العساكر المصرية المعصومة
فهمي هويدي
نفي مدير أمن السويس أن خرطوش الشرطة هو الذي أصاب الناشط قاسم محسن في رأسه وأوصله إلى غرفة الإنعاش بين الحياة والموت.
وقال إن الشاب الذي ينتمي إلى حركة 6 أبريل كان قد فقد عينه في مظاهرات عام 2011، حيث اشترك في مظاهرة احتجاجية دعا إليها الإخوان، وحسب مدير الأمن فإن بعضهم كانوا مسلحين، وهؤلاء هم الذين قاموا بإطلاق الرصاص بصورة عشوائية، مما أدى إلى إصابة الناشط وعدد آخر من المواطنين.
شيء مثل ذلك حدث في كلية هندسة القاهرة في آخر شهر نوفمبر الماضي، حين قتل الخرطوش الطالب محمد رضا حين كان يتابع زملاءه المتظاهرين، وأكدت تصريحات الداخلية أن الشرطة لم تطلق الخرطوش، وهو كلام أيدته لاحقا تحقيقات النيابة التي ذكرت أن الرصاص أطلق على الطالب من مكان قريب، وأن مصدره كان بعض شباب الإخوان الذين تلقوا السلاح مخفيا في ثنايا ثياب بعض الطالبات المحجبات، واعتمد الإعلام هذه الرواية التي كذبها بيان رئيس جامعة القاهرة وكذلك بيان أساتذة كلية الهندسة، الذين كانوا قريبين من الحادث وقالوا بصريح العبارة إن الشرطة هي التي أطلقت الرصاص، وهي التي قتلت محمد رضا.
لا أريد أن أقطع باتهام الشرطة بالمسؤولية عما جرى في الحالتين السابقتين، لكنني لا أخفي دهشة من أنه ما من حادثة عنف وقعت إلا وسارعت الشرطة إلى إعلان براءتها من أية دماء سالت فيها، وأصرت على اتهام الآخرين بأنهم هم الذين بادروا بالعنف وبدؤوا بالاعتداء على الشرطة، التي لم يكن أمامها سوى أن تدافع عن نفسها ملتزمة في ذلك بكل الضوابط والقواعد والآداب واجبة المراعاة في هذه الحالة، بدءا من النصح المهذب والعتاب وصولا إلى إطلاق قنابل الصوت والأعيرة النارية في الفضاء، مرورا بشد الأذن والإنذار.
الملاحظ أيضا أنه ما إن تعلن الشرطة موقفها ذاك حتى تسارع تحقيقات النيابة إلى تأييد موقف الداخلية، ويؤكد الطب الشرعي صحة بياناتها، ولأن الشهود جاهزون للقيام بالواجب، وتحريات جهاز الأمن الوطني مضبوطة على البيان المعلن، كما أن الأدلة متوافرة بما يناسب كل قضية، فإن الملف إذا أحيل إلى القضاء والنيابة فإن النتيجة تصبح مضمونة سلفا، بحيث تخرج الشرطة من القضية كما الشعرة من العجين، وربما انتظرت شكرا وتكريما من المجني عليهم لأنهم «تسرعوا» وأشاروا إليها بأصابع الاتهام فظلموها، ولكن القضاء أنصفها وبيض صفحتها.
منذ موقعة الجمل الشهيرة وأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو عام 2011 وصولا إلى فض اعتصامي رابعة وميدان النهضة عام 2013، فإن الشرطة أصرت على أنها لم تقتل أحدا ولا دهست متظاهرا ولا استخدمت قناصين اعتلوا المباني وقتلوا الثوار ولا أطلقت غازا ساما خنق المتظاهرين ولا اقتحمت مستشفى ميدانيا أو أحرقت ما فيه ولا فتحت السجون ولا أطلقت البلطجية على الجموع المحتشدة في الشوارع والميادين، ولا ضربت ولا سحلت ولا داست لأحد من شباب الثورة على طرف.
الملاحظ أيضا أنه ما إن تعلن الشرطة موقفها ذاك حتى تسارع تحقيقات النيابة إلى تأييد موقف الداخلية، ويؤكد الطب الشرعي صحة بياناتها، ولأن الشهود جاهزون للقيام بالواجب، وتحريات جهاز الأمن الوطني مضبوطة على البيان المعلن، كما أن الأدلة متوافرة بما يناسب كل قضية، فإن الملف إذا أحيل إلى القضاء والنيابة فإن النتيجة تصبح مضمونة سلفا، بحيث تخرج الشرطة من القضية كما الشعرة من العجين، وربما انتظرت شكرا وتكريما من المجني عليهم لأنهم «تسرعوا» وأشاروا إليها بأصابع الاتهام فظلموها، ولكن القضاء أنصفها وبيض صفحتها.
منذ موقعة الجمل الشهيرة وأحداث شارع محمد محمود وماسبيرو عام 2011 وصولا إلى فض اعتصامي رابعة وميدان النهضة عام 2013، فإن الشرطة أصرت على أنها لم تقتل أحدا ولا دهست متظاهرا ولا استخدمت قناصين اعتلوا المباني وقتلوا الثوار ولا أطلقت غازا ساما خنق المتظاهرين ولا اقتحمت مستشفى ميدانيا أو أحرقت ما فيه ولا فتحت السجون ولا أطلقت البلطجية على الجموع المحتشدة في الشوارع والميادين، ولا ضربت ولا سحلت ولا داست لأحد من شباب الثورة على طرف.
لكن كل هذه الجرائم ارتكبها غيرهم، ممن وصفوا بالطرف الثالث في مرحلة، ثم كشف النقاب عن الفاعلين أخيرا، الذين قيل لنا إنهم من ميليشيات الإخوان وكوادر حماس وعناصر حزب الله.
وقد قيل لنا أخيرا إن الأرض انشقت عن جحافلهم التي ظهرت في الساحة المصرية وظلوا يعيثون فيها فسادا في غفلة من أجهزة الأمن التي أغمضت أعينها عنهم وهم يزحفون بأسلحتهم الثقيلة لإحداث الفوضى والتخريب على أرض مصر.
إلى غير ذلك من الروايات التي سربتها أجهزة المؤسسة الأمنية واحتفي بها وهلل لها نفر من الإعلاميين المشجعين والمتربصين، الأمر الذي حول البيانات الأمنية إلى حقائق ومرجعيات للمعلقين والباحثين بمختلف طبقاتهم.
كان بوسعنا أن نقبل هذا الكلام ونبلعه لولا أن الذين أخرجوه لم يوفقوا في حبك المشهد وترتيب الأوراق جيدا، ذلك أنه قبل أن ينهال علينا سيل شهادات البراءة التي غسلت أيدي المؤسسة الأمنية من وزر كل دم سال بعد الثورة، شاءت المقادير أن نطالع الصورة من زاوية مختلفة تماما ليس لرجال الأمن دور فيها.
كان بوسعنا أن نقبل هذا الكلام ونبلعه لولا أن الذين أخرجوه لم يوفقوا في حبك المشهد وترتيب الأوراق جيدا، ذلك أنه قبل أن ينهال علينا سيل شهادات البراءة التي غسلت أيدي المؤسسة الأمنية من وزر كل دم سال بعد الثورة، شاءت المقادير أن نطالع الصورة من زاوية مختلفة تماما ليس لرجال الأمن دور فيها.
أعني بذلك تقريري تقصي الحقائق اللذين تم إعدادهما عن فترة الثورة ومرحلة الحكم العسكري، وأشرف على إعدادهما نفر من أكبر وأهم القضاة المصريين، الذين استعانوا بثُلة من الباحثين والمحققين الأكفاء، الذين بذلوا جهدا ضخما في تحري وتحقيق وقائع العنف التي حدثت خلال هاتين الفترتين.
التقرير الأول الخاص بأحداث الثورة أعدته لجنة رأسها المستشار الدكتور عادل قورة الرئيس الأسبق لمحكمة النقض.
والتقرير الثاني الذي غطى فترة حكم المجلس العسكري أعدته لجنة رأسها رئيس الاستئناف الأسبق المستشار محمد عزت شرباص.
وقد سبق أن نبهت أكثر من مرة إلى أهميتهما وضرورة إطلاع الرأي العام على الخلاصات التي تم التوصل إليها.
وأهم تلك الخلاصات في رأيي أن التقريرين أشارا بصراحة وفي مواضع عدة إلى ضلوع الأجهزة الأمنية في كافة حوادث العنف التي وقعت.
ليس ذلك فحسب وإنما لم يشر التقريران إلى أي دور للفئات التي أشارت إليها تقارير المؤسسة الأمنية لاحقا، وأرادت بذلك أن تبرئ ساحتها وتلصق التهمة بغيرها.
هذا الإصرار من جانب الشرطة على تأكيد نظافة أيديها وعدم تورط رجالها في أي عنف وقع في بر مصر، ولو على سبيل الخطأ.
هذا الإصرار من جانب الشرطة على تأكيد نظافة أيديها وعدم تورط رجالها في أي عنف وقع في بر مصر، ولو على سبيل الخطأ.
يرسم لها صورة نقية ومتطهرة، ويحولها إلى جهاز كامل الأوصاف محصن ضد الخطأ.
وهو ما ذكرني بما فعله السلطان العثماني محمود (عشرينيات القرن التاسع عشر) حين أطلق على جيشه اسما لا يزال ساريا للآن هو «العساكر المحمدية المنصورة»، الأمر الذي شجعني على أن أقترح تغيير اسم الشرطة عندنا بحيث تصبح «العساكر المصرية المعصومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق