اللجوء إلى الله
ما طرق الباب أحد وعاد خائبا، هكذا علمتني المحنة، يقول صديقي ناصحا: كلما ضاقت بعض جوانب الحياة “الزم الاستغفار” فألزمه كثيرا، أتوجه إليه بقلب أظنه نقيا طيبا، وأتذكر قول الله تعالى {إلاَّ مَنْ أتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء: 89) فلا يردني أبدا خالي الوفاض، وأستزيد بقوله {حَتَّى إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جاءَهُمْ نَصْرُنَا} (يوسف: 110)
لا أظن أننا نصل إلى مرتبة الأنبياء والرسل والصحابة والآل والتابعين، بل أزعم أننا نقصّر ونقصّر كثيرا، ولا نملك شيئا إلا التعلق بباب برحمته وغفرانه، بل ظني أنه ما طرق بابه حتى عاصٍ إلا وأكرمه.
تضيق بنا الحياة ونعدَم الوسيلة للنجاة، فيفتح لنا الله في لحظة التعلق برحمته ومغفرته وعفوه أبوابا ما ظننا أنها تُفتح أبدا، لم أكد أعد نفسي للكتابة حتى رأيت هذه الجملة لمولانا جلال الدين الرومي، بعدها آمنت أنني أمسك بأطراف مقالي الذي أكتبه بروح طامعة في عفو ربي وكرمه والفرج، يقول الرومي في تلك الجملة التي رأيتها الآن “عندما يتراكم عليك كل شيء وتصل إلى نقطة لا تتحمل بعدها أي شيء، احذر أن تستسلم، ففي تلك النقطة سيتم تغيير قدرك إلى الأبد”.
الصلاة التامة
ظهيرة يوم الجمعة، كانت قد ضاقت بعض سبل الحياة، وصارت الأشياء إلى درجة من الصعوبة الشديدة، وقفت عقب الصلاة أسبّح وأكبّر، وأكثرت من الاستغفار والتكبير والتسبيح، بينما أنا كذلك تحدثت إلى صديق لي أشار إلى أنني أكثر من الصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أجبته أنني أردد الصلاة على النبي يوم الجمعة بقدر ما أستطيع، فقال “الصلاة التامة يا علي”، وأوضح أنها الصلاة التي نختم بها صلواتنا الخمس “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم” إلى آخر التشهد، وجلست ناظرا إلى السماء أردد الصلاة التامة، وما كادت ساعات الظهيرة تمضي حتى جاء كرم الله وفضله على عبده الذي ناجاه بالتسبيح والتكبير، والصلاة التامة على سيدنا محمد، صحت قائلا “إلا من أتي الله بقلب سليم”.
في جوف الليالي المظلمة يأتي إلينا وقت السَّحَر، عدت إلى صديقي متسائلا عن هذا الوقت، فقال “إنه قبل أذان الفجر ويُستحب فيه الإكثار من التسبيح والتكبير والاستغفار”، تعودت على ذلك في كل يوم ما دمت مستيقظا، الأجمل في ذلك أنني تعودتها نائما، فأشعر بنفسي في عمق ساعات النوم أردد الشهادة والصلاة على النبي، والتكبير والتسبيح، وأستيقظ حامدا شاكرا، ولا مرة نمت فيها وأنا أتوجه إلى باب رحمة الله وغفرانه إلا قمت من نومي مجبورا فيما سألت فيه، فبت أؤمن أن ما من أحد لجأ إلا وجُبر.
سورة يس
نلجأ إلى أبواب الرحمة مقصّرين خاطئين، ربما عصاة، نرتكب الذنوب ونطمع في المغفرة، فيردنا الله سبحانه وتعالى من باب اللجوء مستورين بكرمه وعفوه. يقول صديقي الذي خرج من محنة السجن “عندما تسألني ما أجمل فترة في حياتي؟ سأقول لك السجن -الله لا يعيده- لماذا؟ لم أترك فرضا إلا صليته في وقته، ولم يمر يوم إلا وقرأت على الأقل جزءا من القرآن بالإضافة إلى سورة يس. يس كانت مقررة عليَّ يوميا، وأكرمني الله بها”.
أقول له إنه اللجوء إلى الله في ساعات المحن، وفي كل محنة منحة، ولعلنا جميعا نمر بها لكي نعبر إلى منحة جديدة، يقول الرومي “إننا جميعا ننظر إلى داخل كهف مظلم فلا نرى شيئا، بينما يوجد منا من يدير ظهره فيرى النور في الخارج”، هكذا يكون الطريق إلى المنحة، فقط أستدير إلى النور بعيدا عن الجميع.
يعود صديقي الخارج من محنة السجن ولا تزال مؤثرة فيه رغم مرور عامين “والله كنت قاعد أفكر كيف سأقضي إجازة عيد الفطر أربعة أيام والزنزانة مغلقة، كنت أخرج نصف ساعة يوميا، أفكر وأقرأ سورة يس، وفي الآية قبل الأخيرة، وعندما وصلت إلى {إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، وهنا رفعت يديَّ متضرعا إلى الله، داعيا إياه وأنا على يقين بالاجابة: اللهم أخرجني من السجن الآن، والله لم تمر ساعات إلا وجاءت البشارة، وخرجت بفضل الله وعيَّدت مع الأسرة”.
لن تستطيع معي صبرا
يقول الأئمة: إن يس لما قُرأت له، والكهف مفتاح الفرج، لكنني أؤمن أن كل ما تقرأ من آيات الكتاب هي سبيل السكينة، فما ضاقت لحظة إلا وفتحت القرآن، فكانت سكينة الروح والقلب، فقدر الله دائما خير، وأظل أردد {قالَ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (الكهف: 67) نحن لا ندري الحكمة في القدر الإلهي، فما نظنه شرا ظاهرا قد يكون باطنه الرحمة والخير، هكذا قد يكون ظاهره الخير.
ألم يكن في رحلة سيدنا موسي عليه السلام مع سيدنا الخضر درس في الظاهر والباطن في قدر الله؟ ألم يقل الإمام أحمد بن حنبل “والله لولا المحن، لشككت في الطريق، إن الله لا يبتليك بشيء إلا كان خيرا لك” ذلك عندما سئل: ألم تصدك المحن عن الطريق؟
الآن في جوف الليل، وبينما تأتيني ساعة السَّحَر، إليك يا ربي ألجأ، وكلي طمع في كرمك وعفوك وسترك. يا رب بحق هذا الفجر الذي ينبت في ملكوت سمائك وكونك، بحق رحمتك وعفوك وغفرانك، بحق قدرتك وجلالك، يا الله طامعا جئت إلى بابك أرجو سترك، وأنا الذي أقصّر كثيرا، يا ربنا اشمل أمتك وعبادك بعفوك ومغفرتك، يا رب أدرك أننا لسنا كما تريد، فيا رب أنت الحليم الرحيم الحميد المجيد، فامنن علينا بالكرم والجود والطريق، يا رب أنر لنا الطريق إلى طاعتك ورحمتك”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق