الاثنين، 11 أغسطس 2014

حصوننا مهددة من الداخل

حصوننا مهددة من الداخل

فهمي هويدي
الكلام عن أن مصر في خطر يحتاج إلى تحرير وتفكيك، ليس فقط من ناحية مضمون الخطر وإنما أيضا من جهة مصدره.
وهذا الذي أدعو إليه يكتسب أهميته من أن مصطلح ´الخطر بات يتردد على ألسنة كثيرين من المسؤولين ومن والاهم.
 وقد أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه مع الإعلاميين أول من أمس ´السبت 9/8 ذلك أنني أفهم الخطر بحسبانه كل عارض سلبي جسيم، يسبب ضررا بالغا لمصالح الكيان أو وجوده. وأفرق في هذا الحالة بين خطر يهدد النظام وآخر يهدد الدولة. وهي تفرقة مهمة لأن خطابنا الشائع يعتبر تهديد النظام بمثابة إسقاط للدولة، مع أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، وقد تتابعت على مصر أنظمة عدة في حين ظلت الدولة ثابتة كما هي.
 بل إننا أحيانا نختزل الوطن والدولة في الزعيم، ونعتبر أي نقد أو معارضة له، هجوما على النظام ودعوة لإسقاط الدولة، وتلك أيضا مغالطة أخرى تشيع حالة من الإرهاب الفكري تدعو لقمع المعارضين وإسكات أصواتهم.

تشجعنا تلك المقدمة على طرح ثلاثة أسئلة جوهرية في عملية التحرير والتفكيك، هي:
إلى أي مدى تعتبر التحديات التي تواجهها مصر بحسبانها أخطارا تهددها؟
وعلى فرض وجودها فهل تهدد تلك الأخطار النظام القائم في مصر أم الدولة المصرية؟
أما السؤال الثالث فهو: هل تلك الأخطار المفترضة خارجية أم داخلية؟
حين يفكر المرء في السؤال الأول فقد تتراءى له تحديات ترقى إلى مستوى الأخطار. منها مثلا التداعيات المترتبة على بناء سد النهضة الإثيوبي التي من شأنها التأثير على حصة مصر من المياه، الأمر الذي يمكن أن يؤدى إلى إماتة الزراعة على ما يذكر أغلب الخبراء، منها أيضا تفاقم الأزمة الاقتصادية بالقدر الذي يؤدى إلى إفلاس البلد ويفوق قدرة الناس على الاحتمال ــ منها ثالثا الانفجار السكاني إذا لم يتم التعامل معه بحكمة ورؤية. منها كذلك تصاعد مؤشرات التجاذب الداخلي بما يدفع البلد إلى مشارف الحرب الأهلية.. إلخ.

لا أظن أن الرئيس في حديثه كان يقصد شيئا مما ذكرت، أو على الأقل فإن سياق حديثه لم يوفر لنا القرائن التي تسمح لنا بأن نعتبر أن تلك الملفات كانت في خلفية حديثه عن الخطر ولكن شواهد الحال وسياقات الحوار دلت على أن الرئيس كان يقصد مجموعة المشكلات التي لاحت في الأفق السياسي في داخل مصر أو من جيرانها ومحيطها العربي ــ وربما بعض الضغوط الخارجية أيضا.

لن أحتاج إلى التفصيل في الإجابة عن السؤال الثاني، لأن الدولة المصرية أثبت وأعرق من أن تتأثر بأية رياح تهب عليها أو أية سهام توجه إليها، بالتالي فإننا نصبح بصدد تحديات تواجه النظام المصري بالدرجة الأولى.
 صحيح أن الدولة تقلص دورها ووزنها وخرجت من معادلة التأثير في المنطقة في عهد الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، إلا أن ذلك كان بسبب السياسات التي اتبعاها، بما استصحبته من تبعية للخارج، وانكفاء على الداخل ولم يكن بسبب أية أخطار خارجية استهدفت مصر.

هل هذه الأخطار المفترضة أو المشكلات خارجية أم داخلية؟ هذا هو السؤال الثالث الذي طرحته وإجابتي عنه كالتالي: في التقييم الموضوعي فإن الباحث لا يكاد يجد خطرا أو تحديا خارجيا يهدد مصر النظام أو الدولة. هناك مشكلات وخلافات صحيح، ولكنها ليست في مستوى الخطر أو التهديد الوجودي، فالحدود مع إسرائيل، العدو التاريخي مؤمنة أو صارت كذلك، بحيث إن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب باتت أفضل منها بين القاهرة وبعض عواصم الدول العربية والمجاورة، ولا توجد خلافات حدودية تذكر مع السودان، حتى ملف مثلث حلايب يظل موضوعا خلافيا لا يمثل خطرا أو تحديا. والفوضى الحاصلة في ليبيا بكل عناوينها لا تمثل تهديدا لمصر من أي باب، والأوضاع ليست هادئة في سيناء حقا، لكنها تحت السيطرة وتظل مصدرا للقلق وليست مصدرا للخطر. 
وكل الضجيج الذي يحدثه التنظيم الدولي للإخوان أو المنظمات الحقوقية الدولية، أو الاختلاف في وجهات النظر مع واشنطن، أو حتى التجاذبات الحاصلة مع تركيا وقطر وإيران بدرجة أو بأخرى، وحتى القلق الحاصل من تقدم «داعش» في العراق وسوريا، ذلك كله يتعذر وصفه بأنه أخطار تهدد مصر. 
وكل ما يقال عن مؤامرات في الخارج هو إما اختلافات تم التهويل فيها أو سيناريوهات جرى اختراعها وتسويقها في وسائل الإعلام لسبب أو آخر.

هذا التحليل والاستعراض يعني أنه إذا كان هناك قلق حقيقي أو حتى خطر يهدد الاستقرار بمصر في الأجل المنظور فمصدره مشكلات الداخل والسياسات المتبعة للتعامل معها، أتحدث تحديدا عن مشكلات الاستقطاب والإقصاء والسياسات الأمنية والاعتقالات العشوائية التي طالت الآلاف والمحاكمات غير العادلة والسياسات الاقتصادية التي ضاعفت من معاناة الفقراء والطبقة المتوسطة، والقوانين والإجراءات التي قيدت حرية التعبير وقمعت المتظاهرين السلميين.

إن حصوننا ليست مهددة من الخارج، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة.
والحديث عن أخطار قادمة من تلك الوجهة هو إما استسلام للوهم أو استنفار أريد به صرف الأنظار عن الأخطار الحقيقة التي ينبغي أن نتصدى لها، الأمر الذي يسوغ لي أن أقول إن التهديد الحقيقي لحصوننا له مصدر أساسي واحد هو الداخل. 
وإذا أردنا أن نتصدى له حقا فينبغي أن نتفرس في وجوهنا جيدا أمام مرآة الحقيقة وأن نتحرى مواقع أقدامنا، قبل أن نتلفت حولنا كي نتلمسه في الفضاء الخارجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق