العمى السياسى حين يتجلى
فهمي هويدي
لذلك فأسهل شىء يرددونه الآن أن الصواريخ التى أطلقت من غزة بلا نتيجة، وأن المقاومة لو أنها هتفت للمبادرة وانصاعت لها لما سالت الدماء الغزيرة ولما وقع المحظور.
يمهد هؤلاء لكلامهم بالحديث عن انها معركة حماس وحدها، والادعاء بأن رفض المبادرة المصرية مدفوع بموقف الإخوان من السلطة القائمة وصراعهم معها (البعض فى مصر ذكر أن الرفض تم بتعليمات من تركيا وقطر).
الأدهى والأمر أن أحد الجهابذة ذهب إلى أبعد وذكر فى جريدة الأهرام ان الصواريخ التى اطلقت من غزة صوب إسرائيل هدفها الأساسى إسقاط السلطة فى مصر (!!)
لا يريد هؤلاء أن يخرجوا من مربع الصراع بين السلطة والإخوان. ولا يريدون أن يروا فى حماس سوى انها امتداد للجماعة.مع ان الحدث من أوله إلى آخره لا علاقة له بهذه الخلفية.
فحماس فى صدارة المشهد بوصفها فصيلا مقاوما انتخبته الجماهير يوما ما بصفتها تلك وليس بصفتها الإخوانية. ثم إن حماس لم تكن وحيدة فى المعركة الراهنة ولكن حركة الجهاد الإسلامى كانت إلى جوارها فى الصدارة منذ اللحظات الأولى، والعمليات التى قامت بها سرايا القدس الذراع العسكرية للجهاد لا تقل فى أهميتها وبسالتها عن تلك التى قام بها المنتسبون إلى كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس.
وإلى جانب هؤلاء وهؤلاء كان هناك مناضلون آخرون من فتح ومن الجبهة الشعبية والديمقراطية.
الشاهد ان الذى قاوم فى غزة هو الشعب الفلسطينى وليس حماس وحدها، وتسليط الضوء على حماس دون غيرها خطأ مشكوك فى براءته، لأن المراد به تشويه المقاومة وتحميلها بالصورة النمطية السلبية عن حماس التى تشكلت فى الإدراك المصرى لأسباب مفهومة؟
إن الكلام عن ان الصواريخ التى أطلقت من غزة كانت بلا نتيجة هى من تجليات تشويه الوعى الذى أشاع درجة ملحوظة من العمى السياسى، حجبت عن البعض مختلف الأصداء التى حدثت فى الداخل الفلسطينى وفى الساحتين العربية والدولية.
فالصواريخ التى يتحدث بعض هؤلاء عنها باستخفاف ولا يرون منها جدوى أعادت الروح إلى الشارع الفلسطينى وأثبتت ان جذوة المقاومة لم تنطفئ، وقدرتها على مقارعة إسرائيل وتحدى جبروتها لم تندثر.
ثم انها نقلت رسالة الرعب إلى إسرائيل حين وصلت إلى مشارف تل أبيب وشلت الحركة فى مطار بن جوريون لمدة ثلاثة أيام. ودفعت بملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ.
وكنت قد أشرت فى هذا المكان (يوم 3/8) إلى ما كتبه المعلقون الإسرائيليون عن ارتدادات تلك الصواريخ فى الداخل، وكيف انها فتحت الباب لإثارة العديد من الأسئلة حول أوجه القصور فى أداء الحكومة وتوقعاتها، الأمر الذى يمهد للتحقيق فى الموضوع حين تجئ لحظة الحقيقة.
وهذا الذى رآه المعلقون فى معاريف وهاآرتس ويديعوت أحرونوت والقناة الثانية الإسرائيلية، عجز عن رؤيته الذين أعربوا عن أسفهم وشماتتهم لأن المقاومة أطلقت صواريخها دون أثر أو جدوى.
وكما أنهم عجزوا عن رؤية ما أحدثته الصواريخ فى إسرائيل. فإنهم أغمضوا أعينهم عن فشل المخابرات الإسرائيلية فى إدراك مدى قوة المقاومة وتطور تسليحها فى غزة. وفشلها فى اكتشاف الانفاق المدهشة التى حفرها الفلسطينيون على عمق تجاوز 20 مترا تحت الأرض للوصول إلى الداخل الإسرائيلى.
وهو الاكتشاف الذى أحدث رعبا فى أوساط المستوطنين الذين هجر بعضهم مستوطناتهم خشية تعرضهم للهجوم من جانب المقاومة من خلال الانفاق بعدما تخوفوا من ان تلاحقهم من حيث لا يحتسبون.
لم يسمعوا بحملة المقاطعة لإسرائيل التى أعلنتها جهات عدة فى أنحاء العالم. ولا قرأوا أخبار دول أمريكا اللاتينية التى سحبت سفراءها من إسرائيل أو تلك التى اعتبرتها دولة راعية للإرهاب. بل إنهم لم يسمعوا بأخبار التوافق الفلسطينى الذى حدث حول كيفية تجاوز الأزمة، كما لم يسمعوا بالمتغيرات الاستراتيجية التى شهدتها تحالفات المنطقة وفى ظلها تكشفت أمور جرى سترها طويلا، الأمر الذى شجع إسرائيل على الحديث عن «شرعية عربية» توفرت لها لأول مرة فى تاريخها وساندتها فيما ذهب إليه.
حين يقال بعد كل ذلك ان صواريخ المقاومة بلا نتيجة، فإننا نصبح بإزاء جرأة على التغليط والتدليس تلبست أولئك الذين استسلموا للعمى السياسى، فانفضح أمرهم بأكثر مما أصابوا هدفهم فى الاستخفاف بالمقاومة والتهوين من شأن جهودها. يكفى أن نجد أن بعض كتابات المعلقين الإسرائيليين كانت أكثر موضوعية ونزاهة من كتاباتهم.
<<اعتذار:
أخطأت خلال اليومين الماضيين حين ذكرت ان الأستاذ راجى الصورانى مدير المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان فى الضفة، والصحيح أن المركز فى غزة وليس فى الضفة.
كما قلت إن خبير الشئون الفلسطينية ومندوب جريدة السفير فى القطاع هو الأستاذ حلمى سالم، والصحيح أنه حلمى موسى. لذا لزم التنويه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق