فرقعات سياسية
فهمي هويدي
كشفت مصادر سيادية مسؤولة أن اجتماعا عقد قبل يومين في إحدى القواعد البحرية بألمانيا ضم ممثلين لأجهزة مخابرات دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية ــ بريطانيا ــ ألمانيا ــ تركيا ــ إسرائيل. وهو اللقاء الثاني لهذه المجموعة الذي يتم بعد عزل الدكتور محمد مرسي. وأوضحت المصادر أن الاجتماع الذي رصدته المخابرات المصرية انتهى إلى عدة توصيات تدور حول الادعاء بأن «الفوضى في مصر بلا نهاية».
من تلك التوصيات ما يلي:
دعم تجار السلاح في ليبيا والسودان وغزة ومواصلة تصدير الأسلحة للجماعات التكفيرية في مصر لشن عملياتها ضد قوات الأمن والجيش في سيناء والمحافظات.
أضافت المصادر سابقة الذكر أن ممثلي أجهزة مخابرات الدول الخمس أوصوا أيضا بدعم عدد من الإخوان المقيمين بالخارج لإطلاق أكثر من قناة فضائية تعبر عن الإخوان وقضاياهم كما تتولى تشويه السلطة الحالية.
النص أعلاه منقول من الخبر الرئيسي الذي نشرته جريدة «الوطن» على صدر صفحتها الأولى يوم الجمعة 20 ديسمبر. وفي بقية الخبر تفصيلات أخرى تتعلق بمظاهر الفوضى والتشويه التي تم الاتفاق على إشاعتها داخل مصر وخارجها بين ممثلي مخابرات الدول الخمس.
في اليوم التالي للنشر مباشرة كانت الصحف التركية والعربية تتحدث عن إنذار وجهه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان إلى السفير الأمريكي في أنقرة فرانسيس ريتشاردوني، الذي نقل على لسانه قوله للصحفيين «قريبا ستشهدون نهاية الإمبراطورية»، في غمز غير مباشر للوضع القائم في تركيا حاليا.
وهو ما اعتبر إشارة إلى ضيق الولايات المتحدة بسياسة حكومة أردوغان ــ الذي علق على كلام السفير الأمريكي بقوله:
إذا صح ما نشرته الصحف، فإن ذلك يعد عملا استفزازيا، ولن تتمسك تركيا ببقاء الرجل في أنقرة.
كما ذكرت الصحف أن وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الأمريكي جون كيري، ونقل إليه استياء أنقرة من سعي واشنطن إلى تشويه سمعة حكومة بلاده ومحاولة إسقاطها.
التزامن بين القصتين يغري بالمقارنة. لا أقصد التناقض بين اشتراك الأمريكيين مع الأتراك في التآمر على مصر حسب الرواية الأولى، ثم إسهامهم في التآمر على الحكومة التركية في الرواية الثانية. ورغم أنها مفارقة تستحق الملاحظة إلا أن ما أعنيه شيء آخر أكثر أهمية.
ذلك أن رواية الصحيفة المصرية تحدثت عن مؤامرة ضد النظام القائم اشتركت في نسجها خمس دول أشير إليها بالاسم نقلا عن المصادر السيادية التي ذكر الخبر منها جهاز المخابرات العامة. وحسب الكلام المنشور فإن ذلك لم يكن الاجتماع الأول لممثلي تلك الدول في ألمانيا، لكنه الاجتماع الثاني.
وقد ذكرت التفاصيل المنشورة أن المؤامرة متعددة الأوجه، إذ تحدثت عن سلاح وهجوم إعلامي ومحاكمات دولية وفوضى محلية.
رغم خطورة هذه المعلومات التي سربتها الأجهزة السيادية المصرية، فإننا لم نشهد أي تحرك سياسي على أي مستوى، يعاتب أو ينذر أو حتى يستدعي سفراء تلك الدول ليلفت أنظارهم ويحتج. وفي الوقت الذي طالبت فيه مصر الإنتربول بإلقاء القبض على الدكتور يوسف القرضاوي لمجرد أنه ألقى بعض الخطب التي انتقد فيها النظام المصري، فإن المؤسسة السياسية لم يصدر عنها أي تحرك يذكر للتصدي لمؤامرة الدول الخمس.
عند المقارنة مع الموقف التركي الرافض للغمز الضمني الذي صدر عن السفير الأمريكي (الذي لا يقارن بحجم المؤامرة على مصر التي شارك فيها ممثلو الدول الخمس) نجد أن رئيس وزرائهم هدد بطرد السفير الأمريكي، كما أن وزير الخارجية اتصل هاتفيا بنظيره الأمريكي لكي يعبر عن استياء حكومة بلاده من موقف السفير ريتشاردوني.
في تفسير السكوت المصري على المؤامرة أرجح أن المؤسسة السياسية لم تأخذ الكلام على محمل الجد، وأنها تعاملت معه بحسبانه فرقعة إعلامية تعمدت الأجهزة السيادية إطلاقها لتحقيق أهداف دعائية محلية، لا تختلف في مراميها عن الأهداف التي تتوخاها وحدة إطلاق الشائعات بين الحين والآخر.
أعني أن المؤسسة السياسية تعاملت مع قصة مؤامرة أجهزة مخابرات الدول الخمس باعتبارها من قبيل «كلام الجرايد» الذي يطلق في الصباح وينسخ أو ينسى صبيحة اليوم التالي.
الخبرة وحدها دليلي على ما قلت. ذلك أننا اعتدنا على أن نطالع في الصحف أخبارا عدة عن مؤامرات تحاك وأسلحة تهرب ومخططات إرهابية ترسم، ثم نكتشف بمضي الوقت أنها للاستهلاك المحلي الذي يراد به تحقيق أهداف وتوفير أجواء سياسية في لحظة تاريخية معينة، ويراهن في نشرها دائما على ضعف ذاكرة الناس وأن أحدا لا يحاسب أحدا على ما يقوله.
أحدث ما وقعت عليه في هذا الصدد ما ذكره أحد الأبواق الأمنية عن أن وزير خارجية عربي جاء إلى القاهرة ثم زاره في فندقه اثنان من قيادات الإخوان. وخرجا من عنده محملين بحقائب احتوت على 21 مليون دولار.
ونسبت القصة إلى شهادة خبير أمني مزعوم ذكر أن كاميرات الفندق قامت بتصوير الرجلين حين خرجا بالمبلغ
الأمر الذي يثير لدى أي قارئ متوسط الذكاء السؤال التالي: أما وقد عرف الأمر، لماذا لم يقبض على حاملي هذا المبلغ الكبير، ولماذا لم يسأل الوزير العربي أو تعاقب حكومته على ذلك التصرف؟، لكن لأنه كلام جرايد فإن شيئا من ذلك لم يحدث، وتم الاكتفاء بالأثر الذي تحدثه الفرقعة في أوساط الرأي العام.
وكل فرقعة وأنتم طيبون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق