الثلاثاء، 8 أبريل 2025

بيني وبينك.. عادت الحرب!

 بيني وبينك.. عادت الحرب!


 د. أيمن العتوم

إنّه الجنونُ الكاملُ الّذي انداحَ في دوائر قد تتّسع بلا نهاية. تدوسُ اليومَ غِيلانُ الحرب الّتي أيقظها (نتنياهو) من جديد كلَّ شيءٍ في غَزّة، تسحق ما تبقّى من رَدْم، تركضُ بأرجلها العملاقة فوقَ مَنْ ظلّ مِنَ الأحياء، تصعدُ الجُثث أعلى من البنايات بقذيفة عمياء ثُمّ تتفتّت وتتبعثر في كلّ اتّجاه، قبل أنْ تجدَ لها أرضًا تستقرّ فوقَها، كلّ رَدْمٍ هو خليطٌ من الحديد والحجارة والأشلاء واللّحم والدّم.
تُحوّل الحرائقُ النّاتجة عن القصف كلَّ شيءٍ إلى رمادٍ دون أنْ تستثنيَ من ذلك الحجارة. إنّه السُّعار الّذي بلغَ منتهاه؟ لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا كلُّ هذا التّوحُّش غير المسبوق؟ أهو الاغترار بالقُوّة والجبروت؟!
أهو الشّعور بأنّه لا يُمكن الانتِصارُ إلاّ بمزيدٍ من الدّمار؟! وهل كان الدّمارُ المِعيار الحقيقيّ للنّصر؟
كم من مَيْنةٍ عبر التّاريخ دُمّرَتْ وتحوّلَتْ إلى رمادٍ، ثُمّ خرجتْ من رمادها قويّة كما تخرج العنقاء.

أم أنّه الإيقان بأنّ النّصر غيرُ مُتحقِّق، وقبلَ أنْ تخرجَ من المعركة عليكَ أنْ تُوقِعَ أكبر عددٍ ممكنٍ من القتلى والضّحايا انتِقامًا وحشيًّا، وحِقدًا أسود؟ 
أمْ أنّ القويّ إذا شَعَر أنّ قُوّته لا تُبلّغه مواطن النّصر، قضَى على كلّ شيء؟ أهو القويّ الّذي رأى أنّه سيُهزَم فسحبَ على هزيمته ثوبًا ليسترها، وما هذا الثّوب إلاّ القنابل والصّواريخ والقذائف والموت، أم أنّها رقصةُ الدّيكِ المذبوح كما قال إبراهيم طوقان:
قالوا: حلاوةُ رُوحِهِ رَقَصَتْ بِهِ
                       فأَجَبْتُهم: ما كُلُّ رَقْصٍ يُطرِبُ
إنّ العدوّ الإسرائيلي يُشبِه هذا الدّيك المذبوح في وجهٍ من الوجوه. 
وماذا يفعل المذبوح قبل أنْ يُسلِمَ الرُّوح؟ يركضُ في كلّ اتّجاه، يدوسُ على كلّ شيءٍ، ويصرخ بأعلى قُوّة، ثُمّ في لحظةٍ غيرِ مُتوقّعة يخِرّ مُنهارًا، ويسقطُ هامِدًا؟ أهكذا هي دولة الاحتِلال؟ في الله الأمل.
غير أنّ الحربَ لا ترحم. والقذائفُ لا تَرى، ونتائِجُها على المدى البعيدِ شُؤم، المدنُ روحُ البشر، ومتّى قُتِلَتْ قُتِلُوا. لا يُشوّه البشر، ولا المبادئ، ولا الحياة، ولا الأمكنة مثل الحرب، فهل مِنْ عاقلٍ ذي قُوّة يُدرِك حجم الكارثة الّتي تحلّ بغزّة، وفي يده ورقةٌ ما يُنقِذ مَنْ تبقّى قبل أنْ ينتهي كلّ شيء. كلّ شيءٍ على الحقيقة، الحرب لا تقتلُ مَنْ تقعُ عليه، بل هِيَ ضرامٌ يُصيبُ الجميع، ونارٌ أوّل ما تَشِبّ تَشِبّ في بيتِ مُضْرِمِها، لا أحدَ بمنأى عن النّار، ولا أحدَ يُمكن أنْ يقول إنّها تلتهبُ في البيت المُجاور لنا، لا بيتَ آمن، وما أصدقَ ما قال زُهيرٌ في هذا:
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
                   وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
                  وَتَضْرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضْرَمِ
AymanOtoom@
otoom72_poet@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق