الثلاثاء، 15 أبريل 2025

قراءة في توازنات «النار والمال» بعد مفاوضات مسقط

قراءة في توازنات «النار والمال» بعد مفاوضات مسقط

إيران وأمريكا.. بين منطق الصفقة وشهوة الحرب



أدهم أبو سلمية
باحث فلسطيني

شهدت سلطنة عُمان، في 12 أبريل 2025م، أول جولة من المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، مثّلت الجولة، التي جرت بوساطة وزير خارجية عُمان بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، محطة اختبار لقدرة الدبلوماسية على كبح التصعيد العسكري الذي بلغ ذروته مع نشر قاذفات «B‑2» في قاعدة دييغو غارسيا وتلويح ترمب بـ«قصف لم تشهده إيران من قبل».

السؤال الذي يفرض نفسه: ما إذا كان الضغط العسكري مجرد وسيلة لانتزاع «صفقة أفضل» من طهران، أم مقدّمة لصدام واسع يعصف بأمن الخليج وأسواق الطاقة؟

أولًا: منطق الصفقات:

في واشنطن، يواصل ترمب، بوصفه رجل أعمال قبل أن يكون سياسيًا، الرهان على صفقة نووية - اقتصادية تُعيد الأرصدة الإيرانية المجمَّدة وتقيّد التخصيب عند 3%، غير أنّ البيت الأبيض يواجه مقصلة داخلية مزدوجة؛ معارضة ديمقراطية تشترط عدم تمرير أي اتفاق إلا من خلال الكونغرس، وتشدد جمهوري عبّر عنه 49 سيناتورًا محافظًا يطالبون بآلية تصديق مُلزِمة لأي اتفاق جديد، يضاف إلى ذلك ضغط اللوبي «الإسرائيلي»، الذي كوفئ في يناير 2025م بالإفراج عن قنابل خارقة للتحصينات لصالح «تل أبيب» كإشارة طمأنة.

ثانيًا: الاقتصاد يكره الحرب:

أعلنت الإمارات، عقب لقاء وفدها بترمب، في 21 مارس الماضي، التزامًا استثماريًا قياسيًا قدره 1.4 تريليون دولار على مدى 10 أعوام داخل الاقتصاد الأمريكي، وفي يناير الماضي، طلب ترمب من الرياض ضخ ما يصل إلى تريليون دولار خلال 4 سنوات، وهو طلب يجري التفاوض حوله حاليًا في إطار حزمة أولية قيمتها 600 مليار دولار.

هذه التدفقات تجعل كلفة الحرب على الولايات المتحدة والخليج باهظة، خصوصًا بعد هبوط خام برنت إلى 64.7 دولارًا للبرميل، في 12 أبريل الجاري، عقب إعلان مفاوضات مسقط، ولا تُخفي دول الخليج تحديداً خشيتها من التصعيد العسكري في المنطقة؛ لما لذلك من انعكاسات سلبية على الاقتصاد، وممرات التجارة الدولية؛ وهو ما دفعها لرفع «الفيتو» عبر بيان رسمي إماراتي سعودي أعلنت خلاله أنها لن تسمح للولايات المتحدة باستخدام القواعد الأمريكية في أراضيها في أي تصعيد مع إيران.

ثالثًا: البراغماتية الإيرانية تحت وطأة الإنهاك:

تُقدَّر خسائر الاقتصاد الإيراني منذ إعادة فرض العقوبات في عام 2018م بأكثر من 200 مليار دولار، بينما ارتفع معدل التضخم إلى 47%، وفي ظل انكماش التمويل الموجّه لحلفاء طهران في لبنان واليمن والعراق، تبحث القيادة الإيرانية عن رفع مرحلي للعقوبات النفطية مقابل قيود فنية على التخصيب، مع تأكيد غير قابل للتفاوض على برنامج الصواريخ.

هذا الموقف يحظى بدعم تكتيكي من بكين وموسكو اللتين تشددان على ضرورة «رفع العقوبات الأحادية» قبل أي اتفاق شامل، هذا الواقع الاقتصادي المنهك في إيران يجعل خياراتها أكثر مرونة، خاصة أنها تتوافق ضمنياً مع الولايات المتحدة في كون «الفيتو» يكمن حصراً على امتلاك طهران القنبلة النووية وهو ما تنفي الأخيرة سعيها إليه.

رابعًا: حسابات الخليج بين الحياد والحذر:

بحسب تسريبات دبلوماسية نُشرت في أكتوبر 2024م، حذّرت السعودية والإمارات واشنطن من استخدام قواعدهما أو مجالهما الجوي لضرب إيران، خشية ردّ صاروخي يهدد منشآتهما النفطية والمدن الاقتصادية الجديدة، كما يدرك صناع القرار الخليجي أنّ أي إغلاق لمضيق هرمز سيشلّ صادراتهم البالغة 17 مليون برميل/يوم، ويعرقل خطط التنويع المرتبطة باستثماراتهم الضخمة في الولايات المتحدة.

خامسًا: الصين ورهانات «الحزام والطريق»:

لا تبدو بكين بعيدة عن المشهد الملتهب في الشرق الأوسط رغم محدودية دورها، فالخليج يوفر نحو 40% من واردات الصين النفطية؛ وحدها السعودية صدّرت إلى بكين 78.6 مليون طن في عام 2024م (1.57 مليون برميل/يوم)، ولذلك ترى بكين أنّ انفجار الخليج يهدد أمن الطاقة وممرات مشروع «الحزام والطريق» عبر بحر العرب والمحيط الهندي، وفي ضوء تصاعد حرب الجمارك بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه من غير المستبعد أن تجد نفسها مضطرة لا مختارة للانخراط بشكل أوسع لحماية مصالحها الاقتصادية في حال دخلت المنطقة في حالة صراع تدعو باستمرار إلى تهدئته وتطرح مبادرات وساطة.

سادسًا: روسيا وإستراتيجية «الربح من التصعيد»:

أظهرت بيانات وزارة المالية الروسية أنّ إيرادات النفط والغاز ارتفعت 41% في النصف الأول من عام 2024م لتبلغ 5.7 تريليونات روبل، وهو ما يتيح للكرملين تمويل حربه في أوكرانيا بلا ضغوط داخلية كبيرة، لذلك يستفيد الاقتصاد الروسي من كل توتر يرفع الأسعار فوق 80 دولارًا.

كما يرى الكرملين أن حرباً في المنطقة من شأنه إشغال واستنزاف الإدارة الأمريكية ومنحها حرية أوسع في أوكرانيا، كما أن من شأنها إفشال دعوات ترمب لدول الخليج لزيادة الإنتاج من أجل خفض الأسعار بما يسمح له ممارسة ضغوط أكبر على روسيا لتليين مواقفها؛ ما يفسر دعوات موسكو الضمنية إلى «حل تفاوضي طويل» يُبقي السوق على حافة الخطر.

سابعًا: الكيان الصهيوني بين محفز الحرب ومأزق الرد:

منذ السابع من أكتوبر ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو يتحدث عن أهمية وضرورة تغيير شكل الشرق الأوسط، هذه الدعوات يرى نتنياهو أنها باتت ممكنة في ضوء الضربات التي تلقاها حلفاء إيران في المنطقة وخاصة «حزب الله» اللبناني، وخروج الحرس الثوري من سورية؛ لذلك ترى «تل أبيب» أن ما تبقى من مهام أمامها نحو هذا التغيير هو تدمير برنامج إيران النووي الذي تراه تهديدًا وجوديًا، لكنها تفضّل مواجهة أمريكية - إيرانية تُبقيها في الظل، غير أنّ أي ضربة قد تستجلب وابلًا من 150 ألف صاروخ، وفق تقديرات «IISS» لعام 2024م؛ ما يجعل «إسرائيل» تضغط من أجل اتفاق يُبقي التخصيب الإيراني تحت سقف منخفض ويعالج ملف الصواريخ الباليستية كمرحلة حالية.

بناء على ما تقدم، يبدو بأن المنطقة قد تشهد 4 سيناريوهات محتملة في ظل التصعيد المتزايد:

الأول: يتمثل في صفقة مرحلية تُتيح لإيران تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 3% مقابل الإفراج عن 15 - 20 مليار دولار من أصولها المجمدة، مع توسيع صلاحيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

أما السيناريو الثاني: فيقوم على تجميد غير معلن، تُبقي فيه العقوبات قائمة مع تفاهمات ميدانية محدودة لتجنب الاحتكاك البحري.

وفي حال فشل المسارين، قد تتجه الأمور إلى مواجهة بحرية محدودة في مضيق هرمز، تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط فوق 90 دولارًا للبرميل، قبل العودة مجددًا إلى المسار الدبلوماسي.

السيناريو الأخطر، فيتمثل في اندلاع حرب شاملة، قد تفتح المنطقة على تحولات جذرية تتجاوز قدرة الفواعل الإقليمية والدولية على التنبؤ بمآلاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

في النهاية، تكشف معادلة «النار والمال» أنّ الحرب الشاملة خيار خاسر لجميع الأطراف باستثناء موسكو التي تجني أرباحًا من ارتفاع الأسعار، فيما تبدو الصفقة النووية - الاقتصادية الخيار المفضّل لواشنطن وطهران والخليج، وإنْ اصطدمت بتعقيدات الكونغرس واللوبيات الداخلية، يبقى مسار مسقط اختبارًا حاسمًا لقدرة الدبلوماسية على كبح شهوة الحرب وتثبيت منطق الصفقة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق