قانون الإرهاب ... غياب القانون
بقلم: زانة الشهري /كاتبة من السعودية
"القانون" أو "الدستور" أو بالمسمى الحكومي الأكثر شيوعاً "النظام" هو نص تنظيمي تتم صياغته بعناية ليكون حد فاصل بين ما يجب أن يكون وما لا يجب أن يكون.
لكن ماذا لو غاب عن هذا النظام ما يجب أن يكون تحت ذريعة ما لا يجب أن يكون!!؟؟ ماذا لو كان هذا النظام خليطا بين الممكن واللا ممكن؟
ماذا يمكن أن نسمي دولة تضع قانونا يقول إجمالا "أن لا قانون"!! دولة تضع قانون يجرمنا جميعا أنّا توجهنا!!ثم يغرقنا بتهم الإرهاب تحت ذريعة المساس بالوحدة الوطنية دون أن يعطي تعريفاً للوحدة الوطنية!!!
ولا أشك ولو لوهلة في أن هذه الوحدة هي وسادة النعيم التي يتكئ عليها عليةُ القوم وسادتهم، فكيف لا نتهم بالإرهاب ونحن نحاول أن نشاطرهم ذات النعيم.
تفاجأنا، أو لعلنا لم نعد نفاجأ، بأنظمة جزائية وأنظمة لجرائم الإرهاب ترسم دائرة في أحد البنود ثم توسعها في بقية البنود لتشمل الجميع!!
تنص المادة الحادية والخمسون من مشروع جرائم الإرهاب وتمويله على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من تعدى علانية على أي من ثوابت الشريعة الإسلامية (أو الثوابت الشرعية للدولة)، إذا كان من شأن ذلك (زعزعة الاستقرار أو أدى إلى جريمة إرهابية).
وتنص مادة أخرى على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات كل من روج -بالقول أو الكتابة بأي طريقة- لجريمة إرهابية، (أو أي موضوع مناوئ للتوجهات السياسية للمملكة)، أو أي (فكرة) تمس (الوحدة الوطنية) أو دعا إلى (الفتنة) و (زعزعة الوحدة الوطنية) بما في ذلك من استغل (نشاط مشروع) لهذا الغرض بأي صورةٍ كانت.
فلا تستغرب أيها المغرد أو أيها الكاتب أن تأتيك جنود الدولة من بين يديك ومن خلفك عندما تعبر عن امتعاضك مما يحدث، فأنت يا عزيزي كابوس مزعج يشغل سارقي المال العام عن مهامهم النبيلة.
دعوهم، أيها الإرهابيون، يسبحون في النعيم، لا تفسدوا هدوء القصور بصخب مطالبكم الحقوقية. كفوا بربكم عن رفع أعناقكم للأعلى واخفضوا رؤوسكم وسبحوا وأكثروا من الاستغفار لتذوقوا نعيم الآخرة فليس لكم في نعيم الدنيا حظٌ ولا نصيب.
يقول تشومسكي في كتابه الدول الفاشلة: كثيراً ما تُدعى العقائد السائدة بـ"المعايير المزدوجة" أو الكيل بمكيالين، وهذا المصطلح مضلل. إنه لمن الأدق وصفها بالمعيار الأوحد الصريح والواضح. الذي سماه آدم سميث "المبدأ الخسيس" [الذي يحكم سلوكيات أسياد البشرية]... كل شي لأنفسنا ولا شي لغيرنا.
لهم السلطة والمال والقرار ويريدون أن يسلبونا الكلمة وهي ما تبقى لنا بعد أن بطشت أيديهم عبثاً بكل شي فتدهورت البنية التحتية وتردت الخدمات العامة، لأن ملّاك (كلَ شي) ما عاد يرضيهم (كلُ شي)!! وحيث إن نسبة من الشعب بدأت ترفض هذا الواقع المرير فقد حلت عليها لعنة الإرهاب، وقد جعلوا لأنفسهم الحق في إلصاقها بمن يشاءون، وصنعوا لأجلها تهماً فضفاضة عندما تتمعن فيها تجد أنها اتسعت للجميع.
يضيف تشومسكي: "من شدة تجذر المعيار الأوحد في الأرض، تجده عصياً على الإدراك. خذوا "الإرهاب"، موضوع العصر البارز، مثلاً، هناك معيار واحد وصريح: إرهابهم ضدنا وضد من يوالينا هو الشر المطلق، بينما إرهابنا ضدهم غير موجود، وفي حال وجوده فهو ملائم تماما".
هذه ليست سطور نسجها خيال المؤلف هي واقع تجسد في المحاكم السعودية، فمن يطالب بالإصلاح يتهم بتعطيل التنمية، ويا للعجب فمن يحاكمه هو من عطل التنمية، ليست من قصص الخيال أن يسرق الشريف ويُترك و"لا" يسرق الضعيف فيتهم!! إنها حكايات ألف معتقل ومعتقل في سجون غابت عنها كما غابت عن ساكنيها ابسط الحقوق.
جعلوا كل صرخة ضد الفساد "تحريضا"، وكل نقد لأي مسئول "تأليبا"، وأي تحرك نحو الحقوق "فتنة"، ثم ادعوا أن الحديث عن ذلك "زعزعة للأمن"، واتهموا من تصدى لشريعة الغاب التي تبنوها "بمخالفة الشريعة"، بل تجاوزوا ذلك إلى قراءة التأويلات الممكنة لشعار قد تضعه أو كلمة قد تكتبها، وهو ما يمكن تسميته الإدانة بالنوايا.
كيف يمكن أن يُسمى هذا نظاماً!! بل كيف يمكن أن يمر مرور الكرام بين أجندات مجلسين يفترض أنهما يحميان حقوق الشعب لا تسلبها؟
والأهم، بالطبع، ما الذي قد يخلفه خنق كل نشاط مدني طبيعي؟!! أي انفجار سينتجه هذا القهر؟!
هل كبت جماح التغيير السلمي علاج ناجح لقمع جموع العاطلين والفقراء والمتطلعين للأفضل..
تساؤلات ستجيب عنها الأيام القادمة التي تسير بنظام وقانون سماوي محكم.
إن غداً لناظره قريبُ، فانتظروا إنا معكم من المنتظرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق