الاثنين، 26 مايو 2025

آلاء النجار وشهداؤنا التسعة في رواية ترامب

 آلاء النجار وشهداؤنا التسعة في رواية ترامب

وائل قنديل

يستطيع دونالد ترامب، كذّاب البيت الأبيض الجديد، أن يروي فاجعة استشهاد الأطفال التسعة أبناء الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار بوصفها دليلاً على وحشية المقاومة الفلسطينية، إذ يمكن له، بالقياس على فضيحة تلفيق المشاهد المصورة التي استخدمها في الكمين المنصوب لرئيس جنوب أفريقيا، أن يدّعي أن صور جثامين الأطفال الشهداء تعود إلى هجوم 7 أكتوبر (2023)، وأن الذي ارتكب الجريمة فلسطينيون ضد أطفال صهاينة. ... 

ظلّ سابقه العجوز في رئاسة أميركا، جو بايدن، محتفظًا بلقب "جو الكذّاب"، كما أسمته الميديا الأميركية والعالمية، شهوراً عديدة بعد العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزّة، لكن بايدن كان كذاباً بالوكالة، أو قل كان ناقلاً أميناً لأكاذيب بنيامين نتانياهو، وموزعّاً منتجات آلة الكذب الصهيونية، عن اغتصاب الأسيرات وقطع رؤوس الأطفال، وغيرها من أكاذيب سقطت كلها تباعاً، وبان للعالم كيف جرت عملية تلفيقها وتزويرها، لكن دونالد ترامب أبى إلا أن يتفوّق عليه في الكذب، ويعتمد على نفسه في التلفيق والترويج، حتى سقط في الفخّ الذي نصبه لاصطياد رئيس جنوب أفريقيا، فوقع هو فيه، وفضحته وسائل الإعلام العالمية، حيث أظهرت كل من وكالة رويترز وBBC البريطانية حجم التزييف والتزوير المتعمّد في أدلّة الاتهام التي تصوّر معها ترامب قدرته على إحراج الزائر وإحراقه وابتزازه، حتى تتراجع دولته عن مقاضاة الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية.

في كشفها فضيحة الصور المفبركة في البيت الأبيض، قالت "رويترز" إن الرئيس الأميركي عرض، خلال لقائه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، صورة ادّعى أنها توثّق دفن مزارعين بيض قُتلوا في جنوب أفريقيا، غير أن وكالة الأنباء الدولية المرموقة كشفت أن الصورة لا تمتُّ بصلةٍ لجنوب أفريقيا، بل التُقطت في الكونغو الديمقراطية. وأوضحت أن الصورة التي استخدمها ترامب مأخوذةٌ من فيديو نشرته وكالة رويترز في ديسمبر/ كانون الثاني 2022، ويُظهر جنازة جماعية في مدينة غوما شرقي الكونغو لضحايا سقطوا في اشتباكاتٍ بين الجيش ومتمرّدي حركة إم 23، ولا علاقة لها بالمزارعين أو بجنوب أفريقيا. 

أما هيئة البث البريطانية (BBC) فقد ضبطت مقطعاً عرضه ترامب في المكتب البيضاوي، وتضمّن مشاهد لصفوف من الصلبان البيضاء تمتد على جانب طريق ريفي، قائلاً: "هذه مواقع دفن هنا، إنها مدافن، أكثر من ألف مزارع أبيض". بيد أن تلك الصلبان لا تدلّ على قبور حقيقية، فالفيديو يعود إلى احتجاجاتٍ نُظّمت تنديداً بمقتل زوجين من المزارعين بيض البشرة، غلين وفيدا رافيرتي، كانا قد قُتلا رمياً بالرصاص في مزرعتهما، بعد تعرّضهما لكمين عام 2020. وتداول مستخدمون المقطع عبر منصّة يوتيوب في 6 سبتمبر/ أيلول، أي في اليوم التالي للاحتجاجات. 

وقال روب هوتسون، أحد منظّمي الفعالية، ل"بي بي سي" إن الموقع لم يكن مقبرة، بل كان نُصباً تذكارياً، مضيفاً أن الصلبان وُضعت نصباً تذكاريّاً مؤقتاً تكريماً للزوجين.

بالطبع، لم يكن دونالد ترامب ذلك الإنسان الحنون مرهف الحسّ المتألم مما ادّعاه من جرائم إبادة جماعية بحقّ الأفارقة البيض، إذ فعل ما فعل مع رئيس جنوب أفريقيا، وغرضه الأول والأخير محاصرة الضيف رئيس الدولة التي أخذت على عاتقها ملاحقة الكيان الصهيوني في المحافل الدولية. ولو كانت المذبحة الصهيونية بحقّ الشهداء التسعة أطفال الطبيبة المناضلة آلاء النجار قد ارتكبت قبل كمين جنوب أفريقيا بوقتٍ كاف، لاستخدمها "تنظيم حماة إسرائيل في البيت الأبيض" دليلاً مزوّراً على إبادة جماعية للأطفال البيض في جنوب أفريقيا. ...

والحال كذلك، لم يكن ما فعلته "رويترز" و"بي بي سي" سوى إضافة مزيد من الوقائع الكاشفة لفساد الخطاب السياسي والإعلامي الصادريْن من بيت الكذب الأبيض، منذ دخله دونالد ترامب بتفوّق كاسح على منافسته كامالا هاريس التي أسقطها كونها نائبة جو بايدن، وشريكته في تبنّي رواية إسرائيل ما يجري في غزّة، وروايتها لما يجب أن يكون عليه الشرق الأوسط..

امتدّ اكتساح ترامب وإدارته ليشمل التفوّق في القدرة على الكذب، داخليّاً وخارجيّاً، كما تفعل هذه الإدارة في استخدام التلفيق والتزوير سلاحاً في الحرب على طلاب الجامعات الأميركية الذين تظاهروا رافعين أعلام فلسطين تنديداً بجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ولا تزال، ثم تمدّد الكذب خارجيّاً وسيلًةً لحلب أكثر من خمسة تريليونات دولار في زيارته المنطقة، والتي استبقها بترويج كميات هائلة من التفاؤل الكاذب باقتراب الوصول إلى إنهاء عذابات الشعب الفلسطيني وإجبار الاحتلال الصهيوني على التوقف عن مجازر الإبادة الجماعية، غير أن الزيارة بدأت وانتهت بمضاعفة مستويات الإجرام الإسرائيلي المحمي بمظلّةٍ أميركيةٍ تسوّغ لإسرائيل كل ما تنفّذه من جرائم ومذابح يومية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق