الحل الأمني فشل
فهمي هويدي
عندي أربع ملاحظات على حادث التفجير المروع الذي استهدف مديرية أمن المنصورة صباح أمس هي:
1 - إننا بصدد جريمة إرهابية من نوعية خاصة جرى التحضير لها بإحكام؛ حيث توافرت لها إمكانيات مادية غير عادية مع قدرات فنية عالية، فضلا عن معلومات دقيقة. ورغم انه ليس معروفا على وجه الدقة ما إذا كان التفجير تم بواسطة سيارة واحدة ام ثلاث سيارات، إلا ان المؤكد أن الذين قاموا بالعملية نجحوا في الوصول قبالة مبنى مديرية الأمن، وكانوا على علم بانعقاد اجتماع القيادات الأمنية، الأمر الذي وفر ظرفا مواتيا لاستهداف الجميع، وإذ يعيد التفجير الى اذهاننا شريط الارهاب الذي عانت منه مصر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي (اقتحام مديرية أمن اسيوط وقتل السياح بالاقصر مثلا)، فإنه ينبهنا ايضا الى المصير البائس الذي تنتهي اليه أمثال تلك الجرائم، التي هي بمثابة عمليات انتحارية غبية، تنتهي عادة بقتل أعداد من المواطنين الابرياء في حين تفشل في مواجهة الدولة.
2 - إن الصدمة ينبغي الا تفقدنا التوازن بحيث تدفعنا الى الانفعال والتسرع في التقدير، ذلك ان الجريمة لها خصوصية تستحق الدراسة، وأكاد ألمح فيها خيوطا تصلها بمحاولة اغتيال وزير الداخلية وجريمة قتل المقدم محمد مبروك مسؤول ملف الاخوان بجهاز الأمن الوطني، ورغم ان مصر تشهد الآن حملة ضد العمليات الارهابية، إلا انه من المهم للغاية ان يتم التمييز بين الجماعات التي تطلق عليها تلك الصفة بحيث لا يوضع الجميع في سلة واحدة، لأن من شأن ذلك الخلط ان يضلل جهات التحقيق والتحري، في حين ان التمييز المفترض يسمح بتوجيه الأعين صوب الاطراف التي يتوقع منها اللجوء إلى ذلك الاسلوب من العنف، في حين يدفعها الى استبعاد اطراف اخرى. وقد لاحظت صدى لذلك التسرع في الاخبار التي تواترت امس وتحدثت عن الاتجاه الى اعتبار الاخوان جماعة إرهابية، ومثل ذلك تردد في حالات سابقة اعلنت في اعقابها مجموعة انصار بيت المقدس مسؤوليتها عما جرى فيها، وإذا صح ما نقل على لسان وزير الداخلية من ان التفجير الذي وقع بمثابة رد على فض اعتصام رابعة، فإن ذلك لا يخلو من تسرع أيضا، لأنه استبق ولم يحدد بالضبط الجهة المسؤولة عنه من بين المشاركين في الاعتصام - وليس المقصود بذلك تبرئة أية طرف لأن المطلوب هو التأكد من الفاعل الحقيقي لمحاسبته.
3 - إن ما حدث يدل على فشل الحل الأمني، فلا فض الاعتصامات، ولا التوسع في الاعتقالات التي طالت نحو 14 الف مواطن، ولا قانون منع التظاهر ولا تلفيق القضايا وادخال المئات فيها.
ذلك كله لم يوقف التوتر والعنف، بل اننا صرنا نقتنع حينا بعد حين ان الدوامة مستمرة، وان العنف يولد العنف ناهيك ان خبرة البشر دلت على ان الحلول الأمنية لم تجلب استقرارا ولا اوقفت عنفا. ولا مفر من الاعتراف بأن الاحداث التي تعاقبت في مصر خلال الاشهر الماضية خلفت جراحا عميقة لم تلتئم، وأشاعت مرارات واحقادا ليس من اليسير تجاوزها أو نسيانها، بالتالي فإن المخلصين لهذا الوطن والحريصين على مستقبله يتعين عليهم مداواة تلك الجراح، ومعالجة المرارات قبل أي شيء آخر، ولا يسألني احد ما الذي يتعين عمله في الوقت الراهن؛ لأن الامر يحتمل اجتهادات عدة، لكن الذي أستطيع أن أؤكده ان ترك تلك الجراح والقفز فوق المرارات والاحقاد المتخلفة مما لا ينبغي عمله، بذات القدر فإننا لا ينبغي ان نستبعد الحلول السياسية التي تقوم على التفاهم والبحث عن حلول وسط وتستبعد وسائل الاكراه والقهر. التي هي وجه آخر للعنف.
4 - إن ما حدث لا يعني فقط فشل الحلول الأمنية لكنه يعني ايضا ان ثمة خللا فادحا في اجراء التأمين، الامر الذي ينبهنا الى مدى القصور في اداء الاجهزة المختصة بذلك الجانب، وإذ نلحظ ان الكفاءة مشهودة في ملاحقة المتظاهرين والقبض على الفتيات حاملات «البلالين» والاستئساد على طلاب الجامعات في داخل حرم الجامعة، واختطافهم من المقاهي المجاورة، فإننا نلاحظ انكشافا معيبا في تأمين المنشآت الحيوية والشخصيات العامة، من هذه الزاوية فإنه من المهم التحقيق في كيفية وصول الارهابيين الى مبنى مديرية أمن الدقهلية المطل على شارع مقصور المرور فيه على سيارات الداخلية، وفي كيفية تجهيز عملية التفجير بما تضمنت من رصد وتجنيد واختراق للمعلومات المتعلقة بالاجتماعات، اضافة الى توفير المتفجرات والسيارات، دون ان تشعر بذلك الاجهزة الأمنية، والكلام الذي قيل عن مبنى مديرية الأمن في المنصورة ينسحب على تفجير مبنى المخابرات العامة في الاسماعيلية، كما ينسحب على محاولة اغتيال وزير الداخلية وقتل مسؤول ملف الاخوان بالأمن الوطني، وهي عمليات لا تتم بين يوم وليلة ولكنها تتطلب إعدادا ورصدا وتتبعا يستغرق عدة اسابيع ان لم يكن اشهرا، وقد تم كل ذلك دون ان تشعر به الاجهزة الأمنية.
أدري ان هذه ملاحظات متعجلة قد تصَّوب او تضاف اليها ملاحظات اخرى حين يتقدم التحقيق وتتضح ابعاد الصورة، بما يمكننا من ان نعرف عن الحدث وملابساته مالم يتح لنا ان نعرفه بعد ساعات قليلة من وقوع الحادث، وأرجو ألا أكون قد وقعت فيما حذرت منه عندما انتقدت التسرع في تصريحات المسؤولين في حين تسرعت أنا في التعليق والتعقيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق