السبت، 1 يونيو 2013

بشــار وجنيــف 2


بشــار وجنيــف 2
ياسر الزعاترة


القضية التي لا تغادر وسائل الإعلام منذ أسابيع هي تلك المتعلقة بما بات يُعرف بجنيف 2، ذلك المؤتمر الذي يأمل البعض في أن يضع حدا للمأساة السورية التي طالت كثيرا، ولا يكاد يمرُّ يوم إلا ونقرأ أو نسمع جملة من التصريحات المتباينة حول المؤتمر والتفاصيل المتعلقة به.

لا شك أن العنصر الأقوى في تفاصيل المؤتمر هي روسيا التي تبدو في حالة وصاية على النظام، ومعها إيران التي لا يمكنها أن تقول (لا) لما تقرره موسكو في ظل إدراكها لحقيقة أن تخلي الأخيرة عن النظام سيعني انكشافه أمام المشهد الدولي
(يحدث ذلك رغم إدراك إيران لحرص موسكو على أمن الكيان الصهيوني على نحو لا يقل عن حرص واشنطن!!).

ما ينبغي أن يُقال في هذا السياق هو أن أحدا باستثناء تركيا وبعض العرب الداعمين للثورة لا يبدو في عجلة من أمره لإنهاء المأساة، والسبب أن لها جوانبها الإيجابية بالنسبة لكل الفرقاء الدوليين، سواءً كانوا مع النظام، أم كانوا مع الثورة في الظاهر.

بالنسبة لروسيا، فهي تجد في الملف السوري فرصة سانحة لإثبات حضورها في المشهد الدولي، في ظل تراجع واضح لمنسوب القوة الأمريكية ووصايتها على الوضع الدولي، فضلا عن تنفيس العقد التي يعيشها بوتين حيال الظاهرة الإسلامية بسبب تجربته في القوقاز، إلى جانب كرهه المزمن لكل ما يمت إلى الثورات بصلة، هو الذي بات يدير نظاما ظاهره ديمقراطي، وباطنه بوليسي إلى حد كبير.

أما الولايات المتحدة، فهي لا تدير هذا الملف إلا على إيقاع الهواجس الإسرائيلية، فضلا عن أملها في أن يشكل استنزافا لروسيا التي لا يتوقع لها أن تجني الكثير مهما طال أمد الحرب، وعموما يبقى الموقف الإسرائيلي هو الأهم؛ هو الذي يجني أرباحا صافية دون أن يدفع شيئا، حيث يستنزف إيران وحزب الله وتركيا، فيما يستنزف ربيع العرب ويخلق فتنة سنية شيعية، ويضيف إلى ذلك كله إخراج سوريا من معادلة الصراع لعقود بسبب ما عانته، وستعانيه من تدمير؛ وهو لذلك كله مع استمرار المعركة إلى أمد طويل.

لا أحد إذا يستعجل الحل، بما في ذلك المعارضة السورية أيضا، تلك التي ترى في انعقاد مؤتمر جنيف 2 في ظل تقدم النظام النسبي (عسكريا) خلال الأسابيع الماضية، ترى فيه خطرا على الوضع التفاوضي، وهو تقدم يعرف الجميع أنه جاء نتاج تدخل مباشر وقوي من طرف إيران وحزب الله.

في المقابل يأتي النظام إلى جنيف 2 بضغط من روسيا من جهة، وبشعور بالقوة بسبب تقدمه العسكري الأخير، لكنه لا يأتي مرتاحا كما يوحي خطابه، ولا قيمة هنا للهراء الذي وزعه بشار في مقابلته على المنار، حين تحدث كما لو أنه يجلس مرتاحا في قصره، وبوسعه أن يقرر الشروط التي يمليها على الآخرين، الأمر الذي يبدو محاولة لإظهار التماسك أمام البنية الطائفية الصلبة التي تقاتل إلى جانبه.
صحيح أن مسألة خروجه من البلاد كشرط مسبق لم تعد مطروحة بقوة من قبل كثيرين، لكن ذلك لا يعني القبول ببقائه حاكما بأمره، إذ لا أحد يتحدث عن إصلاح تحت سقفه، فذلك زمن قد ولى، ولا يمكن أن يقبل به أي أحد، وإذا اعتقد أن بوسعه في حال استمرار المعركة أن يحسمها في النهاية، فهو يبيع على نفسه وهما لن تقبله لا روسيا، ولا حتى إيران، فحرب الاستنزاف الطويلة معروفة النتائج، فضلا عن أن تؤدي إلى معركة أوسع تشمل العراق ولبنان.

في ضوء هذه المعادلات جميعا تتحرك لعبة عض الأصابع، وإذا كان بشار قد حقق بعض التقدم خلال الأسابيع الماضية، فإن الثورة ليست في مزاج استسلام، وحجم الحشد المذهبي بعد دخول حزب الله المفضوح على الخط سيعني تدفق المزيد من المقاتلين وصولا إلى حرب استنزاف معروفة النتائج حتى لو طالت لسنوات.

هل نتوقع شيئا سريعا من جنيف 2؟ الجواب هو (لا)، والأرجح أن تستمر المداولات بعده على نحو قد يطول، لكن ذلك لا يعني أن ميزان القوى سيبقى على ما هو عليه، إذ يتوقع أن يزداد الدعم للثورة بمرور الوقت في ظل ما ذكرنا حول دعوات التسليح والتطوع التي تجتاح العالم العربي والإسلامي.

والنتيجة أنه من دون انتصار حقيقي للثورة؛ يقصي بشار ومن حوله من القتلة، فإن أحدا لن يكون بوسعه فرض حل مشوّه على الشعب السوري، ولن يعني التعنت الروسي والإيراني غير مزيد من الاستنزاف لهما، بينما لا يملك الآخرون (الثورة وداعموها) ترف الاعتراف بالهزيمة بعد كل الذي جرى مهما طال أمد المعركة وكثرت التضحيات.

لا أحد يملك إجابات شافية بشأن تفاصيل التطورات التالية، السياسية منها والعسكرية، لكن المؤكد أن هذه الحرب لن تنتهي وفق ما تريده إيران وحلفاؤها، ولو امتدت سنوات وسنوات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق