الأربعاء، 2 أبريل 2025

بيني وبينك.. رُحماك يا ربّ

 بيني وبينك.. رُحماك يا ربّ



كيفَ يُمكن أنْ يكون العيدُ في غزّة؟ يُصلّون على الرّكام، ويسجدون على الحُطام، وينظرون إلى الهَدْم، ويقفون على الرَّدْم، ويرفعون أكفًّا قد رفعتْ أمسِ شهيدًا، ويمسحون على وجوهٍ قد أغاضَ الوجع بهاءَها، وصدورٍ قد ملأتِ الدّماءُ ثيابَها، وقد مرّ على الحرب الّتي سحقتْ كلّ شيءٍ عامٌ ونصف عام، لم يلتقطوا فيها أنفاسَهم، ولا شَبِعوا من خُبزٍ، وأينَ الخُبز؟ ولا ارتَوَوا من ماء، وأين الماء؟ ولا مسحوا دُموع الفَقد، وأينَ الدُّموع؟

في صبيحة العيد يُكفّن الآباء أطفالَهم بدلَ أنْ يُلبِسوهم الثّياب الجديدة، أكانَ بَياضُ الكفنِ قدرًا محتومًا على أهلِ غزّة؟! إنّهم يسيرون بأطفالهم إلى المقابر بدلًا من أنْ يسيروا بهم إلى المُصلَّيات، ويزورون بهم الدّيار المُقفرة بدلًا من البيوت العامرة، ويُودِعونهم في الحُفر والطّوامِي بدل أنْ يرفعوهم على الرّؤوس ويُلاعبونهم ويُلاطِفونهم.

غيرَ أنّ الله يَرى، وهو أرأفُ بهم منّا، وأرحمُ بضعيفهم من أرحمنا، ولا بُدّ أنْ يجبر كَسرَهم، وهذا ظَنُّهم بالله وظَنُّنا، وأنْ يُقيل عثرتهم، وأنْ يرفَع البلاء عنهم، وأنْ يمسحَ على جِراحهم فتعود بلسمًا، وتُزهر من طيبٍ، وتُثمر من رِضًا.

إنّ حالَ أهل غزّة دَرْسٌ، وعِظةٌ وعِبرة، وآيةٌ كُبرَى، يقفُ خطيبهم صبيحة العيد في العراء تُحيطُ به البنايات المُهدّمة من كلّ جهة، ويفترشُ المُصلّون التّراب، ولا يجدون حتّى سِجّادة صغيرة تحول بين جِباههم والرَّغام حينَ يسجدون، وتسمعُ خطيبهم يهتف: رغم الجِراح سنفرح، رغم الشّهداء سنستمرّ، رغم الخُطوب وصُروف الزّمان سنُكبّر، ورَغم أنفِ أعدائِنا سنعيش، إنّنا نُحبّ الحياة لله، الحياة الّتي يكونُ كلّ شيءٍ فيها له، الجِدّ واللّهو، الشُّغل والفراغ، الصِحّة والسَّقَم.

تقتلُ إسرائيل أكثر من مئة شهيدٍ في غزّة كلّ يومٍ منذُ أكثر من عشرة أيّام، بعدَ أنْ كانتْ قد توصّلتْ مع المقاومة إلى اتّفاق تهدئة قبل شهرين ونصف الشّهر، إنّ أهل غزّة يرون أنّ الهروب لا يكون إلاّ إلى الأمام، وأنّه إذا لم يكن من الموت بُدّ كما قال المتنبّي، فلا موتَ إلاّ موتَ الشُّجعان، موتَ الإقبال لا الإدبار.

إنّ شَجاعةَ أهل غَزّة نموذجٌ عزيز، وإنّه يقفُ في الصّفوف الأولى من شجاعة الشّعوب عبر التّاريخ، ولكنّهم إلى ذلك بشر، لهم حاجاتهم وآمالُهم وآلامُهم وتطلُّعاتهم، ولهم غَدُهم الّذي ينتظرونه كما تنتظره الشُّعوب الحُرّة، ولهم شمسُهم الّتي ينتظرون أنْ تُشرِق بعدَ أنْ طال اللّيل وطَمّ وَعَمّ.

فيا ربّ غَزّةَ ارحم أهلَ غَزّةَ، وانظر إليهم بعين عنايتك، فإنّهم والله مكلومون كَلْمًا يسيلُ نزيفُه إلى البحر فيكادُ أنْ يملأه، وإنّهم لا نصير أعزّ منك، ولا ملجأ آمَن من ملجَئِك، ولا ملاذَ أحنّ من ملاذك. فاستجبْ يا مَلِكَ كلّ شيءٍ.

AymanOtoom@

otoom72_poet@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق