باريس أمام حالة عربية معقّدة
قد يكون للمقيم في فرنسا رأي مختلف عن رأي غيره من المقيمين في الحواضر العربية بشأن الموقف الفرنسي المرتبك من هذه الحالة، خاصة ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية. صحيح أن الموقف الفرنسي ليس موقفا واحدا، فالموقف الرسمي يختلف عن موقف المعارضة، وهو كذلك مختلف عن موقف النخب يمينا ويسارا لكن يبقى لتعبيرات النظام الحاكم والمنصات الإعلامية المرتبطة به الوزن الأكبر في الإخبار عن موقف البلاد من القضايا الخارجية.
فرنسا الرسمية لا تُخفي تحالفها الوثيق مع المشروع الصهيوني سواء عبر التغطية على جرائم الاحتلال أو من خلال الدعم العسكري المباشر أو بقمع الأصوات المناهضة للمذبحة. كما أن المواقف المناهضة للمشروع الصهيوني ليست مواقف داعمة للعرب أو المسلمين بقدر ما تدخل عادة في جدول صراع حزبي أو انتخابي.
هذا الموقف الفرنسي يكاد يتماهى مع أغلب المواقف الغربية والأوروبية (باستثناء الموقف الإيرلندي) وهو، في نظرنا، موقف لا ينبع من داخل القناعة الفرنسية أو الأوروبية بقدر ما ينبع من طبيعة الحالة العربية نفسها. الحالة العربية السياسية والحضارية هي التي أمْلت في الحقيقة شروط المواقف الخارجية من قضايا العرب والمسلمين وكذلك من القضية الفلسطينية.
فباريس مستعمِر سابق كأغلب الدول الغربية وقد احتلت بلاد العرب طوال قرون وصاغت قبل خروجها الهيكل السياسي والحضاري لكل البلدان التي احتلتها وهو المنوال الذي لا يزال ساريا إلى اليوم. لكن رغم عقود من «الاستقلال» خاصة في المستعمرات الفرنسية القديمة فقد فشلت الدولة الوطنية في بناء سيادة حقيقية أو تشكيل موقف سياسي موحّد ولو في حدّه الأدنى. بل إن دولا عربية كثيرة لا تزال تسبح في الفساد والتخلف وغياب المقومات الأساسية للبنية التحتية التي تحقق شروط المواطنة والسلم الاجتماعي.
ليس من الضروري التذكير بالتواطؤ العلني لعدد من الأنظمة العربية مع مشاريع الاحتلال خاصة في فلسطين وسعيها إلى خنق المقاومة وحصارها ومنع دخول المساعدات إليها. وهي مع غيرها أدلة واضحة على تشرذم الحالة الإقليمية وعجزها عن دفع القوى العالمية إلى تبني موقف داعم أو على الأقل محايد من الملفات العربية الحارقة.
إنّ اصطفاف باريس وأوروبا بشكل عام ضد قضايا العرب والمسلمين غير نابع من خيارات ذاتية بقدر ما هو استجابة موضوعية لطبيعة الحالة العربية. لن تعدّل باريس ولا القوى الخارجية من بوصلتها ما دامت هذه الحالة قائمة وهو ما يؤكد مرة أخرى أن المشكل يكمن داخل الدائرة العربية نفسها لا خارجها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق