الخميس، 17 أكتوبر 2013

أزمة المنتخب أم المجتمع؟



أزمة المنتخب أم المجتمع؟

فهمي هويدي

طوال الأسبوع الماضي ظلت مصر تشحن وتعبأ لصالح ذلك اليوم. ولم تقصر وسائل الإعلام عندنا في إحاطتنا علما بتفاصيل من كان جاهزا من الفريق ومن توعك ومن ينتظر تقرير الطبيب، ومن ترشح ومن استبعد.
حتى إذا حل موعد السفر فإننا تابعنا الرحلة وشاع القلق بين البعض حين علموا أن الفندق الذي سينزلون فيه لم يكن مريحاً بما يكفي.
 حتى إذا اقترب موعد المباراة فإن جريدة «الأهرام» اعتبرتها أحد أهم حدثين في الكرة الأرضية، فكان العنوان الرئيسي الأول لعدد الإثنين 14/10 أن أمريكا مهددة بالإفلاس، وقد نشر باللون الأسود. أما العنوان الرئيسي الثاني فقد كان عن احتفال مصر بالعيد وتطلعها إلى مجد كروي جديد- ولأنه الحدث الأهم إعلاميا فقد جرى إبرازه على ثمانية أعمدة وباللون الأحمر.

لم يكن ذلك موقف الأهرام وحدها، ولكن بقية الصحف شاركت في التعبئة بنفس الدرجة من الحماس. فمنها من اعتبر المباراة لحظة انطلاق الفراعنة نحو المجد، ومنها من اعتبر الفوز هو «العيدية» التي سيتلقاها المصريون هذا العام، ومنهم من ادعى أن ألسنة الحجاج المصريين ظلت تلهج بالدعاء على عرفات راجية من الله سبحانه وتعالى أن يسدد «خطى» اللاعبين المصريين في مباراة كوماسي.
وعبر أحدهم عن استعداده للتضحية مؤقتا بمشاعره المعادية للإخوان فكتب عن أبو تريكة قائلا إنه رغم أنه محسوب عليهم، فيمكن أن نغفر له جريرته إذا أحرزنا الأهداف بقدمه المبروكة. ولم يقصر آخرون في مغازلته (على عيبه!) فوصف في أكثر من تعليق بأنه صانع بهجة المصريين.
ثم كانت الصدمة بالنتيجة التي ليس لدي ما أقوله بخصوصها، لأن ذلك شأن غيري من أهل الاختصاص، وإن كنت قد لاحظت أن أبو تريكة أحرز هدفاً واحداً لا أعرف إن كان سيوفر له بعض الغفران أم لا.

لاحظت أيضاً أن التعليقات التي انهالت على مواقع التواصل الاجتماعي أدخلت السياسة في الموضوع.
فنسب أحدها تصريحا للمتحدث العسكري قال فيه إن الأهداف ليست سوى مؤامرة من شبكة الجزيرة صاحبة الحق في بث المباراة، وتعددت تعليقات- ومزايدة- مؤيدي النظام ومعارضيه قرأنا لمن قال إن الشماتة دليل على انفصال الجماعة عن الوطن، الأمر الذي وجدته دالا على المدى الذي اختزل فيه الوطن بحيث أصبح المنتخب القومي رمزا له.
 وهو ما أشعرني بالذنب في لحظة، لأنني لم أكن مهتماً بالموضوع من الأساس، الأمر الذي يرشحني بمقتضى ذلك المعيار للخروج ومعي ملايين المصريين من أمثالي من إطار الجماعة الوطنية.

ما دعاني للنظر إلى الموضوع هو الإسراف في التعامل معه إلى الحد الذي وضع الهزيمة في غانا على قدم المساواة مع نكسة يونيو عام 1967.
وأرجو أن تكون قد لاحظت أن اعتراضي الأساسي منصب ليس على الاهتمام بالموضوع لكن ذلك الإسراف في الاهتمام به.
 وإذ أفهم أن كرة القدم أصبحت شيئا مهما في حياة المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وأن المهووسين بها موجودون في الدول المتقدمة والنامية على السواء، لكنني أفرق بين أن تكون أحد الأشياء المهمة في المجتمع، وبين أن تصبح اهتمامه الوحيد. وأزعم في هذا الصدد أن توازن المجتمع بل وتقدمه أيضاً يقاس بمقدار ما يحققه من إنجاز في العديد من المجالات ومنها كرة القدم بطبيعة الحال.

إن ما يشعرني بالإحباط وخيبة الأمل أن يصدم المجتمع المصري جراء الهزيمة القاسية التي لقيها المنتخب القومي في غانا،
في حين لا تهتز شعرة في بر مصر ولا يعبر أحد عن الأسف والحزن حين يعلن تقرير التنافسية العالمية (لعام 2013-2014) مثلا أن مصر تحتل المرتبة الأخيرة في جودة التعليم الأساسي.
وحين يسجل التقرير السنوي الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي شهادة محزنة تسجل معدلات التخلف والتراجع التي تعاني منها مصر في الوقت الراهن، في مجالات الكفاءة والاقتصاد.
ولا تسأل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بطبيعة الحال.

أتصور أن المسؤولين في مصر سوف يعلنون الطوارئ بعد عودة المنتخب من غانا لمحاولة إنقاذ مستقبل «الفراعنة» في رحلة المونديال.
وأستحي أن أدعو بالمناسبة إلى توسيع نطاق المناقشات المفترضة بحيث يضم إلى جانب ملف كرة القدم بقية ملفات التراجع والانتكاسات الحقيقية الأخرى، لا لكي نحلها وإن تمنيت ذلك، ولكن لكي ننتبه إلى أنها موجودة، ربما فكر أحد في حلها في وقت لاحق.
بالمناسبة هل يمكن أن يفسر لي أحدهم لماذا لا نتذكر الفراعنة إلا في كرة القدم فقط؟ وهل نكون فراعنة إذا انتصرنا، وإذا انتكسنا نصبح مصريين فقط؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق