العودة: لا لشيطنة "الإخوان"..
والمغرب تجاوز "الثورات" بأقل الخسائر
وبخصوص دعوته للقيام بإصلاحات سياسية في السعودية، وما تلاها من اتهامات له بزعزعة الاستقرار، أفاد العودة بأن دعوته كانت "صيحة نذير يدري أن الخطر الذي يدمر الدول ليس مؤامرات من خارجها، بل انهيارات وتراجعات من داخلها"، دون أن يستبعد أن تشهد بلاده شيئا مما سُمي "الربيع العربي"، لأنها مثل "بلاد الله الواسعة تحكمها سنن إلهية لا تحابي أحدا".
وفي الشق الخاص بالمغرب، أكد الداعية السعودي أن "المغرب نجح في تجاوز الأزمة بأقل الخسائر، والمأمول منه أن يقدم للمشرق تجربة فريدة في التشارك السياسي والتداول المدني للسلطة"، مشيدا في الوقت ذاته بالتراجعات الفكرية التي أقدم عليها سلفيون مغاربة.
وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور سلمان العودة:
الشيخ سلمان العودة..صرت في السنوات القليلة الأخيرة محط جدال ومتابعة إعلامية كبيرة، ما هي يا ترى أسباب هذا الاهتمام الإعلامي العربي خاصة بشخصك؟
أتصرف وأكتب بعفوية، ومع الزمن والتجربة صرت أكثر تحوطاً.. وأؤمن بحرية الإنسان ومسؤوليته واستقلاله، بحيث لا يكون مجرد صدى لما يدور حوله .. ولعل بعضنا يفتقد الاهتمام بالقضايا الجوهرية، ويفتقر إلى برنامج نهضوي وتنموي، ولذا ينشغل بالصغائر.
هذا الجدل الذي يواكب مقالاتك أو تصريحاتك رافقته اتهامات كثيرة في حقك..لعلنا في هذا الحوار لو تفضلت تجيب عن بعضها..ومن ذلك أنك تقوم بالترويج لفكر الإخوان المسلمين في بلدك المملكة العربية السعودية..فبم ترد؟
لا أؤمن بشيطنة الإخوان لمقاصد السياسة، والإخوان رافد فكري من روافد التكوين لدى شريحة من القراء، ولست مروجاً لفكرهم ولا فكر غيرهم، بل لقناعاتي وإيماني، ولا ألتفت لدوائر التشويش الإعلامي والأمني، وبلدي استقبل الإخوان واحتفى بهم وسخر وسائل الإعلام والتعليم لنشر قضيتهم أيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر!
أستاذ العودة..اتهمك آخرون بزعزعة استقرار بلدك بسبب تصريحات لك حول ضرروة إطلاق إصلاحات سياسية نظرا للاحتقان الذي تعيشه السعودية جراء استشراء الفساد المالي والإداري.. كيف ترد هذه التهمة الخطيرة أيضا؟
إنها صيحة نذير، يدري أن الخطر الذي يدمر الدول ليس هو مؤامرات من خارجها ، بل انهيارات وتراجعات من داخلها، ونقائص تتفاقم دون أن تجد العلاج الناجح.
أما من يسيطر عليه التفكير الأمني، ويقرأ الحروف من زاوية سلبية فهذا شأنه.
دعوت يا شيخ سلمان إلى إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين بسجون المملكة..وهو ما لم يرق لبعض الجهات التي قالت إنك تتناقض مع نفسك..باعتبار أنك سبب من بين الأسباب التي جعلت هؤلاء الشباب يدخلون السجون.. فهل وقعت فعلا في تناقض كما يقول هؤلاء المنتقدون لمواقفك؟
ليتهم يحددون الكلمات التي قلتها حتى يقدموا دليلاً على ما يقولون ..كل ما يدّعي بدون دليل يمكن نفيه بدون دليل ..
و"الشيخ غوغل" حكم موثق .. أزعم أن عندي مئات المقالات والتعليقات والنشرات على مدى عشرين سنة كنت فيها محذراً من ذهاب أبنائنا لمواطن النزاع في العالم، حتى يوم كانت الدول تسهله وتشجّع عليه، ومن ادعى عني خلاف هذا فهو "كاذب"، وعليه أن يسوق نصاً واحداً يعزز ما يقول .. وهيهات!
ولمثلهم أقول (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
اختلط الأمر عند الكثيرين بخصوص مسارك الفكري والإعلامي الحالي..تنتقد الأوضاع أكثر مما تعظ في الدين إلى حد تساءل البعض هل سلمان العودة ثائر أم إصلاحي أم واعظ دين؟..هل لك أن تجيب الحائرين بهذا الشأن؟
لست مشغولاً بتصنيف ذاتي، فهذا أتركه لغيري ممن يتصف بالحيادية والموضوعية وحسن المتابعة .
أما المنحاز، أو المتسرع فأحكامه عادة تكون منحازة أو متسرعة.
هل تعتقد بأنه يمكن أن تشهد بلادك شيئا من "الربيع" العربي الذي لم يستقر بعد على حال؟
بلادي مثل بلاد الله الواسعة تحكمها سنن ونواميس إلهية لا تحابي أحداً، ولا تخضع لنظرات جزئية أو وقتية.
وفي كتابي "أسئلة الثورة" ذكرت أن الناس لا يريدون الثورات لأنها غير مضمونة النتائج وقد يستغلها من ليس من أهلها ولا أحد يدعو إلى الثورة إلا الفساد والاستبداد والظلم وتجاهل المتغيرات .. وكلها "معاصي" لله، مثلما هي "عدوان" على عباده.
على ذكر الربيع العربي كما اشتهر إعلاميا وسياسيا..كيف تقرأ بعين الفقيه العارف بشرع الله، قبل عين السياسي، الأوضاع الراهنة في كل البلدان التي شهدت "ثورات" أطاحت بأنظمة الديكتاتوريين؟
أرى أن الأوضاع لا زالت غير مستقرة، لأسباب تاريخية، وتحتاج إلى سنين أخرى حتى تتضح الملامح والمعالم التي تسير إليها.
لكن في الجملة أرى زوال أنظمة استبدادية قمعية في عدد من الدول زوالاً لواحد من المعوقات في طريق النهوض، وزوال العوائق لا يعني انطلاق المسير، ما لم يتوفر حراك صادق وشامل ووعي وتوافق وطني.
قبل مدة خلت هاجم الشيخ القرضاوي حزب الله بشكل حاد نتيجة مشاركته في الحرب على الشعب السوري الأعزل.. هل توافقه على ما ذهب إليه القرضاوي في التهم التي كالها إلى حسن نصر الله وحزبه؟
موقف حزب الله في سوريا شائن وطائفي ويؤسس لحروب واسعة، والوقوف مع نظام قمعي يقتل الأطفال والنساء بمئات الآلاف ويشرد الملايين هو وصمة عار على كل من يدعي نصرة المستضعفين، ثم يمارس الطغيان في أسوأ صوره.
هل يمكن القول بهذا الصدد أن جلسات ودعوات الحوار السني الشيعي كانت مجرد هراء أو نفخ في الهواء؟
في معظم دول العالم الإسلامي توجد أقليات شيعية عاشت منذ قرون طويلة في ظل حكم سني يحتويها ويحفظ حقوقها مع معرفته برأيها في عدم شرعيته، وهذا من العدل ..
وليس مطلوباً أن يتحول الجوار والتعايش إلى حروب أهلية واستئصال للأقليات، لكن أهواء السياسة وألاعيبها ونظام "الولي الفقيه" أضرّ بالعلاقات السنية - الشيعية كثيراً.
تبدو أستاذ العودة شخصية ذات كاريزمية وتأثير ملحوظ بخلاف الكثير من علماء الدين...في تويتر مثلا يتابعك أكثر من 3.5 مليون شخص.. هل ترى أن تويتر أو الفايسبوك صارا أكثر تأثيرا من منابر المسجد مثلا؟
لقد تراجع دور المنبر في ظل سطوة السياسة وتحجيم مهمة الخطيب، بينما تحفل الشبكات الاجتماعية بنطاق واسع من الحرية، وتمنح الجميع حق التعبير والحوار والتواصل، مع اختصار الزمان والمكان واللغة وتوظيف الصورة .. فلا غرو أن وجدت هذه القنوات فراغاً فتحركت فيه..
كما أن حرماني من الدروس والمحاضرات مكنني من التواصل المباشر مع الناس في أفراحهم وأتراحهم.
تجربة حكومة بنكيران بالمغرب التي يسمونها نصف ملتحية لأنها حكومة يقودها حزب إسلامي، لكن في ائتلاف سياسي مع أحزاب أخرى منها حزب كانت له مرجعية اشتراكية من قبل.. كيف ترى إمكانية نجاح هذه الحكومة بمثل هذه المواصفات في القيام بالإصلاحات التي تبعد عن المغرب خطر الثورات الشعبية؟..
المغرب نجح في تجاوز الأزمة بأقل الخسائر، والمأمول أن يقدم للمشرق تجربة فريدة في التشارك السياسي والتداول المدني للسلطة.. ولا أملك الحكم على التجربة تفصيلاً، لأننا انشغلنا بالمناطق الساخنة في ثورات الربيع العربي..
السلفيون بالمغرب أصناف..من كانوا يسمون بالسلفية الجهادية قاموا بتراجعات فكرية واضحة.. هل تقرون هؤلاء المشايخ مراجعاتهم واندماجهم مع المجتمع بعد أن كان بعضهم يصنف الناس والمسلمين إلى أصناف وأقسام..؟..
المراجعات حدثت في ليبيا ومصر، وعدة دول، وهي خطوة جيدة علينا تشجيعها فأن تعود متأخراً خير من أن لا تعود، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل .. وإن كانت بعض وسائل الإعلام تضخم الأمور وتمارس ضغوطاً وتوظيفاً سلبياً ، والمأمول أن نرتقي إلى مستوى الموضوعية والمسئولية دون تهميش أو إقصاء أو تسرع في الاتهام أو استفزاز .
في المغرب.. لا توجد أبناك إسلامية إلى حدود اليوم...الشيخ القرضاوي سبق له أن أفتى منذ سنوات بجواز اقتراض المغاربة من البنوك الحالية ـ الربوية ـ مادامت المصارف الإسلامية غير موجودة، مستدلا ببعض البلدان الغربية التي ليست فيها بنوك إسلامية.. هل توافقون على اجتهاد القرضاوي في هذا السياق؟
لا أجد حاجة إلى استخدام القروض الربوية.. وعلينا إيجاد البدائل الشرعية الملبية لحاجات المجتمع، فالربا حرب على الله ورسوله، ومع شرعنته فلا خير ولا بركة للاقتصاد.
كلمة أخيرة:
شكراً لحواركم الجميل..وشكرا لقراء هسبريس المغربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق