رحل مرسي.. وبقيت وجوه عليها غبرة!
شريف عبد الغني
في روايته «الانسان في السماء» أحداث مثيرة عن شخصية عبد المتجلي بطل الرواية، الذي أثارضجة كبيرة بعد موته .
بهذه الرواية الرائعة التي كتبها إحسان عبد القدوس قبل عقود، كأنه كان يعلم بما ستشهده مصر في 2013، و2014 وكيف أن المصريين المسالمين الطيبين، حينما تأتيهم الفرصة لتعويض ما تعرضوا له من ظلم وقهر طوال 30 سنة في عصر مبارك، وبعد ثورة كبرى مهدت لهم الطريق للحصول على حقهم كاملا، فإذا بهم مثل «عبدالمتجلي» بدلا من أن يتمسكوا بـ»ديك رومي»، فإنهم طلبوا «طبق فول ورغيفين»!!
هذا ما أفضت إليه «سهرة 30 سونيا المباركة»، التي نزل فيها بعض الطيبين، من أمثال «عبدالمتجلي»، حالمين بتحسين أوضاعهم الأمنية والاجتماعية، فإذا بهم تحت الأقدام الآن، وشربوا أكبر مقلب في حياتهم.
إن القواعد الحقيقية لنظام مبارك ركبت مطالب معيشية مشروعة لـ »عبدالمتجلي».. استغلت سذاجته وركبت مصر كلها عبر طيبته، وأصبح ما كان يحلم به سرابا، وصار مجرد الحصول على «لقمة العيش» مهمة لو تعلمون عسيرة.
بعد رحيل المخلوع، ظلت قواعد نظامه باقية ولم يمسسها أحد. آلاف مؤلفة من المسؤولين بين محافظين ورؤساء جامعات وقيادات صحافية وإعلامية ورؤساء شركات ومصانع، فضلا عن أعضاء الحزب الوطني وأعضاء المجالس المحلية بطول مصر وعرضها ومئات القيادات الكبرى التي تفرغت لتشكيل مجموعات نشر الفوضى في الشارع. كل هؤلاء تآمروا على الثورة، وعملوا طوال السنة التي تولى فيها محمد مرسي السلطة على تأكيد مقولة كبيرهم الذي علمهم الفساد، بأن البديل له هو الفوضى.
عناصر الثورة المضادة لم يكونوا وحيدين، فهناك إسرائيل التي ظلت تدافع عن حسني مبارك إلى اللحظة الأخيرة، والصحافة الإسرائيلية لم تدارِ قلقها من تغيير ديمقراطي ملموس في مصر.
أما الموقف الحقيقي للإدارة الأميركية فقد كشف عنه المفكر الأميركي الكبير ناعوم تشومسكي، الذي كتب في جريدة «الجارديان» وقت حكم المجلس العسكري مؤكداً أن الولايات المتحدة تساند الديكتاتورية في القاهرة، خوفا من استقلال مصر وتحررها من التبعية الأميركية. وأضاف أن واشنطن ستبذل كل جهودها، حتى تتأكد من أن الرئيس القادم لمصر لن يخرج عن الطريق المرسوم له.
إذن خرج «مرسي» عن الدور المرسوم له.. فكانت النهاية. أتذكر والرجل يخاطب كبار العرب في القمة العربية التي حضرها بالدوحة أواخر 2012، بأنه يسعى وبدأ بالفعل العمل على أن تنتج مصر غذاءها ودواءها وسلاحها، أن أصفرت وجوه واسودّت وجوه.
إنها والعياذ بالله وجوه عليها غبرة. طوال عمرهم لا يريدون الخير لمصر، يخافون من مصر القوية القادرة، يريدونها ذليلة.. مرتعشة.. منكسرة.. منحنية.. تمد أياديها إليهم مثلما كان يفعل مبارك. يعملون على تعويض عقد النقص بداخلهم، للأسف نجحوا في ذلك، بعدما نزل «عبدالمتجلي» إلى الشارع ليأتي بأسوأ خلق الله.. جاء بمن لا يعرف مبدأ ولا كرامة، ولا دين ولا إنسانية.. بمن لا يدرك قيمة مصر وتاريخها، واختصرها في تاريخ فيفي عبده.
لكن قطر وعلى لسان كبار مسؤوليها في القمة، عبرت عن سعادتها بتقدم مصر، وأكدت أن أي نجاح تحرزه هو نجاح لكل العرب، وإضافة مهمة لرصيدهم، بل زادت أن دعم مصر واجب على كل عربي، حتى تستعيد عافيتها وتقود الأمة.
«عبدالمتجلي» يحمل وزر ما وصلت إليه مصر.. لم يطلب المسكين البائس «ديك رومي»، ولكن اكتفى بـ»طبق فول ورغيفين». والنتيجة أن الفول أصبح من الرفاهيات في المحروسة المنكوبة، بينما الرغيفان مطلوب من «عبدالمتجلي» أن يتبرع بثمنهما «عشان خاطر ماسر».
هتدفع يا «عبدالمتجلي» يعني هتدفع!!
shrief.abdelghany@gmail.com
Twitter: @shrief_ghany
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق