الثلاثاء، 15 أبريل 2025

لكِ الله يا غزّة !

 بيني وبينك.. 

لكِ الله يا غزّة !

     د. أيمن العتوم

أيّتها المُتدثّرة بثوب الدّم، المغروسة في تربة الألم، المصبوب عليها طُوفان من النِّقَم، المُرادُ لها الفَناء والعَدم، أيّتها المسكونة بالوجع من رأسِها حتّى أخمصِ قدمَيها، أيّتها الطّاهرة النّقيّة، يا مَنْ تُرِكَ جسدُها مُشرعًا تنهشه أنيابُ الذّئاب، وتلتفّ عليه بطونُ الأراقم والأساود، وتنبحُها العاويات، وتجوسها العادِيات، وتخترمُها النّائِبات، أيّتها المفجوعة المُلتاعة، المثقوبة الفؤاد، المروّعة الجَنان، المُلقاة في وادي الجنون تُغيّبها ظِلال الموتِ السّوداء، أشهدُ أنّنا تركْناكِ وحيدة، وإنّ عُذرنا مهما زّيّنّاه لَكِ أو زيَنّه لنا الشّيطان لَقاصر. وإنّه: واحسرتاه!
أنتِ يوسُف الّذي أُلقِي في الجُبّ من إخوته، وأيّوب الّذي اعتزله النّاس بدعوى أنّ آلام الكون كلّها تنخر جسده، ويعقوب الّذي بَكَى أربعين عامًا على فَقْد الحبيب والنّصير، وآدَم الّذي ذاقَ ثُكْلَ ابْنِه ستّين عامًا، وإنّه قيلَ لآدمَ: أضحكَ الله سِنّك بعدَ عقود الفقد والبُكاء، وإنّه لا أحدَ يقول لكِ مثلَ ما قيلَ له!
إنّه لا جَواب لسُؤال: ما الّذي حدث؟ ما حدَثَ أنّ العائلة كلّها قد أبيدَتْ. 
كيفَ يُمكن أنْ يُجيبَ مَنْ فقدَ كلّ مَنْ يربطه بالحياة على سؤال كهذا: ما الّذي حدَث؟ 
إنّ السّؤال المشروع في غزّة: 
ما الّذي لم يحدث؟ 
ما الفَظاعاتُ الّتي لم تُرتَكب؟ 
ما أشكال الموتِ الّتي لم تُجرَّب؟ 
ما أنواع القَتْل التي لم تُمارَس؟ 
كلّ شيءٍ في غزّة منذورٌ للفناء، أطفالها، نساؤُها، رجالها، كبارها، صِغارُها، شوارِعُها، أبنيتُها، قِططُها، حيواناتُها، ورودُ حدائقها، مِظلاّتُ الّذين كانوا يجلسون ينتظرون حافِلاتها، مواقِعُها، زروعُها، كرومُها، نخلُها، بُرتُقالُها.. كلّ شيءٍ... كلّ شيءٍ مدّتْ إليه ذراع الموت كَفّها العملاقة فخنَقَتْه، حتّى أصوات البلابل، وَضحِكات الأطفال، وبُكاء الضّارعين، كلّ شيءٍ، يعني كلّ شيء!
لَكِ الله يا غزّة، أيّتها الثّكلى الّتي لا عَزاء لها، يا من ابتُلِيت بظلم الأقارب والأباعد، وبِجَوْر الأدنَين والأقصَيْن.. لم يبقَ إلا الله يحمي، وإلا قَدَرُه العادل، وإنّنا لنعلمُ أنّكِ نفضْتِ مِنّا اليدَين، وأدرْت لرجائِك منّا الظَّهْرَين، وصرخْت في الفضاء صرخة مُبتلى يرفع ضراعته إلى الله: يا الله.. يا الله.. يا الله..!
otoom72_poet@yahoo.com
AymanOtoom@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق