية رجال مرزأة وحروب وفتن عربية؛ ولم يقم أمرهم إلا بدعوى المطالبة بدم عثمان؛ فكان همهم أن لا ترقأ الدمعة ولا تطفأ اللوعة، وأن تبقى في القلوب معان رقيقة تهيجها المراثي فتنقدح بها المعاني الغليظة في المقاتلة والمسترزقة من العامة، وهم قوة الدعوة، ومن قلوبهم قوت السياسة، وقد استقام لهم بذلك عمود من الأمر كان مائلًا، وحق كان فيما ظنه غيرهم باطلًا”، (تاريخ آداب العرب 1/ 253)، ولا ريب أن شيخنا إبراهيم السكران -فك الله أسره- يصنف هذا التحليل الرافعي الطريف في خانة “تقنية التسييس”.
شجون الفقد..
ستظل أحوال المتلقين للمراثي مختلفة فكم مرثية تثير في سامعها ما لا تثير أخرى، وذلك راجع إلى الشجن الذي يتلبس المتلقي أو الذكريات التي تثيرها القصائد، فكم سمع سيدنا الفاروق من المراثي في الآباء والأبناء والأصدقاء لكن الشجن الذي أثارته فيه قصيدة متتم بن نويرة لم تثره مرثية أخرى بسبب أن المبكي عليه أخ، وفيه من صفات البذل والشجاعة ما في زيد الذي سبق عمر إلى الحسنين الإسلام والشهادة.
وكان حزن الفاروق على أخيه زيد بن الخطاب حزنا شديدا ووجده عليه عميقا، حتى قال “لمتمم بن نويرة حين أنشده مراثيه في أخيه: لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي زيد مثل ما قلت في أخيك فقال متمم: لو أن أخي ذهب على ما ذهب عليه أخوك ما حزنت عليه. فقال عمر: ما عزاني أحد بأحسن مما عزيتنى به”، وبلغ عمر من حبه زيد أنه قال “ما هبت الصبا إلا وأنا أجد منها ريح زيد”. (الاستيعاب 2/550).
وعلى حالة الفاروق يقاس كل ذي شجن؛ فمن فقد أمه وهو صغير سيكون تأثره بنشيج المعري على أمه غير تأثره ببكائه على والده القاضي الوقور، ومن يحزنه فقد شيوخ العلم وانتقاص المعارف برحيلهم ستكون مرثية عبدالله السالم ولد المعلى لشيخ الشيوخ العلامة أحمدُّو ولد محمذن فال شيخ محظرة المالكية موجعة له، كما ستزيده جوى مراثي شيخ مشايخنا العلامة محمد سالم ولد ألما سيما مرثية شيخينا محمد الحسن ولد أحمدُّو الخديم والعلامة محمد سالم ولد عدود ونونية المختار ولد حامد فيه.
هذا الشجن الكامن هو الذي يجعل تأثر الموريتانيين بمرثية الدكتور الشاعر ادي ولد آدب المؤثرة لركاب طائرة تجكجه غير تأثر أهل اليمن بتلك القصيدة، وكلما اقترب المرء من هضاب تكانت كان تأثره بتلك القصيدة وظلالها المؤسفة أقوى وأشد، ويكفي من شجون تلك القصيدة وصدى تأثيرها ما نُسِج حولها من الشائعات الحزينة والأساطير المدعية للشاعر علاقة بالركاب غير علاقة الدين والوطن والإنسانية.
ومن هذا القبيل الشجن الذي تثيره سينية الإمام ولد ماناه الجكني في قومه كما حكى صاحب الوسيط، وتثيره يائية مالك بن الريب في نفوس المغتربين حين يلاقون الصعاب أو يواجهون المنايا الكالحات، وللشاعر علقمة بن ذي جدَن الأصغر المشهور بالنوَّاحة قصيدة عدها اليمنيون “من أحسن المراثي وأسلسها، وهي معظمة عند أهل اليمن وغيرهم من العرب”، كما في الإكليل للهمداني، وتعظيم أهل اليمن لها راجع لما تثيره فيهم الذكريات السبئية وقصور مأرب “ذات البناء اليفَعْ” وآثار صرواح من شجون وشؤون.
شجن المعافى بن زكريا
لكل قارئ للشعر شجنه الذي يختص به، ولاختلاف تلك الشجون اختلف الأدباء في المراثي فكل من رأيته يستحسن مرثية ما فابحث عن أعماق نفسه تجد شجنا كامنا كان ينتظر شاعرا ليثيره، وأغلب عيون الرثاء المستحسنة في كتب المختارات الشعرية من هذا القبيل، ولأستاذي محمد ولد بتار قصيدة في رثاء السيد ولد أحمد ولد اباه تثير في ما لا يثير غيرها لأحوال يطول شرحها، وقلما صرح الأدباء بتلك الشجون.
ومن تلك القلة المصرحة بشجونها الأديب المظلوم أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري (ت390هـ) فقد ذكر قصة في كتابه الماتع ’الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي’ ، تلخص كل ما تقدم في أمر الشجون والشؤون، فقد نقل عَنِ الأَصْمَعِيّ، أنه قَالَ: خرجت إِلَى مَقَابِر الْبَصْرَة فَإِذا امْرَأَة واقفةٌ عَلَى قبر، وَهِي تَنْدُب وَتقول”، وأنشد قصيدة إذا قرأها المرء بقلب خالٍ رأى فتاة تندب أخاها بعاطفة الأخوات الجياشة مثل عواطف كل الأخوات الماجدات في استذكار مناقب الإخوة الأعضاد.
فالمعافى حين نقل تلك القصيدة علق عليها بالقول:” هَذِهِ المراثي من أحسن المراثي وأبلغها من الْقُلُوب، للطف مَعَانِيهَا، ورقة حواشيها، وَقرب ألفاظها وعذوبتها، وسماحة مَجَاريها وطلاوتها”، وهنا يستطيع الناقد أن يناقش المعافى بن زكريا في تقريظه للقصيدة ويزنها بميزان النقد البارد ويأخذ منها ويردُّ.
لكنه لا أحد يستطيع أن يناقش المعافى حين يسترسل في التعليق على القصيدة، ويقول” وَقل مَا أثر فِي قلبِي منظوم تأثيرها عِنْد إنشادها” ويبين الأسباب بقوله “وَكَانَت لي ابْنة لَطِيفَة الْمحل من قلبِي، نَفِيسَةُ الْمنزلَة فِي نَفسِي، ذَات محَاسِن كَثِيرَة، وفضائِل غزيرة، وَرزقت حظًّا من حفظ التِّلَاوَة والآداب الدِّينِيَّة، مَعَ عقل رصينٍ ونزاهة وَدين، وَهبهَا الله لي بفضله ونِعْمتهِ، ثمَّ اسْتَأْثر بهَا بعدله ومشيئته”.
ولا يستعجل أبو الفرج في بوحه النادر فيسترسل بتؤدة حزينة يشرح فيها شجنه ولوعته وأثر تلك القصيدة على نفسه في مواجهة هذا الابتلاء الصعب، فيقول “فَسلمت للرب جل جلاله قَضَاءَهُ فِيهَا وَعرفت حسن اخْتِيَاره لي وَلها، إِذْ كَانَ خَالِقهَا أملك بهَا من والدها ومنشيها، وأرحم بهَا من ثاكلها، وصابرت عَظِيم الْمُصَاب بهَا، ورضيت بِثَوَاب اللَّه عوضا مِنْهَا، ولَهجْتُ بِهَذِهِ الأبيات الَّتِي قدمت ذكرهَا فَمَكثت زَمَانا أقطع ليلِي ونهاري بتَرْجِيعِها والترنم بهَا، وأستشفي بفيض دموعي وَرفع عقيرتي بتردادها”.
ولم ينس الجريري فضل تلك القصيدة المسلية فحاول جمع رواياتها المختلفة وفاء لتلك البنية وذكرياتها الأثيرة يقول: ” ولإعجابي بهَا رَأَيْت إتباعها بِذكر مَا حضرني من الْأَخْبَار الَّتِي تضمنتها أنسا مني بإعادتها، وَلَم أَدخل بعض الْآتِيَة بهَا فِي بعض إِذْ كَانَتْ قَدْ وقعتْ إليّ من جهاتٍ شَتّى وطرق مُخْتَلفَة”، فانظر إلى هذا الاحتفاء الباذخ والوفاء الأبوي الجميل بتخليد البنات الصالحات باستقصاء أدبي نادر.
وفي تلك الروايات بهارات بديعة من بهارات الأصمعي التي يؤثل بها مشاهداته الغريبة ورواياته العجيبة، منها قوله في الرواية الثالثة عن إِبْرَاهِيم بْن عُمَر، قَالَ: “سَمِعْتُ الأَصْمَعِيّ أَنَّهُ أَتَى الْمَقَابِر ذَات يومٍ فَإِذا جاريةٌ كَادَت أَن تختفي بَيْنَ قبرين قِلة ودمامة، وَهِي تبْكي بقلب موجع، وكلامٍ حزينٍ، وَلَفظ كَأَنَّهُ خرزاتٌ نُظِمْن تحدَّرْن، وَقَدْ أدخلت رَأسهَا فِي لوح الْقَبْر، وَهِي تَقُولُ”، فارجع إلى القصيدة في الصفحات 309-311. في ’الجليس الصالح’ أصلح الله الجميع ومتعهم بأحبتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق