الأربعاء، 9 أغسطس 2023

عمران خان وراشد الغنوشي.. غباء الانتقام!

عمران خان وراشد الغنوشي.. غباء الانتقام!

يوم السبت الماضي 5 أغسطس/آب 2023، اعتقلت الشرطة الباكستانية رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب إنصاف عمران خان، تنفيذًا لحكم قضائي بحبسه 3 سنوات بتهمة بيع هدايا بطريقة غير مشروعة خلال فترة حكمه (نفاها عمران خان ومحاموه)، وتضمّن الحكم أيضًا غرامة مالية كبيرة، كما تضمّن حرمانه من العمل السياسي لمدة خمس سنوات، وهو ما يعني أنه سيُحرَم من المنافسة في الانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وفي 17 إبريل/نيسان الماضي، اعتقلت الشرطة التونسية زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان السابق راشد الغنوشي، لتصدر إحدى المحاكم لاحقًا حكمًا بحبسه مدة عام، بينما بدا أنه انتقام سياسي من الرجل الثمانيني، الذي واجه انقلاب الرئيس قيس سعيّد بحزم، ولم تمنعه شيخوخته أو أمراضه من مواصلة هذه المقاومة رغم التهديدات المتتالية له من السلطة.

نتحدث إذَن عن قائدين ديمقراطيين، يدفعان ثمن مواقفهما ضد الإرث والاستبداد السياسي، أولهما رئيس وزراء، وثانيهما رئيس برلمان منتخب، وكلاهما كان ثمرة مباشرة أو غير مباشرة لموجة الربيع العربي. وقبل أن تصيبك الدهشة لأن عمران خان هو حاكم باكستاني وليس عربيًّا، لك أن تعرف أن حزبه (الإنصاف) برز منافسًا أساسيًّا للحزبين الباكستانيين التاريخيين (الرابطة الإسلامية والشعب) في خضم الربيع العربي ومتأثرًا به، فرغم أنه أُسّس عام 1996 فإنه ظل حزبًا هامشيًّا لم يتمكن لفترة طويلة من إيصال نواب إلى البرلمان بمن في ذلك رئيسه خان، لكنه عقب الربيع العربي كسر احتكار الحزبين الكبيرين للسلطة، وشكّل الحكومة من 2018-2022.

من خارج الصندوق

كان عمران خان حاكمًا من خارج الصندوق، فقد جاء بالأساس من خلفية رياضية كونه أشهر لاعب كريكت باكستاني قاد فريق بلاده لنيل بطولات عالمية كبرى، ولم يكن الرجل محل رضا المؤسسة العسكرية التي ثبتت لنفسها دورًا في الإدارة السياسية من الخلف سعى عمران لتقليصه، كما دخل في صدامات مع السياسة الأمريكية في المنطقة خصوصًا في أفغانستان، واتهمته وسائل إعلام غربية بتعاطفه مع حركة طالبان بل مع مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، ويُعرف عن خان أنه شديد التأثر بالشاعر والفيلسوف محمد إقبال والمفكر الإيراني علي شريعتي، وقد خرج عمران خان من السلطة في إبريل 2022 إثر صدام مع البرلمان، لكنه ظل رقمًا صعبًا، ونجح في تسيير مظاهرات حاشدة لأنصاره في مناسبات عدة منها محاولات سابقة لاعتقاله.

محاكمة القادة السياسيين في باكستان ليست جديدة، وليست مقتصرة على خان، فقد سبقه إلى ذلك زعماء أكثر شهرة منه مثل نواز شريف وبي نظير بوتو، وبرويز مشرف الذي حكمت المحكمة غيابيًّا بإعدامه لكنه توفي في منفاه في دبي في فبراير/شباط الماضي، وحتى الحكم الذي صدر ضد عمران خان لا يزال حكمًا أوليًّا، وقد تقدّم حزبه ومحاموه بطعن فيه أمام المحكمة العليا التي لم تصدر بعد حكمها، لكن عمران خان الذي يواجه عشرات القضايا الأخرى يعتقد أنها جزء من حملة يقودها الجيش الباكستاني لمنعه من العودة إلى الحكم.

انتقام سياسي واضح

وفي تونس، فإن سلسلة المحاكمات التي تجري حاليًّا للقادة السياسيين هي انتقام سياسي واضح من كل الذين ناهضوا انقلاب قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز2021، الذي ألغى الدستور ووضع دستورًا جديدًا، وحلَّ الحكومة والبرلمان، لينفرد بالحكم وحده، ورغم أن موجة المحاكمات الحالية شملت الكثيرين من تيارات سياسية متنوعة فإن المحاكمة الأبرز فيها هي التي تخص الشيخ راشد الغنوشي، رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة النهضة أكبر الأحزاب السياسية التونسية، والمفكر الذي ذاع صيته في كل مكان، وانتشرت أفكاره ومؤلفاته في مشارق الأرض ومغاربها، فهو أحد المفكرين الإسلاميين الذين أسهموا في تغذية الصحوة الإسلامية وترشيدها، وفي تقديم اجتهادات سياسية عصرية نقلت تلك الصحوة من مجال الدعوة والعمل الخيري إلى مجال السياسة والحكم، ويُحسَب له أنه نجح مع حزبه وحلفائه في الحفاظ على بقاء الحكم الديمقراطي الذي أنتجته الثورة التونسية لمدة عشر سنوات، رغم كل محاولات الثورة المضادة وملياراتها للمسارعة بالإجهاز على ثورة الياسمين، ودفنها لتكون نهاية الحلم العربي كما كانت مبتداه.

قضى الغنوشي في محبسه حتى الآن أكثر من 100 يوم، لكنه لا يعبأ بالسجن ولا السجان، فقد خبر السجون والمنافي من قبل، وكما كان من قبل، فها هو اليوم يقدّم نموذجًا حيًّا للتضحية والصمود، مستلهمًا كلمات ابن تيمية “ما يصنع أعدائي بي؟ جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أين ذهبت فهي معي لا تفارقني، حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة”.

 حركة تضامن واسعة

حركة التضامن مع الغنوشي تزداد يومًا بعد يوم، وتشمل حكومات وهيئات وشخصيات دولية، وفي هذا الإطار وقّعت 800 شخصية عربية وإسلامية من 60 دولة أخيرًا عريضة عبَّرت فيها عن تضامنها معه، وطالبت بإطلاق سراحه وسراح جميع السجناء السياسيين في تونس دون قيد أو شرط.

اعتقال عمران خان والغنوشي هو غباء سياسي، لن يزيدهما إلا صلابة، ولن يؤثر سلبًا في شعبية حزبيهما بل العكس هو الصحيح، فالشعبان الباكستاني والتونسي يدركان أن محاكمتهما هي محاكمة سياسية بوازع الانتقام، ومحاولة لحرمانهما من العودة إلى العمل السياسي مجددًا، لكن سنن الله غلّابة، وإرادة الشعوب منتصرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق