الخميس، 1 مايو 2025

أمّة الترند تحت الوصاية الإسرائيلية

 أمّة الترند تحت الوصاية الإسرائيلية

وائل قنديل

من يركّز في تفاصيل المشهد العربي الراهن من المحيط إلى الخليج يجد: مصر غارقة في الترند؛ سورية موحولة في الاشتباكات الطائفية؛ السعودية تبحث عن قاعدة عسكرية أميركية في تيران وصنافير؛ السودان يواصل الانتحار ببسالة؛ لبنان يكافح من أجل إثبات أنه لا يقاوم ولا يشجّع على المقاومة؛ رام الله لا تتهاون في توجيه عدائها إلى غزّة، وتتسوّل موافقة إسرائيل على المشاركة في إخماد حرائقها ولا تجد ردّاً؛ غزّة وحدها تقاوم مرَّتَين، مرّةً ضدّ الاحتلال والأخرى ضدّ ضغوط الكلّ كي تكون مثلهم مطيعةً ومهذّبةً.
وسط غبار كثيف متصاعد من حرائق الترند في مصر، تسجيلات عبد الناصر واغتصابات الأطفال المغطّاة بغلاف طائفي سام، يأتي الكشف عن أسوأ ما يمكن أن يصيب مصر والمنطقة كلّها بالأذى، إذ تتدحرج الأخبار عن قاعدة عسكرية أميركية تعرضها السعودية على واشنطن في تيران وصنافير، الجزيرتين المصريتين اللتين سُلمتا للرياض، في ظلّ غضب شعبي جارف واحتفالات برلمانية ورسمية صاخبة.
لم تتأكّد بعد صحّة هذه الأنباء من عدم صحّتها، إذ لم يصدُر عن الرياض ما يؤكّدها أو ينفيها، وبالطبع لم يصدر عن القاهرة شيء، لأنها تنازلت رسمياً عن الجزيرتَين، ووثّقت ذلك التنازل قضائياً وبرلمانياً قبل خمس سنوات، وإنْ لا تزال عملية التسليم والتسلّم يشوبها الغموض.
تصوّر وجود قاعدة عسكرية أميركية في تيران وصنافير هو أسوأ الكوابيس الاستراتيجية التي يمكن أن تمرّ بمتابع لقصّة الجزيرتَين منذ كانتا سبباً من أسباب العدوان الصهيوني في العام 1967، بالنظر إلى أهميتهما العسكرية لمصر، إلى الحدّ الذي جعل حسني مبارك يتراجع عن السفر إلى السعودية قبل أكثر من 15 عاماً لتدشين ما سمّي الجسر البرّي الرابط بين البلدَين، بعد أن حذّرته الأجهزة العسكرية والأمنية المصرية من أن من شأن إنشاء هذا الجسر أن يقضي على تيران وصنافير، واعتبرت تنفيذ الجسر خطّاً أحمرَ، لأن الجزيرتَين تمثّلان موطئ القدم الوحيد للعسكرية المصرية، في حال نشوب صراع بحري مع إسرائيل.
ما حدث لاحقاً كان كابوساً أشدّ، حيث تنازل الجنرال عبد الفتاح السيسي عن ملكية الجزيرتَين إلى السعودية، حتى جاءت اللحظة التي نواجه فيها احتمال قاعدة عسكرية أميركية بهما، والترجمة الوحيدة لوجود هذه القاعدة في هذه النقطة أنها لحماية الكيان الصهيوني من أي خطرٍ يأتي من البحر الأحمر، الذي سيصبح هنا تحت الوصاية الإسرائيلية.
لو حوّلت بصرك صوب سورية تجد الآتي: إسرائيل تتصرّف على حرّيتها جوّاً وأرضاً، بحيث لا يمرّ أسبوع من دون نزهة صهيونية في عمق سيادة الدولة السورية، التي يتصوّر بعض "الطيبين" أن تعريفها بالدولة الناشئة (تسمية خادعة وكاذبة ومعيبة) مبرّر كافٍ لهذه الحالة من الصمت والعجز والاكتفاء باستجداء ذلك الكائن الشرير المسمّى "المجتمع الدولي" لكي يوقف إسرائيل، التي بلغت بها الوقاحة أنها تعلن وصايتها على طائفة الدروز في سورية، وتتدخّل عسكرياً في الاشتباكات الطائفية التي شهدتها مدينة صحنايا، ثمّ يخرج وزير خارجيتها جدعون ساعر مطالباً هذا المجتمع الدولي بالتدخّل لحماية الطائفة السورية من الدولة السورية. هنا تسلك تلّ أبيب بوصفها صاحبة الوصاية على أحد مكوّنات المجتمع السورية، الذي يستجيب أشخاصٌ منه لهذه الوصاية ويقرّ بها.
في المشهد أيضاً، يتعرّض لبنان لضرباتٍ إسرائيليةٍ، صارت اعتيادية في قلبه وفي أطرافه، جنوبه وشماله، ومع كلّ ضربة لا تسمع من حكّام العهد الجديد سوى مزيدٍ من التأكيدات على أنه لا مكان للمقاومة في هذا الوطن السعيد الذي يزوره الاحتلال مرّة في الأسبوع على الأقلّ، حتى باتت الضربات الجوية طقساً لا يثير غضباً أو دهشةً.
وسط ذلك كلّه، لم يعد لدى العرب الرسميين من أجل غزّة سوى انتظار أن يملّ الاحتلال من روتين المجازر اليومية، ويقرّر أن يعير الوساطة والوسطاء التفاتة، تكون جسراً ناعماً لإنجاز ما تبقّي من جدول أعمال التطبيع الشامل كما يريده دونالد ترامب، فيما دخلت غالبيّة الجماهير حالةً من التطبيع مع مشاهد القتل والإبادة اليومية، تعباً أو يأساً، لتتضاعف قابليّتها للاستجابة إلى غواية الترند التي يجيد اللاعبون إدارتها بمهارة فائقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق