الخميس، 10 أغسطس 2023

لبنان العصر الحجري في الأرخبيل العربي

 لبنان العصر الحجري في الأرخبيل العربي

وائل قنديل

لا يكفي أن تذرف دمعةً على لبنان وتقول إن النخبة السياسية فاسدة ومستهترة ومسؤولة عن انهيار هذا البلد الجميل، ثم تمضي إلى حال سبيلك، مكتفيًا بمطالعة تصريحات وزير الدفاع الصهيوني التي يتوعّد فيها اللبنانيين بإعادتهم إلى العصر الحجري.

لك أن تقول ما شئت عن طبقة الإقطاع الطائفي ومليشياتها وحواضنها الخارجية، وأن تلعن بكلّ الألفاظ الممكنة عبث المحاصصات وفساد التحالفات والتوازنات وتهريج أهل السلطات، لكن ذلك كله لا يصلُح مبرّرًا لحالة السكوت العربي على وقاحة وزير الاحتلال، إذ يستعرض عضلاته وسفالاته ضد بلد عربي شقيق، كان دائمًا منارة ومبعث فخر لكلّ مواطن عربي.

لم يعبأ أحدٌ في النظام الرسمي العربي بهذا التهديد بمحو لبنان من الخريطة وإعادته إلى الزمن الحجري، لا بيان من جامعة الدول العربية يندّد ويشجب، ويعلن تضامنًا لن يتحقّق مع لبنان، ولا رد فعل من أي عاصمة عربية من الخليج إلى المحيط ترفض من خلاله الاستفراد بشقيق عربي أو تُبدي أي بادرة غضب أو تملّمل، أو حتى تعامل لبنان معاملة أوكرانيا وهي تواجه الغزو الروسي.

صحيح أنّ الوزير الإسرائيلي يخصّ في تهديده حزب الله ومن ورائه إيران، إلا أنّ المؤكّد أنّ الإهانة هنا تشمل لبنان كلّه، ومن المفترض أنها تجرح كرامة كلّ مواطن عربي حقيقي، كما أنها تمسّ بالنظام العربي كله، إلا إذا كانوا يعتبرون أنّ لبنان في قارّة مجهولة، ويتحدّث لغة أخرى، وله حضارة مختلفة عن العربية.

تخيّل مثلًا أنّ هذا الوعيد الإسرائيلي الوقح كان موجّهًا إلى دولة عربية أخرى من دول النفوذ والثروة، هل كان في وسع أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أن يصمت ولا يدعو إلى اجتماع طارئ لبحث البلطجة الإسرائيلية؟ هل كان الموضوع سيمر من دون عشرات البيانات الحادّة وشديدة اللهجة التي تدين هذه العربدة؟.

تخيّل نفسك مكان مواطن لبناني يسمع المسؤول الأول في المنظومة العسكرية للاحتلال يعلن أنهم سيُخرجون لبنان من التاريخ والجغرافيا، كيف سيكون شعورُك وأنت تتلفّت حولك فلا تجد ردّ فعلٍ عربيًا يمكن أن يجعل العدو يدرك أنّ لبنان ليس وحده، وأنّ الاعتداء عليه بمثابة عدوان على كلّ عاصمة عربية؟. 

ما يُقال عن لبنان يمكن أن ينسحب على المأساة السودانية التي تغذّيها أطرافٌ عربية وتدفع بالبلاد إلى ما يشبه حالة لبنان في سبعينات القرن الماضي، وكأنّ هناك من يشعر بالارتياح لتحويل السودان إلى واحدةٍ من الأزمات طويلة المدى، التي يتحوّل معها إلى ساحة صراع سياسي بين لاعبين من خارجه، يُدار بالمواجهة العسكرية بين فريقين تابعين للخارج، يواصلون حربًا مجنونة دفعت الشعب إلى الهجرة.

في بداية تفجّر صراع الجنرالين في الخرطوم، كتبت إنّ كلّ معطيات المشهد السوداني تقول إنّ العالم لو أراد فرض وقف دائم لإطلاق النار في السودان لفعل، غير أنّ ذلك لا يحدُث، ليس لغياب القدرة، بل لغياب الرغبة في انتشال السودان من الغرق في قاع التفكّك، أو قل لحضور الرغبة في صناعة جغرافيا جديدة في المنطقة، كما جرى في نهايات القرن الماضي، حيث انفصل جنوب السودان عن شماله رسميًا. 

 يكاد شهر رابع على اندلاع الحرب الأهلية في السودان ينتهي، وليس في الأفق ما يشير إلى حلولٍ إقليمية أو دولية، وكأنّ هناك توافقًا شريرًا على صناعة قضيةٍ سودانية، من ذلك النوع الذي لا ينتهي إلا بتغيير الخرائط المستقرّة، اقتتال أهلي ينتج موجات نزوحٍ جماعية، وقضية لاجئين تتاجر بها الدول المضيفة، ودخول في متاهةٍ مظلمةٍ لسنوات نخرج منها وقد تمّ اقتطاع مساحة أخرى من السودان، من ناحية الغرب، لإنشاء دولةٍ مرتبطةٍ بالكيان الصهيوني أكثر من ارتباطها بمحيطها العربي.

الشاهد أنه على بعد على بعد ثمانية عقود من تأسيس جامعة العرب، تبدو الخريطة العربية أقرب إلى أرخبيل سياسي واقتصادي، على الرغم من تلاصق دولها جغرافيًا، على نحو يبدو معه ما يسمّى العمل العربي المشترك نوعًا من الفلكلور السياسي المُجفّف، فلماذا لا يتوّعدنا الوزير الصهيوني بإعادتنا إلى العصر الحجري؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق