السبت، 12 أبريل 2025

معجزة سقوط بشار الأسد بين النسيان وجحود النعمة!

 معجزة سقوط بشار الأسد بين النسيان وجحود النعمة!

بقلم: د. محمود القاعود

النسيان طبعٌ في الإنسان.. يميل به إلى جحود النعم ونكران الفضل.. يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ» (عبس: 17)، ويصف حاله في آيةٍ أخرى: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» (الزمر: 8)، بل ويؤكد رب العالمين:«إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ»(إبراهيم: 34)..
هكذا هو الإنسان.. إذا ما أنعم اللهُ عليه، قد ينسى مصيبته السابقة.. ويُنكر فضل ربه.. ويغفل عن دروس التاريخ وجراحات الماضي الأليم..
وما أعظم المصيبة التي عاشها الشعب السوري تحت نير نظام عائلة الأسد النصيرية القرمطية الباطنية على مدى 54 سنة مِن الظلم والقهر والتعذيب والتقارير الأمنية والمنع مِن السفر وتلفيق التُّهم..
وما أعجب نسيان البعض لهذه الجرائم بعد معجزة سقوط هذا النظام الإجرامي المتوحش!
لم يكن أحد يتخيل أنْ يسقط نظام بشار الأسد.. ذلك الحكم الدموي الذي بدا - لمن غرتهم الحياة الدنيا - كالجبل الراسخ.. يقمع ويقتل ويُعذِّب بلا رحمة.

انظروا إلى معتقلات صيدنايا والمخابرات الجوية والمَزَّة وفرع فلسطين.. شهدت الجدران صرخات الأبرياء.. وتلوثت الأرض بدماء المُعتقَلين.. كانت تلك السجون رمزًا للإرهاب المُنظَّم.. حيث مُورست أبشع أنواع التعذيب: الضرب والتعليق والكهرباء والاغتصاب وخلع الأظافر وتقطيع الأوصال والنشر بالمناشير والسحق بالمكبس.. حتى صار صيدنايا مقبرة الأحياء.. عائلات بأكملها اختفت.. وأمهات بقين ينتظرن أبناءهن دون أمل.. كيف يُمكن لإنسان أنْ ينسى هذا الظلم؟ كيف يمكن أن يمر على هذه الجرائم مرور الكرام؟
لكن العجب كل العجب أنْ يخرج اليوم مَن يتناسى هذا الماضي الدموي البشع.. ويُهوِّن مِن شأن سقوط نظام الأسد.. ينتقدون الشرع ورفاقه.. ويتذمَّرون مِن كل شيء.. وكأنَّ ما حدث لم يكن معجزة إلهية..
ألم يكن سقوط هذا النظام الذي بدا عصيًّا على الزوال نعمة عظيمة؟
ألم يكن إسقاط حكم عائلة الأسد الذي استمر أكثر مِن نصف قرن مِن الإجرام دليلًا على قدرة الله وعظمته وعدله؟ كيف يستطيع إنسان أنْ يُنكر هذا الفضل.. ويستهين بهذا الانتصار.. ويغفل عن الدماء التي رُويت بها أرض سوريا لتصل إلى هذا اليوم؟
نظام الأسد النصيري القرمطي الباطني لم يكن مجرد حكم استبدادي.. بل كان نظامًا بُني على الفساد والرشوة والدعارة وَتَغْيِيبُ الدِّينِ.. وحزب البعث بفكره الفاشي زوّر الحقائق وأفسد المجتمع.. ونشر الخوف.
حافظ الأسد وبشار مِن بعده حكما سوريا بقبضة حديدية شيطانية يقتلان كل صوت يطالب بالحرية.. ويُعذِّبان كل مَن يجرؤ على الحلم بكرامة..
كانوا يصنعون مِن السوريين عبيدًا للسلطة.. يخافون حتى مِن أفكارهم وأحلامهم.. فكيف يُمكن أن ننسى هذا الإرث الأسود؟ كيف يمكن أن نغفل عن شهداء صيدنايا وحماة وتدمر والغوطة الشرقية ومعرة النعمان وداريا والتضامن وعن دموع الأمهات.. وعن أنّات المعتقلين أثناء سحق جماجمهم في المكبس؟
إنَّ تذكّر هذه الجرائم ليس مجرد واجب أخلاقي.. بل هو ضرورة إيمانية وأخلاقية.. يجب ألا ينسى السوريون ولا المسلمون في أنحاء العالم ما عاشه الشعب السوري.. يجب أنْ تبقى صور السجون محفورة في الذاكرة لتكون درسًا للأجيال وعبرة لمن يعتبر.
إنَّ نسيان هذه الجرائم خيانة لله ورسوله ثم للدماء التي سُفكت.. وجحود بنعمة الله الكبير المُتعال التي تجلت في سقوط النظام..
فلنحفظ الذاكرة ولنعمل على بناء سوريا جديدة تكون فيها كلمة الله هي العليا.. وتكون العدالة والكرامة أساس الحياة ولنردد دائمًا: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» (إبراهيم: 42).
في 12 إبريل 2025م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق