الثلاثاء، 1 أبريل 2025

العيدُ الصغير.. بأيّ حال عُدنا يوم الجائزة؟

العيدُ الصغير.. بأيّ حال عُدنا يوم الجائزة؟


قد أفضّل ألا أتحدث عن يوم الجائزة في هذا الزمان الموحش، والموغل في القتل والإبادة والتهجير، ولعلي أنصت إلى الأصوات المنادية بترك البهجة والفرح لموسم نهاية شهر الله الفضيل، فما تحمله صور الأخبار من دمار وهتك للأعراض ومعاناة يومية للفلسطينيين، ينسينا حقيقة لذّة الحياة وبهجتها بتفاصيلها وابتذالها.

ولعل ما تحمّلناه في شهر الصبر من صوم وامتناع عن الطعام والشراب، قد علّمنا دروس التضامن والتآخي نحو إخواننا في كل مكان، ممن جمعنا معهم ارتباط الدين والإنسانية، ويحسن بي وبمن يقرأ "عبارات الاعتذار" هذه، أن يعي أنّ عجزنا وتقصيرنا نحو رفع الظلم عن الفلسطينيين وإيقاف حرب الإبادة والتهجير ضدهم، كان بداية يوم صمتت الحناجر وتغافلت القلوب عن نصرة أهل الخيام وشباب الميادين في العواصم العربية، ومع حلول غرّة عيد الفطر المبارك، معلنًا رحيل أعظم الشهور، ننظر لذواتنا هل من تقصير جبرناه، وكم من ضعيف نصرناه، ومتى تغدو الحرب أطلالًا؟

ما يميّز عيد الفطر هذا العام، هو كيف أنّ الأمة باتت صاغرة في نظر أعدائها، وهوانُها لم يكن لولا أنّها تخاذلت عن نصرة قضاياها العادلة، وارتضت الارتماء في حضن الطاغية ومعسكر الحضارة الموحش

بهجة يشوبها الحزن

ثمة أسباب كثيرة تجعل عيدنا تملؤه الفرحة والسرور، ولعل لباسنا الجديد يمنحنا البهجة صباح العيد بعد التكبير والصّلاة، حتى الأطفال الصغار الذين يطوفون على بيوتنا لأخذ النّقود يضفون السّعادة على من استحسن زيارتهم، ولننظر معًا إلى الصورة التي يمكننا أن نعيش بعض تفاصيلها حين تُعلن لجنة الأهلة قدوم العيد، فالكثير منّا منشغل في العشر الأواخر من رمضان بتحقيق العبادة واستغلالها جيدًا، مخافة ألا يدرك الشهر الفضيل العام المقبل، وآخرون استأنسوا بطيب العيش ونهلوا من فضل المولى يذودون بصدقاتهم بعضًا مما قصرت فيه أنفسهم القيام به، إلى جانب اهتمام النّسوة بتحضير حلوى العيد بشتى صنوفها وألوانها.

لن تكون أيّام "العيد الصغير" كتلك التي كنت أرقبها وأنا صغير، ولنقل أنّ نظرتنا ونحن كبارٌ، تختلف بوعي وارتباك نحو الأمور التي يمكن أن تؤثر على احتفالاتنا وبهجتنا، لكن ومع فرحة الأطفال بكسوتهم الجديدة، ما زالت تستوقفهم عيون حزينة ودموع إخوانهم حيث الأرض ترتوي بدمائهم الطاهرة، وقد دعا شيوخنا إلى دفع زكاة الفطر للذين أحصروا في سبيل الله، وتآمرت عليهم قوى الشر بالقتل والجوع.

اعتذارنا عن مظاهر الفرح التي تحمل عناوينها المختلفة، من زيارة الأرحام والطواف على من فقدناهم في القبور، ولبس الجديد من الكسوة، والتلذذ بأطيب الحلوى كالكعك والبقلاوة والمقرود والصابلي، قد تمنح اللحظات الاستثنائية تعبيرًا ملهمًا عن الود والتضامن مع الفلسطينيين، لكن بالكاد يمكننا أن نعطي للعيد معناه الحقيقي، ولأيام الله تعريفها الوظيفي، ففي لحظة تتصافح الوجوه بعد صلاة العيد وأخذ التبريكات والخروج إلى الطرقات تنبري الأسئلة الحرجة عن فرحنا، أنّى لنا أن نهنأ بطيب العيش ومازالت القنابل تتساقط فوق رؤوس المحاصرين والمستضعفين؟ ما الذي يمكننا فعله بعد الدعاء لهم، ونحن نستقبل عيدًا، نبدو فيه صغارًا أمام تضحيات الفلسطيني وصموده؟

ما يميّز عيد الفطر هذا العام، هو كيف أنّ الأمة باتت صاغرة في نظر أعدائها، وهوانُها لم يكن لولا أنّها تخاذلت عن نصرة قضاياها العادلة، وارتضت الارتماء في حضن الطاغية ومعسكر الحضارة الموحش، فما معنى أن نكون جزءًا من هذه الأمة التي تترامى أطرافها بين المشرقين، ونحن نخوض كل دروب الحياة في سبيل الكسب والعيش، وهي عاجزة عن إظهار سعادتها برفع الركام وإدخال المساعدات وفتح المعابر، أليست هذه السّعاة أولى من تلك التي يلخّصها ثوبها البالي، وشهوتها العابرة، ولحظتها الباهتة؟

إذ تعيدنا صلاة العيد في ساحة المدينة، حيث تخرج النّساء والأطفال والشيوخ، إلى المعنى الحقيقي للبهجة المتعلق بقيم التعايش والتضامن الإنساني، فالعيد استمرار في الحياة بشكل استثنائي لأيام معدودات، يمنحنا بهجة بكل ما هو إنساني.

حين زعم ويتكوف أنّ المقاومة تهتم بالموت والدمار، وأنّها تتخذ من الفلسطينيين دروعًا بشرية، فقد استشهد ببعض الأقوال التي تحوم في سماء أمتنا، فما الذي يقصده بالحياة، ونحن على مشارف العيد إيذانًا بالسّلام والبهجة؟

حين نهتم بالحياة

في العيد تتأتى مظاهر الحياة بشتى أنواعها، من اللباس الجديد والطعام المسفوف والحلوى التقليدية، إذ تغدو المظاهر الفردية والاجتماعية أكثر الأشياء تمسكًا بمعنى السّعادة والحياة، وما من عتب على من يحيلنا إلى الزيارات العائلية والإفراط في تناول الحلوى وتبادل السّمر والحديث والضحك مع الأحباب، كونها سلوكات تبعث على تلخيص معنى السّعادة في الحياة اليومية لنا، ولكن العيد لم يمنح للسّعادة وصفها المادي لولا اختزالات هشّة تحصرها في مظاهر عابرة، وطلبنا لشيء من الرفاهية ترفع عن أطفالنا وذواتنا الإحساس بالخيبة ونحن ننظر إلى العالم كيف يمعن في التجويع والتشريد والقتل والتهجير.

حين زعم ويتكوف أنّ المقاومة تهتم بالموت والدمار، وأنّها تتخذ من الفلسطينيين دروعًا بشرية، فقد استشهد ببعض الأقوال التي تحوم في سماء أمتنا، فما الذي يقصده بالحياة، ونحن على مشارف العيد إيذانًا بالسّلام والبهجة؟

شخص ما لا يستطيع أن يقتني كسوة ليست للعيد، بل أكفانًا ليغطي شهداءه الذين ارتقوا بسبب غارات الاحتلال، ونساء لا يملكن الوقت الكافي للجلوس على أفران تصنعن الكعك وتتسامرن حول تزيينه، فهنّ بين ثكلى أو أرملة يتقاطر الحزن منها ليسقي مستقبلًا محمّلًا بالانتقام.

حتى الأطفال لم يعودوا يبتسمون أو يلعبون، لقد كبروا في الحرب عن أعمارهم الحقيقية التي ترافقهم نحو المدارس، وما بين يتيم ومعاق وشهيد يكتب العيد عنوانًا للحياة هنالك، حيث السّعادة تبحث لهم عن بهجة إدخال المساعدات وفتح المعابر، وقبل كل ذلك إسكات أصوات مدافع الحرب، أليست كافية للتعبير عن إنسانيتنا، أم أنّ الحياة هي إذعان للغاصب الموغل في القتل والتشريد؟

إذا كنّا نحن الذين لن نحتفي بكسوة جديدة ولا طعام وافر، لا نعتذر عن خذلاننا وتقصيرنا تجاه المأساة الإنسانية للفلسطينيين، فإننا بالكاد نعذر من يزال يعتقد أنّ من حقّه أن يلوم رجالًا يقاومون من أجل استعادة الحياة، لا رفاهية مزعومة يقتات منها تاريخ تكتبه الأكاذيب والخيانة، تلك القلّة على نهج ويتكوف ألفت الحياة كونها عيشًا حيوانيًا، غير قادرة على رؤية حقيقة الموت الذي يطارد الملايين العزّل في الضفة الغربية، فما يهمّها ليست الحلول النّهائية لوقف الحرب واستعادة الفلسطيني السّلام والحياة، بل الوقوف صفًا واحدًا مع عدو اختصر تاريخ الحضارة في القتل ونكث العهود.

إنّ أقل شيء نملكه اعتذارنا للذين يرابطون في أرض كتب عليها أن تقارع أعتى الحضارات وحشية، وهذا العيد على قدره العظيم يحلّ على الأمة وهي صاغرة بعجزها الفاضح وخذلانها لإخوانها المحاصرين، فأنّى لها أن تضحك وتفرح وبحار من الدماء تُراق، فما نصنعه من بهجة العيد طمعًا في قبول الأعمال، نأمله فرجًا للضعفاء في أرض الرباط، وفرحة تعمّ الأحباب، وسلامًا يعمر القلوب، ونصرًا يقرّه علّام الغيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق